«تيتانيك» الاقتصاد اللبناني…!
} حسان النجار
أزمة لبنان الاقتصادية بدأت منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث حوّلت الحريرية السياسية اقتصاد لبنان الى اقتصاد خدمات وسياحة. هذا القطاع الهش المتأثر بالأزمات السياسية والمرتبط بالخارج وبالسياسات الخارجية للدولة اللبنانية جعل الاقتصاد رهينة مواقف الدول العربية التي يعتبر مواطنيها مصدر دخل للبنان. فقد كان لبنان الوجهة السياحية الأولى لعرب الخليج.
بعد اغتيال الحريري وحرب تموز تراجعت هذه النسبة لتصبح شبه معدومة بعد الخلافات السياسية مع المملكة العربية السعودية.
رافق وترتب عن الاقتصاد السياحي أمراً أشدّ خطورة من هذا الاقتصاد الهشّ اللامنتج، فكانت «الدولرة» المسمار الأخير في نعش الاقتصاد اللبناني، فربط الاقتصاد بالدولار الأميركي القائم بذاته على تجارة النفط؛ الأمر الذي جعله العملة الرسمية للسوق السوداء في العالم. فلا نجد بلداً في العالم يصدّر فواتير رسمية بعملة بلد آخر غير لبنان، فمثلاً قطاع الاتصالات متعلق بالدولار، الفواتير الخلوية كانت تصدر بالدولار، الأمر الذي يزيد من الطلب على الدولار الأميركي في السوق اللبنانية ما يقوّض العملة الوطنية لصالح الدولار. وفي هذه الحسبة البسيطة المعروضة عليكم سنحدّد الحدّ الأدنى لحاجة السوق المحلية للدولار الأميركي للاستخدام المحلي الشخصي.
ـ نعتبر المقيمين في لبنان ستة ملايين نسمة ولكلّ منهم جهاز خلوي واحد يقوم بتعبئته شهرياً بقيمة 22 دولاراً أميركياً، هذه الحسبة ينتج عنها شهرياً 22*6,000,000 = 132,000,000 دولار ما قيمته 132,000,000*12= 1,584,000,000 $ (مليار وخمسمئة وأربعة وثمانون مليون دولار سنوياً) ايّ انّ السوق المحلية تطلب هذا الكمّ الهائل من العملة الأجنبية لسدّ حاجة تعتبر من الإنتاج المحلي.
لم يكتف الفساد في لبنان والفاسدين المرتبطين بالخارج بهذا الأمر، بل وفي العقد الأخير عملوا على رفع الفوائد الممنوحة على الودائع المصرفية الأمر الذي يعتبر كارثياً على القطاع الإنتاجي. هنا يجب إعلام اللبنانيين ما هي خطورة رفع الفوائد المصرفية، فنحن كاقتصاديين نعرف أنّ نسبة الربح في المشاريع الخاصة تقارن بنسبة الربح المضمون المتمثلة بالفائدة المحصلة من المصارف او سندات الخزينة. فنجد المستثمر يقوم باحتساب أرباحه السنوية ويقارنها بمعدل الفائدة الممنوحة له من المصارف، وهنا يقوم بأمرين أحلاهما مرّ:
يرفع نسبة أرباحه لتوازي بالحدّ الأدنى نسبة الفائدة على الودائع، الأمر الذي يسبّب الغلاء المعيشي.
إنهاء مشروعه وتصفيته ووضع أمواله بشكل وديعة مصرفية، ما يزيد من البطالة واندثار احتمالية خلق فرص عمل جديدة.
هذا الأمر أيضاً يشمل فئة المتقاعدين او المستفيدين من التقاعد المعبّر عنهم بلغة المصارف بـ «صغار المودعين»، فهذا المواطن البسيط يعتبر أنّ هذا الحساب المصرفي «دفتر التوفير» يؤمّن فائدة تكفيه ليسدّ حاجاته الأمر الذي كاد ان ينهي وجود المؤسسات الصغيرة والفردية، فتسمع في الشارع العبارة التالية: «حطّهن بالبنك أريح راس وبلا تعب».
في ما سبق عرض لما حصل قبل الأزمة الاقتصادية ويمكن اعتباره الأسباب الرئيسية غير المباشرة للأزمة، إلا أنّ السبب المباشر لهذه الأزمة تمثل بالهندسة المالية الأخيرة لحاكم مصرف لبنان، فهو توقع حصول لبنان على أموال “سيدر” بعد تشكيل الحكومة غير أنّ الدول المانحة طالبت بإصلاحات مالية لا قدرة للبنان عليها، فكيف للفساد ان يحارب نفسه؟
هذه الهندسة المالية رتبت على مصرف لبنان، وبالتالي الخزينة اللبنانية أعباء إضافية على ديونها. وجعل مصرف لبنان غير قادر على تثبيت سعر الصرف الذي يكبّد أيضاً المالية اللبنانية أعباء ضخمة، عبر تغطية حاجة السوق للدولار من خلال ما يُعرَف بـ “عملية الضخ” فبدأت حالة هلع عند المودعين لسحب ودائع الدولار من المصارف – ما فاق نسبة “الملاءات” بحدّ كبير – الأمر الذي جعل الدولار يشحّ من السوق ويرتفع سعر صرفه في السوق (مبدأ العرض والطلب)، لتأتي التحويلات للخارج باكورة الأزمة المالية، فلما طلبت منهم الدول المانحة مكافحة الفساد أخرجوا كتلة نقدية كبيرة إلى خارج لبنان تاركين خلفهم اقتصاداً معتمداً على الدولار بدون دولار في السوق ليصبح سعر صرف الدولار في يد الصرافين خارج إطار الرقابة.
هذه الحلقة الانفجارية المتمثلة بالدولار والاقتصاد المصرفي والبطالة هي المؤشر الذي جعل الاقتصاديين في لبنان يرفعون الصوت بأنّ لبنان دخل في أزمة مالية اقتصادية لا قاع لها بينما الناس تضحك وتمرح…هذا ما أوضحه بالتفصيل النائب سليم سعادة في كلمته الاقتصادية التي وصفت الوضع الاقتصادي اللبناني بدون أيّ تلميع او تجميل في جلسة مناقشة الموازنة السابقة.