تشكيل الحكومة: هبّة ساخنة وهبة باردة والانتظار سيّد الموقف…
} علي بدر الدين
طارت الوعود والمواعيد التي تبشر بالإعلان عن تشكيل الحكومة في مهبّ الريح ولم تحط رحالها بعد، مع أنّ التفاؤل باقتراب ولادتها كان حاسماً وطاغياً قبل رأس السنة أو بعده بأيام، ولكن يبدو أنه كان خادعاً وملغوماً، وانطلى على سياسيين وإعلاميين تسابقوا للتبشير بالحكومة وبوزرائها وتوزّع الحقائب عليهم، غير أنّ حساب الحقل لم ينطبق على حساب البيدر، لأنهم صدّقوا وأيقنوا أنّ الطبقة السياسية الحاكمة سلكت طريق التوبة والالتزام بالوعد الذي قطعته على نفسها، بالإسراع في تشكيل هذه الحكومة العتيدة، ولكن ليس قبل أن تضمن حصتها في غنيمة الحكومة قبل الإعلان عنها، أسماءً أو حقائب ومكاسب، وهي ليست في وارد التنازل عنها حتى قيد أنملة، ولو بلغ السيل الزبى لأنّ مصالحها ووجودها على المحكّ وهي بالنسية لها الأهمّ والأبقى. أما لبنان وشعبه فلهما رب يحميهما ويخفف عنهما كلّ صنوف الأزمات الاقتصادية والمالية والمعيشية يفضل مكرمات وعطاءات هذه الطبقة التي جعلت من هذا الوطن مكاناً آمناً للفقراء والموجوعين والعاطلين عن العمل ولحيتان المال وأصحاب المصارف الذين سلبوا أموال المودعين.
انّ تشكيل الحكومة تحوّل الى ملهاة أبطالها قوى سياسية طامعة وطامحة الى التسيّد والنفوذ أصالة أو بالوكالة، ومسرحها هذا البلد الذي يئنّ شعبه من جشع الطبقة السياسية ونهمها وجوعها العتيق على قاعدة اثنان لا يشبعان طالب السلطة وطالب المال. هذه الحكومة التي طال انتظار إعلان ولادتها قد يكون في أيّ لحظة من دون وعد أو موعد محدّد، ومهما كانت طبيعية او قيصيرية أو مشوّهة لأنّ البلد في مرحلة التداعيات على صعيدي الداخل والإقليم، وبحاجة للخروج من الفراغ الذي أحدثته الحكومة المستقيلة، التي لم تصرّف الأعمال.
وعلّ الجديدة تحدث صدمة إيجابية وتحدث فرقاً أو خرقاً قد يفسحان المجال أمام فرصة جديدة لفكّ قيد الأزمات المتفاقمة وتشكل مفتاحاً لازالة العوائق من طريق العمل والإنتاج وتفعيل المؤسسات واقرار القوانين المطلوبة بالحاح واسترجاع حقوق اللبنانيين المكتسبة والمغتصبة.
من حق الشعب أن يأمل ويتفاءل مع أنه لم يعتد على الأخبار السارّة الممنوعة عليه ماضياً وحاضراً، ويبدو أنها لن تحصل في المستقبل رغم الوعود التي يطلقها أهل السلطة بأنّ الغد سيكون أفضل، وهو يجد نفسه محاصراً بين فكي كماشة السلطة والفساد والمحاصصة، وكلما قال «لعلّ وعسى جدّ الرحيل» إلى المجهول، ليس فقط على صعيد تشكيل الحكومة لأنه خبر بالملموس كيف تتشكّل ومن يشكلها وليس بالنسبة له جديداً أو مفاجئاً ما يؤخر تشكيل هذه الحكومة ولم تقنعه العناوين والشعارات البراقة التي تواكبها، ومحاولة إغرائه بأنها ستكون من وزراء على مستوى عال من الاختصاص والأداء وهم من خارج العباءات السياسية والحزبية وهم أيضاً من الاختصاصيين المستقلين.
غير أنّ الذي يحصل اليوم لا يختلف أبداً عن أسلوب تشكيل الحكومات المتعاقبة والمكشوف أنّ الطبقة السياسية تحاول التمويه والتغطية على دورها وكأنها على الحياد وأنّ تسمية الوزراء وتوزيع الحقائب الحرية فيها للرئيس المكلف، وتحميله كلّ المسؤولية بتأخير التشكيل بعد أن أطلقت يداه ليفعل ما يشاء مع أنها تمارس هوايتها في تضليل الناس وتكذب عليهم وتعدهم بالمنّ والسلوى ولكن بطعم العلقم، وهي انْ خرجت من باب التشكيل تدخل من «الشباك» الأوسع، ولأنه بات ثابتاً وواضحاً أن لا حكومة من دون الطبقة السياسية التي تتقاسم الحصص.
وهذا ما يعقد الأمور ويعرقل التشكيل، وأصبح الرئيس المكلف أمام خيارين كلاهما مرّ، فإما الرضوخ لإملاءات وشروط وحصص القوى السياسية وإما الاعتذار لانه مهما حاول وقدّم جوائز ترضية فالحكومة لن تبصر النور إلا بتوقيع القوى المعنية بالتشكيل، وعكس ذلك يعني الحساب في جلسة الثقة النيابية.انّ لبنان لطالما كان في عين العاصفة الإقليمية والدولية وهو يغرق بالديون والأزمات، وشعبه يعاني الفقر والجوع والبطالة والغلاء الفاحش وقلة الموارد، بفضل أداء الطبقة السياسية، التي تملك وحدها الحلّ والربط والقرار، وعليها تقع المسؤولية الأولى في إزالة العوائق إفساحاً في المجال لولادة الحكومة سريعاً أو مصارحة الشعب والرئيس المكلف بحقيقة ما تريده، وإذا كانت تماطل وتراوغ وعينها على اسم آخر أو مكان آخر، لأنّ الوقت ليس لمصلحة لبنان وكفى مضيعة للفرص، وحتى لا يصدق ما تقول وسائل التواصل الاجتماعي في لبنان وخارجه: «في لبنان لم يجدوا فاسداً ليضعوه في السجن ولا نظيفاً ليضعوه في الحكومة».