زيارة بوتين تهدئة وترسيخ وجود
} سماهر الخطيب
أثارت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى دمشق بالأمس، ولقاؤه الرئيس السوري بشار الأسد التكهنات حول أسباب الزيارة المفاجئة وغير المعلنة، وبشكل خاص وسط ما تعانيه المنطقة من قرع لطبول الحرب التي لم تنتهِ منها سورية وهي تواجه ما تواجهه من محاربة للإرهاب على أراضيها منذ تسع سنوات وقد لاح لها نصر في أدلب بعد معارك عدة في ريف المحافظة واستعادة عشرات القرى كانت واقعة تحت رجس الإرهاب ومؤامرات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان..
وما أن وطأت قدم الرئيس الروسي في الأراضي السورية حتى بدأت التكهنات التي تحاول التكهن في أسباب هذه الزيارة، وإن كانت مفاجأة للعوام. إنّما في عقلية الدول أتت هذه الزيارة في موعدها وإن لم تكن ضمن برنامج الرئيس الروسي قبل أيام إنما ما شهدته المنطقة من أحداث مفاجئة جعلت هذه الزيارة لمتابعيها مفاجأة، وإن لم تكن منذ تسع سنوات لتصبح المرة الأولى منذ بدء الحرب السورية التي يزور فيها رئيس الدولة الحليفة لسورية أرض عاصمتها ويتجوّل في جوامعها وكنائسها، إذا اعتبرنا أنّ هذه الزيارة هي الثانية لبوتين إلى سورية بعد زيارته أواخر 2017 في قاعدة حميميم العسكرية التابعة لروسيا في اللاذقية الساحلية..
فما خلفيات هذه الزيارة وما الذي تخبئه من تداعيات تظهر بوادرها في الأيام المقبلة بل في اليوم التالي وتحديداً في أنقرة، حيث يزور بوتين نظيره التركي لتدشين المشروع المشترك أنبوب الغاز السيل الشمالي التركي، وكذلك بحث الملف السوري وكذلك الليبي..
فيما تأتي زيارة بوتين وسط مشهد ضبابي يحيط بالمنطقة، عقب عملية الاغتيال التي قامت بها الولايات المتحدة في العراق، وأدّت إلى استشهاد قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس ومَن معهما، ورفع سقف التهديدات الإيرانية بحتمية الرّد مع تواصل الهجمات التي يشنها الجيش السوري بمساندة من الطيران الروسي، على محافظة إدلب شمالي غرب سورية واستعادة السيطرة على قرى عدة في ريف المحافظة المذكورة..
وبالتالي تعتبر هذه الزيارة فرصة للتوافق الروسي السوري، حول معركة إدلب التي تمت بالتعاون مع الطيران الروسي. في المقابل تأتي المباحثات حول الخطط الروسية المتعلقة بالوضع في إدلب، في صلب هذه الزيارة، خاصة أنّ بوتين سيتوجه إلى أنقرة للقاء أردوغان وبالتالي مناقشة ملفات سياسية مشتركة بينهما، وفي مقدمتها الوضع في إدلب، ولطالما عرف عن الرئيس الروسي والدبلوماسية الروسية الناجعة في التوفيق بين الأطراف وتدوير الزوايا لتقريب وجهات النظر وتحقيق النصر السياسي عبر هذه اللقاءات التي تأتي في خانة لقاءات القمة ما يظهر أهمية هذه اللقاءات وانعكاساتها على الساحة الدولية.. وأكبر دليل الدور الذي لعبته روسيا في كبح حدّة الهجوم الذي شنه الجيش التركي على شمال شرق سورية.. ومن المعروف أن لأردوغان دوراً أساسياً في هذه المعركة لما له من تأثير على المسلحين القاطنين في إدلب..
وقد أعلن أردوغان سابقاً بأنه سيناقش مع بوتين وقف إطلاق النار في إدلب شمالي سورية، مشيراً إلى أن بلاده ستستضيف «قمة رباعية حول سورية في شباط المقبل في مدينة إسطنبول، تضمّ ألمانيا وبريطانيا وروسيا، إلى جانب تركيا». وهذا الإعلان يعتبر عنواناً لمرحلة مقبلة تشهدها الساحة السورية يسجل للروسي طوال سنوات دور كبير للوصول لها..
كما تأتي الزيارة على عجل، كتعميق للعلاقات العسكرية والسياسية والاستراتيجية الثنائية وتذكير بالنصر الذي حققه الطرفان على الإرهاب، وتأكيد للدعم في استكمال التحرر بكل السبل مع خطورة التطورات الراهنة، بعد التصعيد الذي شهدته المنطقة عقب اغتيال سليماني وتصاعد الحديث عن إمكانية نشوب حرب إقليمية، وذلك في محاولة لتجنيب سورية تداعيات مثل هذه المواجهات، عبر الطلب من الحكومة السورية الحياد عن هذه الحرب في هذه الفترة، لأن أيّ انخراط للدولة السورية في حروب محتملة مع الولايات المتحدة سيؤدي إلى «عرقلة» الجهود الروسية التي بذلت على مدار السنوات الماضية، من أجل تمكين الدولة السورية في استعادة قسم كبير من الأراضي لسلطتها، فضلاًً عن الجهود الروسية لإعادة تعويم الدولة السورية على الساحة الدولية..في المحصلة يأتي حضور الرئيس الروسي إلى سورية لتأكيد وجوده في المنطقة وسط ما تشهده من تداعيات باعثاً برسالة عبر هذه الزيارة إلى نظرائه الغربيين والأميركي تحديداً بأنّ منطقة الشرق الأوسط اليوم لم تعد تلك المنطقة التي تستباح حرمتها بدون النظر للمصالح الروسية، وبأنّ على أميركا ودرعها العسكري المتمثلة بالناتو إعادة النظر بأي خيار يمكن أن تتوجّه إليه إذا ما أرادت شنّ حرب شاملة. فعليها أن تعلم بأن مَن وقف إلى جانب سورية طوال سنوات في الحرب العسكرية وكذلك السياسية عبر استخدام حق النقض الفيتو أكثر من 14 مرّة ضدّ قرارت كانت ستودي بالشعب السوري والدولة السورية، عليها أن تعلم أنّ روسيا التي تمكنت من إجبار الكثيرين على الحديث عنها، ستعتزم مواصلة فرض «رؤيتها وأسلوبها»، ما سيعزز الوجود الروسي في الساحة الدولية..