المارد الذي سيغيّر وجه الشرق…
شوقي عواضة*
لم يكن قرار اغتيال اللواء قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس وليد لحظته بل كان قراراً مدروساً ومتقناً كشف مدى عجز الولايات المتحدة الأميركية وضعفها رغم كلّ ما مارسته من ضغوطات وحصار على الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ انتصار الثورة بقيادة الإمام الخميني، والتي لم تجن منها ولايات الشرّ إلا المزيد من الهزائم. وعلى قدر ما كان قرار الاغتيال متقناً على قدر ما كان قراراً غبياً عرّى حلفاءها في الكيانين الصهيوني والسعودي وكشف مدى إفلاسهم، لتأتي عملية الاغتيال كردّ على تلك الهزائم المدوية التي بدأت بانتصار الثورة الإسلامية عام 1979 وإسقاط عملاق الولايات المتحدة في المنطقة حينها شاه إيران، وتلى ذلك سحقهم لقوات النخبة الأميركية في عملية طبس، لتتوالى الصفعات الإيرانية للولايات المتحدة الصفعة تلو الأخرى حيث شهدت المنطقة قيام فيلق القدس الذي كان له دور كبير في دعم وتطوير قدرات المقاومة التي هزمت الكيان الصهيوني شرّ هزيمة في لبنان بدعم من إيران وسورية، تلك المقاومة التي تعاظمت قوّتها وقدرتها في لبنان وفلسطين وأرعبت الكيان الغاصب وأضحت تهدّد وجوده من داخل فلسطين وخارجها، إضافة إلى دورها في سحق مشروع الشيطان الأكبر الإرهابي في سورية والعراق ولبنان، المتمثل بداعش والنصرة، والعجز الكلي لولايات الشر وحلفائها بني سعود والكيان الصهيوني من تحقيق أيّ إنجاز على مدى خمس سنوات من العدوان على اليمن، لا سيما بعد استهداف شركة «أرامكو» وقصفها بالطائرات المسيرة.
كلّ تلك الانتصارات والإنجازات كانت ممهورة بختم اللواء الحاج قاسم سليماني. لذا كان لا بدّ لتحالف الشر المهزوم والغبي من أن يحاول تجميل صورته التي هشمها جنرال المقاومة قاسم سليماني من إيران إلى صنعاء مروراً بالعراق وسورية ولبنان ووصولاً إلى فلسطين حيث كان اللواء سليماني المارد المرعب للكيان الصهيوني الشريك والمحرّض الأساسي في عملية الاغتيال، وما يؤكد ذلك تركيز وسائل الإعلام العبرية في الأشهر الأخيرة على اللواء سليماني إضافة إلى استهدافه إعلامياً عبر الإعلام السعودي في العراق ومحاولة اغتياله معنوياً لا سيما مع انطلاق المظاهرات في العراق، وسبق ذلك ايضاً معلومات في صحيفة «نيويورك تايمز» أكدت فيه وجود مخطط سعودي لاغتيال اللواء سليماني في إيران ونقل المعركة إليها. إضافة إلى ما أدلى به الجنرال أفيف كوخافي رئيس أركان الجيش الصهيوني في كلمة له قبل فترة وجيزة من عملية الاغتيال حيث شرح الدوافع التي توجب اغتيال اللواء سليماني نظراً لما يشكله من خطر حقيقي تجلى في محور المقاومة بأكمله المدعوم من إيران، وبالتحديد الجنرال سليماني الذي يشكل رأس قوة فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. كلّ تلك المؤشرات تدلّ على تورّط ثلاثي الشر الأميركي الصهيوني السعودي في عملية الاغتيال ومع تيقنهم بأنّ وجود اللواء سليماني حي هو تهديد لهم لم يدركوا بأنّ اغتياله سيحلّ عليهم لعنات، ولم يعتبروا ويستفيدوا من هزائمهم السابقة في دول محور المقاومة وجاء أول ردّ إيراني صارم وحازم بقصف أكبر تجمع للقوات الأميركية في قاعدة عين الأسد في الأنبار وقاعدة التاجي وتجمع في أربيل ترافق ذلك مع رسائل شديدة اللهجة الى كلّ الدول التي يتواجد فيها قواعد للأميركيين تقول انّ ايّ ردّ من ايّ قاعدة أميركية في تلك الدول على الثأر الإيراني سيتمّ قصف كلّ منشآت تلك الدولة وسيتمّ التعاطي معها كدولة معتدية لا سيما الإمارات والكيان الصهيوني وأثبت الايرانيون أنهم جديون في تهديداتهم وأنهم غير معنيين بأية مفاوضات مع الجانب الأميركي الذي لم ينجح قبل اغتيال اللواء سليماني في استدراج إيران للمفاوضات، فما الحال بعد ارتكاب الشيطان الأميركي جريمته الشنعاء وما يؤكد عدم اهتمام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتلك المفاوضات هو رفضها لاستلام 17 رسالة من وسطاء عرب عادوا وهم يجرّون خيبة أملهم لترامب.
شكل الردّ الايراني محطة فاصلة ومرحلة جديدة أثبتت فيها ايران انّ أميركا ليست إلا نمراً من ورق، وما أنجزه الردّ الإيراني على المستوى المعنوي أهمّ من المستوى العسكري، فإيران هي الدولة الوحيدة التي كسرت هيبة الجيش الأميركي وهشمت صورة ترامب المتغطرس حتى انّ حلفاء ترامب أدركوا انّ أميركا التي كانوا يرونها مارداً ليست سوى صعلوك يختبئ في الجحور عند اشتداد الأمور.
تبقى عملية الردّ مفتوحة بانتظار الردّ العراقي الذي كانت بدايته طلب البرلمان من الإدارة الأميركية سحب كافة قواتها عن الأراضي العراقية، وستليه ضربات الفصائل المقاومة من الحشد رداً على اغتيال القائدين سليماني والمهندس ورفاقهما، وعلى أساس ذلك اذا ما تمّ التعامل مع القوات الأميركية كقوات احتلال في حال عدم انسحابها فانّ هناك إصراراً إيرانياً على طرد أميركا ليس من العراق وحسب بل من كلّ المنطقة والأيام الآتية ستنبئنا بذلك…
*كاتب وإعلامي