قواعد الإمساك بقرار الحرب بين طهران وواشنطن
ناصر قنديل
– الأكيد أنه سواء تمّ التوصل إلى قواعد اشتباك في تحديد طبيعة الردّ الإيراني على العدوان الأميركي الذي أدّى إلى اغتيال القائدين قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس وما تبعه من امتناع أميركي مخالف للتهديدات السابقة عن القيام بأي ردّ، أم أنها حسابات متبادلة أجراها كل من الفريقين على حدة، فالأكيد أن حجم القضايا العالقة بين طهران وواشنطن، التي ترجمها اليأس الأميركي من التوصل إلى تفاوض أو تسوية بقتل سليماني، وترجمت القيادة الإيرانية في مواجهتها رفع سقفها السياسي برفع شعار إخراج القوات الأميركية من المنطقة والتحرّر من كل الضوابط الخاصة بملفها النووي وفقاً لمضمون الاتفاق الخاص به، ما يجعل كل فرضيات حدوث تسوية تنهي الصراع مجرد وهم كبير أو كذبة كبيرة في سياق البروباغندا الإعلامية لتهوين الموقف عند الطرف الخائف من مناخ المواجهة على وضعه الداخلي دولياً وإقليمياً.
– الواضح أن الذي جرى يفتح الباب لفرصة الحؤول دون اندلاع الحرب، وكل حرب في زمن استحالة الإفناء للخصم، أو تدمير قواه بصورة كاملة لفرض الاستسلام عليه، هي مقدّمة لتفاوض سياسي بصفتها حرب استنزاف مكلفة يصمد من يتحمّل تبعات وتداعيات خوضها أكثر من خصمه، ويقطف في النهاية ثمارها بمعزل عن تقديرات القدرة العسكرية الصافية للخصوم المتقابلين. ومن يدقق في مسار حرب تموز 2006 على لبنان وحروب غزة المتكررة يعرف أن النهايات رسمتها معادلات القدرة على الصمود وليس معادلات القدرة على التدمير.
– انطلقت لحظة المواجهة الأولى من تقدير أميركي بأن إيران عاجزة عن تحمل تحدي التصعيد الذي حملته ضربة اغتيال سليماني، فهي في أوضاع اقتصادية صعبة، ولا تملك موارد خوض حرب، وساحتها الداخلية تواجه احتجاجات شعبية وتذمراً من الوضع الاقتصادي، وحال حلفائها ليس أفضل. وساحات الحلفاء تعاني انقساماً سياسياً يهدد قدرتهم على مشاركة إيران بالخطوات اللازمة للمواجهة. والاستنتاج الناجم عن هذه المقدمات هو أن إيران ستعيش تحت ضغط قدرة الردع الأميركية، وتستجيب ولو تحت الطاولة لطلبات واشنطن، خصوصاً بالانسحاب من سورية وتقليص دعمها لحركات المقاومة تمهيداً للعودة للتفاوض حول ملفها النووي.
– البعد العسكري لأي مواجهة محكوم بقدرات نارية عالية للفريقين بالتناسب مع نوعية الأهداف المقابلة التي يريد إصابتها، فلا تحتاج إيران لتحقيق التوازن الناري والعسكري إلى مقدرات موازية لتلك التي تملكها القوات الأميركية لتطال بنيرانها كيان الاحتلال والقواعد الأميركية الواقعة في مرمى صواريخها. وهذا يعني أن العامل السياسي الداخلي للفريقين هو الحاسم في تحديد القدرة على تحمل تبعات قرار حرب، وقد شهدت الأيام الفاصلة بين استشهاد سليماني والرد الإيراني ما يكفي من الوقائع للقول إننا أمام داخلين متعاكسين تماماً؛ داخل إيراني يغلي طلباً للحرب وداخل أميركي يصرخ طلباً لتفاديها، والداخل الشعبي والسياسي الإيراني ظهر موحداً وهادراً باتجاه الحرب، والداخل السياسي والشعبي الأميركي يمسك أنفاسه ويحمل انقساماته سعياً للهروب منها.
– تعامل الردّ الإيراني مع هذه الحصيلة كقانون حاكم للحرب فتمّ صرف بعض بسيط من الرصيد السياسي والشعبي الذي ظهر أنه يشمل كل حلفاء إيران، بردّ يثبت الجهوزية لما هو أشدّ، ويستعرض القدرات على المضي قدماً وإلحاق الأذى، لكنه يفتح الباب لتحكم بحرب استنزاف طويلة تشتغل على الانقسام الأميركي حول الحرب لصالح أرجحية كاسحة ترفضها، وفوقها الانفضاض الشعبي عن خيار الحرب، ليتحكّم بالزمن الانتخابي الأميركي في الشهور المقبلة، وليست حالة التطلب للمزيد من الردود في شارع إيران وحلفائها إلا تعبيراً عما تريده القيادة الإيرانية ومعها قادة المقاومة، للقول لم ننتقم بعد، وهذه ليست إلا طلقة أولى، ويمسكون بناصية الحرب بين أيديهم، وفقاً لمعادلة لكم الخيار بين أن تنسحبوا من المنطقة عمودياً، أي على أقدامكم، بمعنى المخرج اللائق الممكن سياسياً الذي تجدون فيه عذراً لهذا الانسحاب، أو أفقياً، أي في التوابيت، بمعنى الذهاب للحرب، وتحمل التبعات، مع تزايد تعاكس الاتجاهات بين الحالتين الشعبية والسياسية في ضفتي الاشتباك، حول حجم التفويض للذهاب للحرب وتحمل نتائجها. – إيران ومعها قوى المقاومة تضع المشهد الرئاسي الأميركي خلال الشهور المقبلة بين رئيس يقرّر الانسحاب فينال فرصة إعادة انتخابه، أو مرشح رئاسي يأتي في ظلال حرب ويتعهّد بالانسحاب فيُنتخَب.