الاستعداد للحرب يمنع الحرب
} محمد توفيق قرنفل
في الميادين السياسية والعسكرية التأهّب للحرب غالباً ما يمنع حدوثها، وبالإسقاط على الوضع العالمي والإقليمي تصحّ هذه القاعدة إلى حدّ ما، أما بالمتابعة ستتضح أكثر الأبعاد الاستراتجية للسيناريوات التي يمكن أن تفرضها القوى التي تتبنّى هذه القاعدة فعلياً عبر استعراضاتها واستعداداتها العسكرية تارةً ومساعيها السياسية والاقتصادية لأجل مصالحها تارة أخرى.
اليوم في خضمّ ما يمكن أن نسمّيه الحرب واللاحرب ثمة زمن يتأرّخ بفعلٍ وردّ فعل… فعلى الرغم من كافة العنجهيات الأميركية في المنطقة وعملية الاستهداف مؤخراً لأبرز القادة العسكريين الإيرانيين في الشرق الأوسط، وقبل أن يوارى ثراه نفذت إيران تهديدها وردّت بشكلٍ مباشر وليس عبر طرف ثانٍ موالٍ لها… وضربت ثاني أكبر قاعدة عسكرية أميركية منها انطلقت الطائرة التي اغتالت القائد سليماني، لكن السؤال هل هي حربٌ أم أنها فعل وردّ فعل؟ وهل ردّ الفعل متكافئ مع الفعل أم أنه ردّ بالمعنى الرمزي؟!
الحقيقة أنّ الردّ الإيراني قد خدش الهيبة الأميركية وخرق الخطوط الحمراء كما خرقتها واشنطن بعملية اغتيال القائد سليماني، وهنا زمنٌ يتحوّل لتاريخ، حيث أنها سابقة لم تحدث منذ الحرب العالمية الثانية بأن تستهدف دولة ما قاعدة أميركية كبيرة، كما أنّ الزمن يصير تاريخاً حين ترى دولة إقليمية كإيران غير متكافئة إطلاقاً في ميزان القوة مع أميركا تردّ على الأخيرة بصفتها دولة تمتلك أعتى الجيوش العالمية!
لكن كلّ ذلك لا يبدو حرباً بالمطلق، إنما يمكن تعريفه في إطار الاستعداد للحرب، وهذا ما يجلب معه الكثير من التساؤلات والتأويلات حول مستقبل هذه المناوشات ومدى تطورها!
لقد استوعبت واشنطن ردّ طهران وهضمته وقللت من شأنه على أمل العودة إلى طاولة المفاوضات، واستمرار تشديد العقوبات. وهذه خلاصة ما أدلى به ترامب مؤخراً بُعيْد الردّ الإيراني، ولربما هذا الردّ خيّب آمال من انتظروا زلزالاً، لكن بالتأكيد طهران تعي جيداً مدى قدرتها على الردّ وأين تردّ ومتى يكون ضبط النفس وتعي أيضاً أنّ ميزان القوّة بينها وبين واشنطن ليس على ذات السوية، وبالتالي من الحكمة أن يكون ردّها رمزياً يصوّر استعدادها للحرب على أن يكون ردّها مزلزلاً يجرّها إلى حرب مفتوحة ليست مع أميركا فحسب إنما مع «إسرائيل» وعلى الأرجح قد ينخرط عدد من دول الاطلسي ضدّها بهذه الحرب وذلك لا يصبّ في صالحها.
وحسب بعض المصادر هناك مساع أوروبية وعربية ويابانية باتجاه طهران لإقناعها بالقبول بالمفاوضات مقابل أن تتنفس اقتصادياً.
لكن السؤال الذي يلقي بنفسه الآن: هل تقبل طهران بالجلوس على طاولة المفاوضات مع من قتل أبرز قادتها العسكريين والاستراتجيين؟
أم أنها ستنتظر أكثر مآلات الانتخابات الأميركية لتكون خياراتها أكثر بين ترامب ومنافسه المحتمل؟!
من المرجح أنها ستتريّث وتعيد النظر جيداً في حساباتها ريثما تخطو واشنطن خطوة في رفع جزء من العقوبات عنها قبل أيّ قرار.والواضح أيضاً أنّ كلا الطرفين لا يبتغيان الحرب المفتوحة، وأنّ ما حدث مؤخراً كان فعلاً وردّ فعل، واستعداداً لحربٍ اضحملّت احتمالات وقوعها نتيجة التهيّؤ لها، ذلك أنّ الحرب ليست هدفاً قائماً بذاته…!