دمشق بوابة المعادلات الإقليمية والتوازنات الدولية
د. حسن مرهج
في توقيت مفاجئ وغير معلن، قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة العاصمة السورية دمشق، وكان في استقباله الرئيس السوري بشار الأسد، واللافت أنّ بوتين تجوّل في دمشق وشوارعها، ولاحظ الازدحام الذي ترجمه بوتين، ارتياحاً عاماً في سورية، وعودة للحياة الطبيعة، بعد سنوات الحرب على سورية.
أهمّ ما في زيارة بوتين لدمشق، أنه قام بزيارة الجامع الأموي، في رسالة واضحة لأردوغان، بمراجعة حساباته تجاه سورية، خاصة أنّ أردوغان في وقت من الأوقات عقب بداية الحرب على سورية، هدد بإسقاط سورية والصلاة في الجامع الأموي. يبدو أنّ أردوغان لن ينام اليوم وسيعاني من كابوس يؤرق أيامه القادمة، اذا لم يطرق أبواب دمشق، فالزيارة بمعناها الحقيقي استراتيجية صرفة، وعلى الجميع أن يعي متانة الحلف الاستراتيجي بين دمشق وموسكو، فالرسالة واضحة، أمن موسكو يبدأ من دمشق، وايّ محاولات عبثية من قبل واشنطن وأدواتها، عليهم بمواجهة موسكو أولاً، فالحفاظ على المنجزات يفترض التوحّش الروسي أمام ايّ محاولات تركية وأميركية، للعبث بما تمّ تحقيقه سورياً وروسياً. فهل فهمت الرسالة يا أردوغان؟
توقيت الزيارة لا يبتعد إطلاقاً عن اغتيال الجنرال قاسمي، وتأتي في إطار التنسيق بين دمشق وموسكو وطهران، ويبدو انّ كافة المعادلات الجيوسياسية الناظمة التغيّرات الشرق أوسطية ستبدأ من دمشق، وهذه رسالة لـ ترامب.
أما الأدوات الخليجية فلا ضرورة لتحليل انعكاسات زيارة بوتين الى سورية، لأنهم أداة بيد الأميركي ويأتمرون بأوامره.
هذه الزيارة يمكن القول صراحة إنها تضع النقاط على الحروف بالمعاني السياسية والعسكرية والاستراتيجية والأمنية، فالانتصار السوري ومعانيه المتعدّدة باتت أمر واقع، والذي يريد المصالحة فهذا هو طريق دمشق.
الطريق الذي سلكه بوتين كان في كلّ سنتيمتر منه، يوجه رسائل لكافة الأطراف الفاعلة والمؤثرة في الشأن السوري، بأنّ اللعبة انتهت، وسورية انتصرت، والحلف السوري الروسي أقوى وأعمق من ذي قبل.
التصريحات التركية التي وصفت الأسد بأنه فاقد للشرعية، تزامنت مع حوار بوتين والأسد أمام شاشات العالم، فأيّ تصريحات تركية خرقاء تلقاها التركي من سيده الأميركي ليدلي بها، وأيّ حماقة وعمى سياسي. بوتين رئيس الدولة التي باتت قطباً يوازي واشنطن سياسياً وعسكرياً، والأسد زعيم دولة قارعت إرهاب العالم بأجمعه، أليست الصورة واضحة، ولعلّ أردوغان بحاجة إلى جرعة تنفس مركزة، وقد طار إليه بوتين على عجل بغية إعادته الى وعيه.
التصريحات التركية ذات الكلمات الأميركية، لا تقدّم ولا تأخر، فها هي إدلب قاب قوسين او أدنى من التحرير، وها هو شرق الفرات بات بمجمله تحت سيطرة الجيش السوري، وقريباً ستبدأ الوفود الأوروبية بالزحف الى دمشق، بذات الطريق الذي سلكه القيصر بوتين، وبالتالي سيكون طريق دمشق مساراً للراغبين بالحصول على بطاقة دخول للنظام الإقليمي الجديد، دمشق بوابة التوازنات هذا ما أكده بوتين في زيارته التي صعقت محور واشنطن.
في جانب آخر، يبدو واضحاً أنّ حجم الملفات المثارة على مسار التطورات في المنطقة، باتت بحاجة إلى تنسيق استراتيجي، من هنا يمكننا القول، بأنّ المتغيّرات الإقليمية المستجدة، تفترض تنسيقاً عالي المستوى، خاصة أنّ الردّ الإيراني على اغتيال قاسمي، من الممكن أن يتطوّر وتتدحرج الأمور نحو حرب شرق أوسطية، وبالتالي يجب توحيد الرؤى والأهداف، والانطلاق بأجندة أعمال ذات مسار محدّد.الحقيقة التي على الجميع التنبّه لها، أنّ سورية برعاية الأسد انتصرت، وبوتين عبر مطار دمشق الدولي جاء مهنّئاً، فالكبار اجتمعوا، وانتهت اللعبة، وما هي إلا فترة قصيرة ستنطلق من دمشق، معادلات إقليمية بتوازنات دولية.