أميركا لم تعد أميركا.. وإيران لم تعد إيران.. ظل الله على الأرض يواجه آيات الله
ارحموا عزيز قوم ذلّ.. هذا أقل ما يُقال عن أميركا بعد العقاب الإيراني الأول.. أميركا الوسواس الخناس ذات الأسماء الحسنى التي يطلقها معجبوها ومريدوها وعملاؤها عليها.. القوة القادرة القدرية المهيمنة الجبارة المنتقمة وووو.. حتى أن هناك مَن يعتبرها ظل الله على الأرض وينحني لها كلما نظرت إليه.. ويركع ويقدم لها القرابين ويشتري منها العقود والصفقات كيلا تنزل غضبها عليه وتلحقه بـ»المغضوب عليهم»…
أعترف أنني كنت ساذجاً عندما انتظرت الرد الأميركي على الرد الإيراني.. لأنني ظننت أن أميركا هي أميركا القديمة التقليدية التي تفتش عن الحرب.. وطال انتظاري طوال الفجر.. وأنا اترقب أن يفعل الأميركي شيئاً، لأنه لم يقبل في تاريخه أن يُصفع ولا يُرد.. بل انه يتحرّش بالأمم لتصفعه ليقتلها كما فعل مع فييتام واليابان ومع العراق.. ظننت أن الأميركي جهّز رداً سلفاً وسيضرب ولو في الصحراء الإيرانية من أجل ماء الوجه.. ولكن صمت وخمد ولم ينبس ببنت شفة..
هل هذه هي أميركا التي تأخذ ما تشاء من العرب وتنظر الى العرب على أنهم أبقار حلوب وبغال مغلوبة وتسبي نساءهم وتنهب أموالهم.. هل هذه هي التي خاف منها العرب؟؟
كنت أعلم ان أميركا لا تستسيغ الحرب مع إيران، رغم انها معروفة انها تفتش عن المواجهات التي تعرض فيها عضلاتها بسرعة. لكن عرضها للعضلات سيتلاشى سريعاً لأن الإيرانيين عرفوا كيف يؤلمونها حتى وهي رابحة.. كما أن خبرتهم التي راكموها في العراق مع السوريين ضد الجيش الأميركي ستسمح لهم بتكرار التجربة بنجاح..
ما فاجأني هو التعليق الأميركي والغربي عموماً الذي تنفّس الصعداء لأنه أخيراً تلقى الصفعة التي جعلته ينتظر على أعصابه أن تنتهي هذه المرحلة العصيبة من التوقع والانتظار والضبابية.. فهو لا يعرف متى وكيف وأين ستضرب إيران.. وكان يتمنّى أن تحصل الضربة ويرتاح من عذاب الانتظار وكابوس المفاجآت.. فهو كان مثل الرجل الذي ينتظر ركلة على قفاه ويصلي لله ألا تكون قوية.. وينتظر ثلاثة أيام.. وعندما يركل ويقع أرضاً يشكر الله أن انتظاره قد انتهى..
التعليق الأميركي وخطاب ترامب هزيل وضعيف وخائف وليس فيه وعيد ولا تهديد بالثبور وعواقب الأمور.. رغم ان ما حصل هو باختصار اعتداء على الشرف والهيبة الأميركية.. وبمقاييس القانون الدولي فإن القاعدة العسكرية التي يتمركز فيها عسكريون أميركيون هي جزء من الأرض الأميركية مثل السفارات.. ولذلك كانت هذه الصواريخ بمثابة صواريخ تسقط في نيويورك او واشنطن.. ولكن أميركا أغمضت عينيها ونامت عن شواردها وعن كبريائها وصلفها.. وصارت تبيع بضاعة مختلفة وهي أن محصول أميركا هو الجنرال سليماني ومحصول إيران هو قاعدة الأسد.. ولكن شرف أميركا كله هوى وهي تتمنى أن تكون الضربة هي الثمن.. فيما ظهرت إيران أنها من أجل رجل واحد مستعدة لإحراق نصف العالم..
ورغم أن الأميركيين ينفون وقوع خسائر فإن هذا الأمر مستحيل مهما قيل إنهم نقلوا العسكريين الى تحصينات عندما رصدت الأقمار الصناعية انطلاق الصواريخ.. لأن عملية نقل آلاف العسكريين الى الملاجئ في دقيقتين او ثلاث كافية لأن تسبّب بعض الاصابات في التدافع ناهيك عن إمكانية استيعابهم تحت الأرض.. ولكن ليس هذا ما يلفت النظر.. بل ما يلفت النظر هو أن أميركا بجبروتها وسمعتها الرهيبة اختبأت وهربت الى الملاجئ.. ولكن أين هي رادارات التشويش والتكنولوجيا الفائقة والمدافع ذاتية الحركة التي تسقط حتى الذباب الذي يقترب من مطارات أميركا؟؟ فهذه قاعدة أميركية وليست قاعدة للجيش القطري وكان من المفترض أن تقنيات إسقاط الصواريخ يجب أن تظهر فعاليتها.. فالدفاعات الجوية السورية على تواضعها أمام الإمكانات الأميركية أسقطت نصف صواريخ التوماهوك التي ضربت بها سورية إن لم نقل أكثر.. وهي تسقط 70% من الصواريخ الإسرائيلية التي تضرب بها «اسرائيل».. ولكن في مواجهة الصواريخ الإيرانية لم تتمكن أميركا من استعراض قوة التكنولوجيا والردع.. وكان أفضل ألف مرة لو أظهرت أميركا قدرتها على اسقاط صواريخ إيرانية وصوّرتها لنا لنقتنع أنها دولة لا يجب المزاح معها بالصواريخ والتكنولوجيا.. وهذا ما يرجح اصابة الكثير من الجنود الأميركيين.. بل إن ما يرجح إصابتهم بشكل يقيني أن ترامب أعلن أن الضربة سليمة ولم تؤذ أحداً. وهذا تعبير عن الرغبة الشديدة في تجنّب الحرب.. وإغماض العين عن الخسائر.. لأن وجود قتيل واحد سيطعن أميركا في شرفها وكبريائها وصلفها ويستدعي رداً لاعتبارات داخلية.. ولكن أميركا لم تعد أميركا التي لا تخشى الحرب.. وأكثر ما تستطيع فعله هو اغتيال الأفراد..
الغريب أن الدول عندما تشتهي الحرب تجد أن الحجر إذا سقط على جنودها مبرراً للحرب.. فأردوغان الجبان ذهب الى حلف الناتو يطلب العون لدخول سورية عندما سقطت قذيفة هاون عبر الحدود وسقطت في الأراضي التركية.. وعندما تجاوزت الطائرة الروسية الحدود السورية التركية (لواء اسكندرون المحتل) لم يتحمّل أردوغان وأسقطها وطلب من الناتو التدخل لمساعدته.. ولما رد خائباً ركع تائباً أمام بوتين.. اما أميركا فتُضرب ضرباً ثقيلاً بالصواريخ الثقيلة ثم تحمد الله انها جاءت سليمة..
ولعلّي لا أبالغ ان قلت ان إيران كشفت عن أهم سلاح استراتيجي يفوق السلاح الذري وهي تملكه ولا تملكه أميركا.. إنه السلاح البشري الثائر الذي تدفّق الى شوارع إيران بالملايين التي أذهلت الأميركيين الذين أدركوا ان آلة الحرب المتفوقة لا تقدر على التعامل مع ملايين الناس الثائرين والمستعدّين للموت فداء لكرامتهم.. الطوفان البشري الهادر أعطى القادة الإيرانيين تفويضاً شعبياً حتى بالحرب إلى آخر مدى وإلزاماً بتنفيذ القصاص بأي ثمن.. وهذا السلاح البشري الهادر هو الذي كسر شوكة أميركا وأرعبها قبل الصواريخ.. فلما هبطت الصواريخ على القواعد الأميركية صمت الأميركان صمت الحملان..
رسالة أميركا للعالم سابقاً كانت أن من يضربني على الخد الأيسر اقتلعت وجهه وعينيه ورميته من شاهق.. ولكن اليوم رسالتها هي أن من يضربني اليوم على خدي الايمن سأدير له الأيسر ليس إيماناً مسيحياً بل إيمان بقوة بأس مَن يصفع.. ولا شك في أن تل أبيب لا تصدّق عينيها.. فإذا كانت ماما أميركا لا تفضل أن ترد، فكيف الحال بـ»إسرائيل» المراهقة اذا تحرشت بإيران؟؟ إن ظل الله على الأرض تبين أنه كذبة من أكاذيب أميركا التي لا تقل عن كذبة هبوطها على القمر..
العالم تغيّر يا أميركا.. ولا شك في أن قرار الخروج من الشرق الاوسط هو القرار الذي سيكون محور الانتخابات الأميركية إن لم يكن هو أهم إنجاز لترامب قبل الانتخابات.. لأن من الواضح أن أميركا ستتلقى حرباً شعواء بمختلف أنواع المواجهة.. وهي اليوم في مواجهة حروب الجيل السادس التي ستظهر ملامحها قريباً.. عبر محور المقاومة.. وستعرفون معنى المثل العربي القديم.. ارحموا عزيز قوم ذلّ.. عندما سيتواجه ظل الله على الأرض مع آيات الله وحلفائهم في المواجهة الأخيرة التي لن تطول كثيراً.
نارام سرجون