قالت له
قالت له: أتؤمن بأن الحب مصدر حرارة تقوى على مكافحة الصقيع؟
قال لها: ولهذا أحضنك لأتدفأ بنارك.
قالت: أنت تأخذ الحديث نحو السخرية وأنا أقصده بكل جدّية.
قال لها: عفواً سيدتي ظننتها مداعبة فقولي ما تقصدين!
قالت: ألم يحدث معك في أيام الحب الأولى، ولا أسالك هنا عن الحبيبة سواء كنت أنا أو سواي، أن شعرت بنار تغزوك من أخمص قدميك إلى أعلى رأسك وأنت تكون في آخر الليل مصاباً بالأرق لا تعرف النوم وتفكّر بمن تُحبّ وتحسّ هذا الاشتعال؟
قال: بلى حدث معي.
قالت: ألم تلتفت في بدايات حبنا كيف كانت وجنتاي تتدفقان احمراراً حتى أشعر أن الدم سينبجس منهما بنوافير وشلالات وأنا أحسّ النار تشتعل في داخلي، كلما أمسكت بيدي وأخذت ترسم في كفي دوائرك الشهيرة؟
قال: بلى أتذكر.
قالت: هذا يعني أن استعمال كلمة اشتعال الحب وكلمة حبك نار وكلمة الحب الحارق لم يكن افتعالاً، بل وصف لواقع الحال. وهذا يعني أن للحب قدرة نارية تتحرّك في داخلنا عندما نحبّ وليست قضيتي أن أبحث عن كيفية انطلاق محركاتها ومصدرها الجسدي.
قال لها: وما هي قضيتك؟
قالت: كانت واحدة وصارت اثنتين!
قال: والأولى؟
قالت: هل انطفأت نار الحب بيننا؟
قال: ألاحظ أن وجنتيك ما عادتا تعرفان الاحمرار عندما أمسك كفيك.
قالت: وإنك تنام ملء جفنيك بلا أرق ولا اشتعال أو حريق.
قال: هل تسمحين سيدتي أن أخالفك الرأي بالتفسير؟
قالت: هات ما عندك.
قال: الذي يُشعلنا هو القلق وليس الحبّ والذي يُشعرنا بالدفء السلس هو السكينة. فحبّنا لا يزال بخير، لكنه يطمئن للسكينة ولا يعيش القلق. ولو حدث العكس لكان حبنا في مأزق، لأنه بعد ثبات الحب لا مصدر للقلق إلا الشك بالقدرة على الاستمرار فيه وتخيّلي قلقاً على شيء آخر بسبب آخر غير الحب سوف تتذكّرين أنه تسبب بالاشتعال ذاته.
قالت: جواب بالمنطق يمكن التفكير فيه، لكنه باهت وبارد بقياس المشاعر طمأنتني من جانب وأحبطتني من جانب.
قال: أظنّ السبب سؤالك الثاني، فما هو؟
قالت: ما دمت قد اعترفت بإحساس الاشتعال في بدايات الحب فهل كنت أنا الحبيبة أم سواي؟
قال: قلتِ إن هذا لا يهمك؟
قالت: تسهيلاً لتتابع الرواية.
قال: وإن قلتُ إنني لا أذكر أصل الحكاية.
قالت: تكون هي ولست أنا يا سيد الغواية.
قال: وإن كانت هي أنت وأنت هي والأمر مجرد كناية.
قالت: في الحب أصلاً أنت أحببتها لتغيظني يا سيد الكيد والنكاية.
قال: الحب لا يكتمل فصولاً حتى نرى مَن هو الحبيب في النهاية.
قالت: لم تشبع فضولي ولو أرضيت غروري بغموض البداية.
قال لها: من النظرات الأولى بيننا كنت الخيار، لكن غرورك جعلني شديد الحذر والعناية.
قالت له: أفرحتني إن لم تكن تلاعب الغرور وتسكت الفضول لغاية.
قال: في المرة المقبلة كوني أشد حذراً يا سيدتي. ففي الحب فن ودراية.
ضحكت ورمقته نظرة غامضة ومضت.