ليست إيران.. فما هو سبب سقوط الطائرة الأوكرانية؟
} سماهر الخطيب
أثارت حادثة طائرة الركاب الأوكرانية الشبهات حول أسباب سقوطها المروّع بخاصة أنها سقطت خلال قيامها برحلة من طهران إلى كييف عقب إقلاعها بدقائق.. في فجر اليوم الذي استهدفت فيه الصواريخ الإيرانية قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق كردّ أولي على اغتيال الجنرال قاسم سليماني، فبدأت الاتهامات الأميركية والغربية بتحميل إيران المسؤولية عن هذه الكارثة والتي راح ضحيتها 176 شخصاً..
وبما أنّ الطائرة التي تحطّمت هي من طراز «Boeing 737-800»، ما يدفعنا إلى استعراض بعض الطائرات التابعة لشركة بوينغ والتي شهدت وللأسف مثل هذه الكارثة..
ففي العام الماضي وتحديداً في 10 آذار 2019 تحطمت طائرة إثيوبية، من طراز بوينغ «737 ماكس 8» مسفرة عن مقتل 157 شخصاً وفي تشرين الأول من العام نفسه تحطمت طائرة إندونيسية من الطراز نفسه وأسفرت عن مقتل 189 شخصاً.
ما جعل شركات الطيران العالمية حينها توقف عمل هذا الطراز بعد الحادثين الآنفي الذكر..
وفي عام 2010 تحطمت أيضاً طائرة ركاب إثيوبية وعلى متنها 90 شخصاً في البحر المتوسط قبيل إقلاعها من مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت..
وفي 31 تشرين الأول 1999 قتل 217 شخصاً في تحطم بوينغ بي767-300، قبالة ساحل ماساتشوستس الأميركي بعد نحو ساعة من إقلاعها..
جميع تلك الحوادث وغيرها الكثير يدفعنا نحو التساؤل عن سبب سقوط الطائرة الأوكرانية؟ وهل لسلسلة الحوادث تلك من صلة لتقوم الولايات المتحدة بتوجيه الاتهام ضدّ إيران وجعلها «كبش فداء» تعلق عليها الفشل الذي وصلت إليه أكبر شركاتها وأكبر مدرٍ للخزينة الأميركية..! خاصة أنّ هناك مجمّعات صناعية تعد إحدى أهم دعائم الإدارة الأميركية بالإضافة إلى المجمعات العسكرية، وقد ذكر الرئيس الأميركي آيزنهاور في 1956 هذا المجتمع الصناعي في الولايات المتحدة وقال «إنه خطير، وإنه يتفوق على بقية عناصر الدولة الأميركية».. وهذا الكلام لرئيس أميركي وليس لخبير من الجانب الآخر..
واليوم يسيطر هذا المجتمع الصناعي على صناعة القرار في البيت الأبيض، بل ويصوغ القرار وفقاً لمصالحه الربحية. فالولايات المتحدة ليست سوى إدارة تصوغ استراتيجيتها كما الشركات وليس كما الدول..
وبالتالي تدفع صنّاع القرار في البيت الأبيض إلى صياغة استراتيجية لمواجهة المنافسة الدولية وفق قانون الشركات. وهذا ما تتميز به بل وتتفوّق به الإدارة الأميركية عبر تعاملها مع دول العالم، باعتبار هذه الدول أعضاء في مجلس إدارة وليس في مجتمع دولي تقوم للسيطرة عليه بما يتناسب مع مصالحها باستمالة الأطراف إليها، كل حسب عقليته الاستراتيجية، وإن وصل الأمر إلى ضرب التناقضات ببعضها، طالما أن النتيجة المتوخاة هي الوصول للهدف الأسمى والبقاء كرئيس لمجلس الإدارة العالمية..
وفي العودة إلى شركة «بوينغ» لصناعة الطائرات، والتي تعد من أكبر الشركات العملاقة في العالم، وتحظى بدعم لا محدود من قبل الحكومة الأميركية، ما جعل الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش يختار مقرها لإلقاء خطابه الشهير حول الطيران عام 2003 بمناسبة مرور 100 عام على أول طيران نفذه الأخوان رايت والذي تعهّد فيه بـ»بقاء الولايات المتحدة الدولة التي سوف تقود العالم في حقل الطيران خلال المئة عام المقبلة، كما كان عليه الحال في القرن العشرين».
وليس لشركة «بوينغ» من منافس إلا شركة «إيرباص» الأوروبية، والتي بدأت كاتحاد لشركات تصنيع الطائرات من خلال مبادرة حكومية بين فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة عام 1967، وأصبحت اليوم رقم واحد عالمياً في إنتاج وتسويق الطائرات المجدية تجارياً.
وازدادت حدة منافسة الإيرباص مع البوينغ منذ السبعينيات من القرن الماضي، فوسعت الإيرباص من عائلتها لدرجة باتت تنافس جميع منتجات البوينغ من الطائرات، وأضحت تنافسها في أسواق كانت البوينغ مستحوذة عليها، وفي عام 2003 تعدّت البوينغ بتسليمها الطلبات لأول مرة بتاريخها.. واستمرت بذلك المنوال بعد ذلك.
وقد نالت «الإيرباص» مثلاً في عام 2005 النصيب الأكثر من الطلبات بينما البوينغ نالت 55% من الكمية.
كما تم اختيار طائرة «ايرباص إيه 320» من العديد من شركات الطيران رخيصة التذاكر، مما وسّع من الأرضية لمواجهة بوينغ 737 المستحوذة سابقاً على هذا المجال وأتت الـ «إيرباص إيه 380» لتتحدّى «بوينغ 747» المهيمنة على قطاع سوق الطائرات الضخمة.
وعلى سبيل الاحتجاج، استمرت «بوينغ» بالاحتجاج دائماً على مدى حصول «إيرباص» إعانات في شكل قروض. بينما وجهت فرنسا الاتهامات لـ «بوينغ» لكونها تتلقى إعانات غير قانونية من خلال الجيش وعقود الأبحاث والإعفاءات الضريبية.
بدوره، اتهم المدير التنفيذي لـ»بوينغ» هاري ستونسيفر «إيرباص» بالإساءة لاتفاقية الثنائية المبرمة ما بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عام 1992، وذلك بالحصول بانتظام على دعم من الحكومات لأجل عمل الطائرات المدنية الضخمة، لكون الحكومات الأوروبية تدفع للإيرباص تعويضات خسائر الاستثمار مع إرجاع الأموال محملة بالأرباح، بالإضافة إلى الحقوق غير المحددة إذا حصل للطائرة نجاح تجاري. ودافعت الإيرباص بأن هذا النظام متماشٍ تماماً مع الاتفاقية وقوانين منظمة التجارة العالمية. فالاتفاقية تتيح الحصول حتى 33 % من تكاليف البرنامج عن طريق القروض الحكومية والتي تسترجع بالكامل خلال 17 سنة مع الأرباح والحقوق.
في المقابل، تقول الإيرباص بأن «العقود العسكرية الممنوحة للبوينغ هي شكل من أشكال الدعم»، باعتبار أنّ الإدارة الأميركية تعطي دعماً ضخماً للبوينغ، وكذلك الإعفاءات الضريبية الضخمة المقد ّمة لها، وبالتالي انتهاك لاتفاقية 1992 وقوانين منظمة التجارة العالمية.
خلاصة القول، إن سبب تحميل إيران «ذنب» سقوط الطائرة الأوكرانية ليس سوى محاولة أميركية لإنقاذ سمعة ثاني أكبر مقاول عسكري للولايات المتحدة وهو «بوينغ» عقب تكرار حوادث سقوطها لأسباب مجهولة ربما تعود لسوء ورداءة صناعتها..
وبالتالي محاولة إنقاذ هذه الشركة من الانهيار أمام منافستها الأوروبية سعياً وراء تحقيق رؤية دبليو بوش وتعهده بـ»بقاء الولايات المتحدة الدولة التي سوف تقود العالم في حقل الطيران خلال المائة العام المقبلة».. وبالتالي فإنّ المنافسة ما بين «الإيرباص» و»البوينغ» هو نتاج لهيمنة واحتكار الثنائي لسوق الطيران التجاري العالمي الضخم.. ولو أنّ الأوروبيين ينصاعون فوراً خلف الصيحات الأميركية من دون النظر لو لبرهة لمصالحهم التي لطالما كانت «أميركا أولاً» هي مقياس السياسة الأميركية الخارجية على حساب المصالح الجمعية..