الشهيد القائد ظافر الخطيب.. والعلاقة بين معركة التغيير والتحرر من الهيمنة الاستعارية
} حسن حردان
في ذكرى استشهاد القائد الثوري القومي والأممي مؤسّس رابطة الشغيلة ظافر الخطيب، يحتدم الصراع بين قوى المقاومة والتحرر والاستقلال من ناحية، وبين قوى الهيمنة الاستعمارية والصهيونية وأتباعهم من الأنظمة والقوى اليمينية الرجعية على مساحة الوطن العربي والشرق الأوسط من ناحية ثانية… وفي ظلّ احتدام هذا الصراع تدور معارك في داخل البلدان العربية بين القوى الساعية للتغيير الاقتصادي والاجتماعي لتحقيق التنمية الاقتصادية المستقلة والعدالة الاجتماعية، وبين القوى اليمينية المسيطرة التي تنتهج سياسات اقتصادية ريعية أدّت إلى إغراق الدول بالديون والعجز وتدمير الإنتاج الوطني وإفقار عامة الناس وربط اقتصاديات معظم الدول بالتبعية للنظام الرأسمالي الغربي.. وفي هذا السياق تحضر وبقوة أهمية المقولة التي طالما أكد عليها القائد ظافر الخطيب وهي التلازم بين خوض معركة التغيير الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية، وبين التحرر من الهيمنة الاستعمارية بكلّ أشكالها، السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، ذلك أنّ التحرّر من هذه الهيمنة شرط أساسي لإسقاط أنظمة التبعية للاستعمار والصهيونية وبناء أنظمة وطنية مستقلة تبني اقتصاداً منتجاً ويقوم على إرساء العدالة الاجتماعية.. فمثلاً هل بالإمكان الفصل في لبنان بين الصراع الدائر بين القوى المتمسكة بربط لبنان بالتبعية للدول الغربية الاستعمارية، بقيادة الولايات المتحدة، والتي تقف وراء الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي أدّت إلى تفجّر الاحتجاجات الشعبية في الشارع، وبين خوض الصراع للتحرر من الهيمنة الاستعمارية والإملاءات والضغوط الأميركية وادواتها المحلية..
إنّ الجواب المنطقي والموضوعي هو انه لا يمكن الفصل، وحتى ولو حاول البعض ان يقول العكس، فمن يمنع لبنان من تنويع خياراته اقتصادية المستقلة لحلّ أزماته والتوجّه شرقاً وقبول المساعدات الصينية والإيرانية والروسية، والانفتاح رسمياً على سورية لتصدير الإنتاج اللبناني، إنما هو الولايات المتحدة الأميركية عبر قوى 14 آذار التي تنفذ السياسات الأميركية، ولهذا كيف يمكن حلّ الازمة في لبنان من دون التصدي للهيمنة الأميركية والقوى الخاضعة لها.. وهذا ما ينسحب أيضاً على الصراع الدائر على مساحة الدول في الوطن العربي والشرق الأوسط وحتى العالم، فهو صراع بين قوى التحرر وبين قوى الاستعمار، ولبنان ليس بمنأى عن هذا الصراع، بل هو في قلب هذا الصراع.. من جهة يخوض معركة مستمرة ضد الهيمنة والوصاية الأميركية، ومن جهة ثانية يخوض معركة دائمة في مواجهة الكيان الصهيوني المحتلّ لفلسطين وأجزاء من الأرض اللبنانية والطامع بثروات لبنان النفطية والمائية.. على أنّ هذا الصراع لا يمكن تجزئته، فهو يتطلب توحّد وتكاتف وتعاون كلّ قوى التحرر في الوطن العربي والمنطقة والعالم، تماماً كما تتوحد قوى الاستعمار والصهيونية والرجعية لتكريس وتأبيد هيمنتها والتمكّن من مواصلة نهب خيرات وثروات الدول العربية وبلدان العالم الأخرى.. ولهذا فإنّ كلّ من يدعو الى اعتماد سياسة النأي بالنفس عن هذا الصراع وانه لا علاقة لنا بما يجري حولنا، ويرفض الربط بين النضال ضدّ الهيمنة الاستعمارية والنضال لأجل تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد، إنما يكون اما هادف إلى تضليل الجماهير وحرف الصراع عن مساره الحقيقي، أو يكون أسير تعبئة خاطئة جعلته لا يدرك حقيقة وجوهر الصراع.. ذلك أن مصلحة القوى الاستعمارية والاطراف التابعة لها في لبنان وعموم المنطقة، وخططهم لفرض سيطرتهم وهيمنتهم إنما تكمن في إثارة الفرقة الانقسام والتشجيع على الانغلاق والعنصرية والقطرية وإثارة الفتن المذهبية والطائفية إلخ… وهي سياسة «فرّق تسد» التي نفذها الاستعمار البريطاني والفرنسي خلال احتلاله للوطن العربي وتنفيذ مخطط سايكس بيكو الذي قسّم المنطقة وغير خرائط وحدود دولها وجعلها في حالة نزاع واحتراب لتبرير استمرار هيمنته وتدخله في شؤونها.. واليوم المشروع الأميركي، لإعادة تعويم هيمنته الاستعمارية وتصفية قضية فلسطين، لجأ إلى هذه السياسة التي تبث الفتن والانقسام والفوضى والحروب الإرهابية وتغذية المذهبية، وإثارة العداء بين أبناء الدول العربية..
في مواجهة هذه المخططات الاستعمارية والصهيونية كان لا بدّ لقوى المقاومة والتحرر من أن تردّ عليها بالتعاون والتنسيق في ما بينها لإحباط المشروع الأميركي والتحرر من السيطرة الاستعمارية.. ولقد كان لكلّ انتصار تحققه قوى المقاومة والتحرر في أيّ ساحة من ساحات المواجهة أثره المباشر الإيجابي على ساحات المواجهة الأخرى، فمثلاً عندما حقق محور المقاومة الانتصارات على قوى الإرهاب في سورية تمّ درء خطر الإرهاب عن لبنان والتعجيل بالقضاء على الجماعات الإرهابية التي تحصّنت في الجرود اللبنانية في السلسلة الشرقية وأصيبت القوى الموالية للغرب بالخيبة والإحباط، لأنها كانت تراهن على انتصار الإرهاب في سورية لتعديل موازين القوى في لبنان لمصلحتها والعودة إلى محاولة تنفيذ المشروع الأميركي لنزع سلاح المقاومة ومحاصرتها خدمة لكيان العدو الصهيوني، وأدّى فشل الرهان على انتصار قوى الإرهاب الأميركية في سورية، الى تعزز موازين القوى لمصلحة المقاومة وحلفائها في الوطنية والرافضة لسياسات الهيمنة الأميركية..
وما جرى ويجري في العراق واليمن ومع الجمهورية الإسلامية الايرانية له علاقة مباشرة بما جرى ويجري في سورية ولبنان.. ذلك أنّ ايّ انتصار تحققه إيران الثورة في مواجهة العدوانية الأميركية يصبّ في مصلحة قوى المقاومة والتحرر في المنطقة.. لأنّ إيران الثورة شكل انتصارها تحوّلاً في موازين القوى في مصلحة قوى الاستقلال والتحرر لما تشكله إيران من وزن وقوة وقدرات وموقع جغرافي هامّ، عوّض عن الخلل الكبير الذي أحدثه خروج مصر من دائرة الصراع مع المشروع الأميركي الغربي الصهيوني العربي الرجعي، اثر توقيع السادات اتفاقية كامب ديفيد مع كيان العدو الصهيوني..
يمكن القول إنّ إيران الثورة التي رفعت راية فلسطين في سماء طهران بدلاً من الراية الصهيونية، أحدثت مداً تحررياً أسهم في مدّ وإسناد قوى المقاومة ضدّ الاحتلال الصهيوني ومكّنها من الصمود وخوض حروب استنزاف في مواجهة جيش الاحتلال الصهيوني وتحقيق الانتصارات المتتالية عليه في لبنان وقطاع غزة وصولا إلى تزويد قوى المقاومة بالصواريخ وتقنيات صناعتها مما أوجد معادلات الردع والرعب في المواجهة مع العدو الصهيوني لأول مرة في تاريخ الصراع معه.. وكذلك أسهمت إيران الثورة في دعم المقاومة في العراق ضدّ الاحتلال الأميركي ومن ثم ضدّ تنظيم داعش الإرهابي أداة واشنطن لفرض هيمنته، وعندما َهزم مشروع داعش وفشل المشروع الأميركي في إخضاع العراق، ولجات الحكومة العراقية إلى توقيع اتفاقية مع الصين قدرت بـ ٥٠٠ مليار دولار لإعادة إعمار بنيته التحتية وإقامة مصانع بتروكيماوية وغيرها من المشاريع الهامة للنهوض بالاقتصاد العراقي وحلّ أزمات العراقيين الاجتماعية والخدماتية، وعمدت الحكومة العراقية إلى فتح معبر القائم البوكمال مع سورية وكسر الحصار المفروض عليها، اقدمت واشنطن على استغلال أزمات العراقيين ودفع القوى الموالية لها للنزول إلى الشارع والتحريض على الحكومة لإسقاطها ومحاولة الإتيان بحكومة موالية لها لتنفيذ انقلاب سياسي يمكن واشنطن من إسقاط الاتفاقية مع الصين وإعادة إقفال الحدود مع سورية لمنع التبادل الاقتصادي والتجاري بين البلدين ومع إيران.. وعندما فشلت واشنطن في تحقيق ذلك لجأت إلى الدخول المباشر على خط الصراع وأقدمت على قصف قواعد قوات الحشد الشعبي على طرفي الحدود العراقية السورية، ومن ثم ارتكاب جريمة اغتيال القائدين المقاومين اللذين أسهما في هزيمة داعش وإحباط المخططات الأميركية، الفريق قائد فرقة القدس في حرس الثورة الإيرانية الشهيد قاسم سليماني، ونائب هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس..
كما أنّ إيران الثورة أسهمت في تزويد مقاومة الشعب العربي في الهيمنة بتقنيات الصواريخ وإمكانيات الصمود في مواجهة الحرب الوحشية الأميركية السعودية مما أسهم في إحباط أهداف هذه الحرب في إعادة إخضاع اليمن للهيمنة الاستعمارية وإضعافها، في حين جاء الردّ الإيراني بقصف القواعد العسكرية الأميركية في العراق رداً على جريمة واشنطن باغتيال سليماني، ليوجه صفعة قوية لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ويضعف من هيبة وسطوة القوة الأميركية الأولى، وهو ما سيكون له بكل تأكيد انعكاسات هامة في صالح قوى المقاومة والتحرر في العراق وعموم المنطقة لانه أسهم في خلق معادلات ردع في مواجهة القوة الاستعمارية الأميركية، ورفع من معنويات المقاومين في معركتهم التحررية لطرد القوات الأميركية من العراق وسورية بشكل أساسي تمهيداً للعودة إلى التركيز على المعركة لتحرير الأرض العربية من العدو الصهيوني في فلسطين والجولان السوري وجنوب لبنان.. واستطراداً تعزيز نهج التنمية الاقتصادية المستقلة في سورية والعراق مما سيكون له انعكاسات إيجابية على لبنان بكلّ تأكيد…