اللعنة الثانية على العرب…
} أحمد بهجة*
حروب الغاز ليست معارك عسكرية وصواريخ وأساطيل، بل هي أكثر تعقيداً. بدأت صراعاً على منابع الغاز وطرق الإمدادات، واشتعلت حروباً من وسط آسيا إلى سورية وأوكرانيا وأفريقيا، وتخللتها مواجهات قانونية وعقوبات ومقاطعة بين دولٍ وشركات.
ويتساءل المرء كيف أنّ الدول العربية، لمدّة مائة عام، امتلكت معظم احتياط النفط (60 بالمئة) في العالم – وهو السلعة الأساسية لتحريك عجلة الاقتصاد العالمي – ولم تستفد منه لخدمة مصالحها العليا، في حين استعملت أميركا كلّ مواردها – حتى القمح – كأسلحة استراتيجية، وتستغلّ روسيا غازها الطبيعي لتعود دولة عظمى. فالكلام عن الغاز لا يقتصر على الاقتصاد، بل هو حاضر في الجيوبوليتيك بعدما أصبح سباق الهيمنة على العالم صراعاً على الغاز الذي غدا اليوم كما النفط في الأمس مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى الأمم كافة.
ووفق الإرث الديني للمشرق العربي، هابيل وقايين (أيّ قابيل) هما ولدا آدم وحواء يعملان معاً، الأول مزارع والثاني راعٍ لكن الحسد أصاب قايين الذي قتل أخاه واستحوذ على الثروة لنفسه، فأصابته لعنة الرب أو “لعنة قايين”. والنفط هو “لعنة قايين” العرب. ففي القرن العشرين كان حلم النهضة العربية حاضراً بقوة. ثم جاء الاستعمار الغربي وقسّم العرب ورسم بينهم حدوداً وفق توزيع ثروة النفط وجعل عليها أمراء بعدد سكان قليل، تاركاً الثقل السكاني العربي خارجها. ثم دفع الاستعمار “الأخ ليقتل أخاه”، فاستُعملت ريوع النفط وقوداً لقتل العرب وذبح فلسطين.
أمّا في القرن الواحد والعشرين، وُلدت لعنة ثانية على العرب هي الغاز الطبيعي. لتصبح الشعوب العربية وبلاد العرب وقوداً في “حروب الغاز” – في سورية وليبيا واليمن والعراق ومصر، وصولاً إلى لبنان وفلسطين. وهنا أيضاً أوجد الغرب أمراءً يملكون الكثير من الغاز ويقبلون أن يكونوا “شركاء” في قتل عربٍ آخرين.
أمام هذا الواقع رهاننا الوحيد على نهضة شعبية مقاومة مدركة لأهمية هذه الثروة لتحسين موقعنا العالمي وتحقيق رفاهية وطننا العربي بشكل كامل.
*خبير مالي واقتصادي