جريمة اغتيال الفريق سليماني مَن الرابح ومَن الخاسر؟
} جمال محسن العفلق
تصرّف ترامب برعونته المعهودة وغبائه المشهود له فيه وبعد اقتراح من وزير خارجيته بومبيو بإصدار أمر تنفيذ جريمته اغتيال الفريق قاسم سليماني وعلى أرض العراق، منفذاً بذلك واحدة من أبشع جرائم الولايات المتحدة الأميركية، ومسلسل القتل الذي تتبعه أميركا ليس بالجديد، ولكن ما يميّز هذه الجريمة انها كانت معلنه وقتلاً عمداً وتثبيت نظرية مَن ليس معنا هو ضدّنا، وأنّ للولايات المتحدة «الحق» بتصفية كلّ من يقف أو يعطل مشاريعها التي تخدم كيان الاحتلال الصهيوني في المنطقة وتخدم الإدارة الأميركية في السيطرة على كلّ او ما تبقى من الموارد الاقتصادية في المنطقة، وقطع الطريق على روسيا والصين من خلال إخضاع كامل المنطقة للإدارة الأميركية وإدارتها من خلال السفراء ومكاتب التمثيل الأميركي التي تسيطر على قرارات أكثر العواصم في المنطقة لتمرير مشروع القرن وتفريغ المنطقة من كلّ فكر مقاوم، فهل نجح ترامب في هدفه هذا؟
اعتقدت الإدارة الأميركية أنها باغتيال الشهيدين سليماني والمهندس في العراق أنّ هناك انهياراً سيحدث لدى فيلق القدس والحشد الشعبي وبتغييب الرجل الأقوى في إيران شعبياً وعسكرياً سيحدث تغيير كبير يفرض على محور المقاومة قواعد جديدة أبسطها الانصياع شبه التامّ لأوامر أميركا، وإنّ أقصى ما يمكن حدوثه هو عملية شجب وغضب عابرين يمكن القضاء عليهما من خلال تغريدة على تويتر غرّدها بقوله (إيران لم تنتصر بأيّ حرب ولكنها تنتصر بالمفاوضات).
أما في العراق فقد كان المال القذر جاهزاً لإخراج مجموعة صغيره وتصويرها تحتفل بالجريمة وكان الهدف من نشر المقطع إظهار الحشد الشعبي على انه لا يملك قاعدة شعبية بين العراقيين. ولكن سرعان ما تبخرت أحلام ترامب الوردية وحصل ما لم يكن ضمن أوراقه، صحيح أنّ محور المقاومة خسر رجلاً بحجم الشهيد سليماني، ولكن الواقع أثبت أنّ المقاومة دائماً جاهزة، وهناك من يتسلّم الراية ويتابع العمل الأساس وهو محاربة التوسع الصهيو ـ أميركي، وما نشاهده من حزن هو أمر وجداني وإنساني، لكنه لا يؤثر على منظومة العمل ولا يغيّر بالأهداف ولهذا كان خروج الملايين لوداع الرجل دليل على اتساع القاعدة الشعبية للمقاومة، فالحزن لم يكن إيرانياً او حتى شيعياً كما روّجت وسائل إعلام خليجية إنما هو حزن عالمي على رجل كان في الصفوف الأمامية في المعركة. وهنا فشل ترامب الأول لأنه لم يكن يدرك حجم خصمة الحقيقي، واعتقد للحظة انه قادر على رفع أسهمه الانتخابية والظهور كبطل ولكنه وحسب وسائل إعلام بلاده بطل تغريد من غرفة محصّنة.
على الصعيد الشعبي صدمت الإدارة الاميركية بحجم الكره لها من شعوب المنطقة، فأيّ قائد هذا يسير خلف جنازته سبعة ملايين إنسان وربما أكثر، وهنا اختلفت حسابات منفذي الاغتيال وبدأت المراسلات لتجنيب القوات الأميركية الخسائر البشرية او تجنيب حلفاء أميركا في المنطقة نار الحرب والتي عجز كلّ مبعوثي أميركا عن أخذ وعد او قبول من القيادة الإيرانية التي وعدت بالردّ ولكن على طريقتها، فكان إطلاق الصواريخ المصنوعة محلياً على أحد أكبر المراكز الأميركية، تلك الصواريخ حبست انفاس العالم لساعات طويلة وأربكت الإدارة الأميركية المتعجرفة وشلت السلاح الأمريكي المتطور والذي وصفه ترامب أنه سلاح لا يُقهر، وهذه الصفعة لم يتوقعها ترامب ولا من أشار عليه تنفيذ الاغتيال، فمحور المقاومة ردّ بقوّة وأصبحت القوت الأميركية محاصرة من حيث لا تدري فلجأ ترامب للإعلام محاولاً التخفيف من أثر الصواريخ فحاول… والبعض وصفها بأنها مجرد مفرقعات او ألعاب نارية لا تأثير لها. ولكننا نقول سمّوها كما تريدون هي صواريخ وعلى مركز أميركي محصّن وقاعدة رئيسية، أما البعض الآخر نشر ان ّهناك تنسيقاً للبدء بالمفاوضات ولكن عن أي مفاوضات هنا نتحدث، ان كل المؤشرات تشير الى ان المفاوضات القادمة هي لخروج القوات الأميركية من المنطقة او إعادة انتشار يحدّ من تدخلها وتأثيرها.
لقد خسرت أميركا هذه الجولة تماماً وخسارة جولة هي مقدّمة لخسارة حرب، وقد أقحمت الإدارة الأميركية نفسها بعمل لم تنته الردود عليه بعد فقريباً سيكتشف حلفاء أميركا أنها أصبحت مجبرة على التخلي عنهم وتركهم لمصيرهم ووحل حروب دخلوها تنفيذاً لرغبة البيت الأبيض، فمن اليمن الى سورية الى العراق سيسير قطار تنظيف المنطقة من ذيول أميركا وما قبل الاغتيال ليس كما بعده.
لن يستطيع الإعلام الأميركي اليوم تزوير الحقائق كما فعل في حرب فيتنام، ولا يمكن تجاهل الضربات كما حاول الأميركيون سابقاً في إخفاء عدد قتلاهم والتكتم على خسائرهم اليوم غير الأمس، وان كانت مفاوضات او حرب النتيجة واحد وهي انّ أميركا ومحورها خسروا وانّ محور المقاومة ظهرت قوته الحقيقية وشعوب المنطقة لديها الوعي الكافي لمحاربة وحش الإمبريالية وسيكون رأس ترامب وأعوانه في المنطقة أول الحصاد.