صادف أول أمس الثلاثاء 14 كانون الثاني، ذكرى اندلاع الثورة التونسية، ومع كل ذكرى يجدد التونسيون لقاءهم بالشارع الرمز، شارع الحبيب بورقيبة، 9 سنوات مرّت وبقي تاريخ 14 جانفي 2011 راسخاً في أذهان التونسيين، رغم الخيبات التي تعتري شعور الكثيرين بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
وأصبح شارع الحبيب بورقيبة نقطة لقاء التونسيين والحاضن لكل المحتفلين بذكرى الثورة، وحتى الغاضبين منهم الذي يأتون محتجين رافعين شعارات تطالب بالتشغيل وتذكّر الحكّام الجدد بالمطالب التي من أجلها اندلعت الثورة.
وتمركزت نقاط أمنية أمام كل المداخل المؤدية لشارع الحبيب بورقيبة للتثبت من هويات كل المارة وتفتيش أمتعتهم، وعلى امتداد كامل الشارع وفي المنافذ الرئيسية المتفرّعة عنه وضعت الحواجز الحديدية، هو يوم استثنائي تطلب تعزيزات أمنية استثنائية.
فيما توافد العشرات من العائلات التونسية أمس، إلى شارع الحبيب بورقيبة، هو يوم عيد، هكذا أرادوه أن يكون، ألبسوا أطفالهم الراية التونسية والتقطوا الصور التذكارية، تجوّلوا بالشارع ذهاباً وإياباً وكأنهم يكتشفونه من جديد، بل لعله الحنين لمشاهد طبعت بالذاكرة: آلاف التونسيين كسروا جدار الخوف واجتمعوا أمام وزارة الداخلية مطالبين بسقوط النظام… مشاهد لا يمكن أن توضع في رفوف النسيان.
وعلى بعد أمتار قليلة من نصب ابن خلدون، شُيّدت خيمة مخصصة للعروض الموسيقية والمسرحية، وعلى إيقاع الموسيقى الصاخبة عبّر الشباب برقصاتهم عن «الفرحة والأمل» وتغنّوا بتونس الجميلة تونس الحلم التي «لا يجوع فيها مواطن ولا يقهر فيها مظلوم» تونس كما يريدونها أن تكون.
لكن الموسيقى الصاخبة التي عمّت الشارع، لم تخمَد أصوات المحتجين الذين أتوا ليحيوا الذكرى على طريقتهم، شباب من أصحاب الشهادات العليا عاطلين من العمل، من بينهم أساتذة في الطب يبحثون عن خلاص من شبح البطالة، مطالبين الحكومة المقبلة بحل هذه المعضلة التي ترتفع نسبتها من سنة إلى أخرى.
في هذا اليوم اختلطت المشاعر لدى التونسيين في شارع الحبيب بورقيبة، بين التباهي بالتحول السياسي الذي عرفته البلاد وبين الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي بات مصدر قلق لكل العائلات التونسية.. وبين تركيز خطى ثابتة في المسار الانتخابي وبين ضبابية تعتري المشهد السياسي بسقوط حكومة الحبيب الجملي والانطلاق مجدداً في مفاوضات قد تُخفي مفاجآت لا تحمَد عواقبها.
أما الاحتفال بشارع الحبيب بورقيبة، فكان مغايراً لكل الاحتفالات التي مضت خلال الثماني سنوات الماضية، فقد غابت الأحزاب عن التظاهرات وغابت معها الصراعات والمشاحنات بين الأنصار.
حيث كان حضور الأحزاب أمس، باهتاً، لعل ما يشغلها اليوم أكثر هو مشوار المفاوضات الجديد، لتشكيل حكومة ترأسها الشخصية الأقدر من وجهة نظر رئيس الجمهورية.