«نيويوك تايمز»: لماذا البرازيل هادئة في حين تشعل الاحتجاجات بقية القارة اللاتينية؟
} عبدالرحمن النجار
تساءلت فينيسا باربرا في مقال لها في صحيفة «نيويورك تايمز» عن سبب تمتع البرازيل بالسلام والهدوء، في حين أنّ دول القارة اللاتينية الأخرى تشتعل بالأحداث الساخنة؟ وأوضحت باربرا أن العام الماضي شهد اضطرابات واسعة النطاق في أمريكا اللاتينية.
فمنذ منتصف أكتوبر (تشرين الأول)، يحتشد التشيليون في الشوارع. فما بدأ كاعتراض على ارتفاع أسعار المترو سرعان ما تحوّل إلى احتجاجات على التفاوت الاقتصادي الهائل. أمَر الرئيس اليميني، سيباستيان بينيرا، الشرطة عسكرية بقمع الاحتجاجات، مما تسبّب في مقتل أكثر من 10 أشخاص وإصابة أكثر من 200 شخص بالعمى الجزئي.
وفي كولومبيا، يتظاهر الطلاب والعمال والسكان الأصليون منذ أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) ضد التخفيضات المزعومة في المعاشات التقاعدية والتغييرات في قوانين العمل. اتهم المتظاهرون رئيس يمين الوسط، إيفان دوكي، بالفشل في معالجة قضايا مثل الفساد وعدم المساواة الاقتصادية، وقتل نشطاء حقوق الإنسان.
أما في الإكوادور، اشتعلت الاحتجاجات بسبب الزيادات في أسعار الوقود وإجراءات التقشف الجديدة. كما هزت الاحتجاجات باراغواي، وبيرو، وهايتي، وبوليفيا، وفنزويلا.
ولكن، أين البرازيل وسط كلّ هذا؟ تتساءل باربرا.
هناك بالتأكيد الكثير من المبرّرات للاحتجاج في أكبر دولة في أمريكا اللاتينية. ادّعى الرئيس السيّئ السمعة مؤخراً أن الممثل ليوناردو دي كابريو ساهم في نشوب حرائق غابات الأمازون المطيرة. قبلها، حاول الرئيس بولسونارو إخفاء حجم الكارثة الذي ساعد هو بنفسه في تفجيرها؛ وعندما فشلت تلك الخطة، ألقى باللوم على المنظمات غير الحكومية ونجم هوليوود على الدمار الهائل.
عندما تولى السيد بولسونارو مهام منصبه في يناير (كانون الأول) الماضي – تشير باربرا – بدأ في تفكيك جميع الوكالات الحكومية المعنية بحماية البيئة وحقوق السكان الأصليين بشكل منهجي، وعمل على تمكين مربي الماشية غير القانونيين، وعمليات قطع الأشجار، وعمال المناجم. واعتباراً من شهر أكتوبر، وافقت وزارة الزراعة على 382 منتجاً جديداً من مبيدات الآفات، جرى حظر الكثير منها في أوروبا واعتبرت خطرة للغاية. قبل شهرين، بعد وقوع تلوث نفطي غامض لأكثر من ألف ميل من أجمل شواطئ البلاد في شمال شرق البرازيل، زعمت الحكومة ضمنياً أنّ منظمة السلام الأخرى ربما هي المسؤولة عن الحادث.
تسعى مجموعة من المحامين البرازيليين والوزراء السابقين إلى توجيه اتهام للسيد بولسونارو في المحكمة الجنائية الدولية لتشجيعه على الإبادة الجماعية للسكان الأصليين، وفشله في حماية الغابات التي يعتمدون عليها. وفقاً لمجلس الدفاع عن السكان الأصليين، وهو مجموعة للدعوة مرتبطة بالكنيسة الكاثوليكية، كان هناك بحلول سبتمبر من هذا العام 160 غارة على السكان الأصليين من قبل أولئك الذين يسعون إلى استغلال مواردهم. خلال عام 2018، كان هناك 109 غارة.
وقد أقرّت الحكومة أيضاً إصلاح نظام التقاعد الذي سيزيد من عدم المساواة الاجتماعية: سيكون العمال الريفيون والنساء والفقراء الأكثر تضرراً.
وبالنسبة لرئيس وعد بمحاربة الفساد – تؤكد باربرا – فإنّ السيد بولسونارو محاط بفضيحة كبيرة. إذ يجري التحقيق مع أحد أبنائه، فلافيو، بتهمة الاختلاس وغسل الأموال. والابن الآخر، كارلوس، متورّط في مخالفات تتعلق بمكتبه. أما الابن الثالث، إدواردو، كاد أن يعيّن سفيراً للولايات المتحدة. وكانت أوراق اعتماده الوحيدة هي العمل في مطعم بولاية ماين، وبعد زيارة كولورادو مرة واحدة.
الأنكى من ذلك، أنّ اتهامات الفساد تطال العديد من أعضاء حكومته – وزراء السياحة، والاقتصاد، والزراعة، والبيئة، والأمن، والصحة. اعترف أونيكس لورنزوني، رئيس أركان السيد بولسونارو، بأنه اختلس أموالاً من شركة في عام 2014. ولم يؤد الاعتراف إلى التحقيق؛ أوضح وزير العدل سيرجيو مورو أن السيد لورنزوني قد اعترف بالفعل بأخطائه السابقة واعتذر.
يجب أن يكون كلّ هذا أكثر من كافٍ لإغراق الشوارع بمواطنين غاضبين وهم يهتفون تربط بين الشرطة والعنف. أليس كذلك؟ فلماذا الشوارع البرازيلية هادئة جداً؟ تتساءل باربرا.
ربما يكون ذلك بسبب ردّ الفعل الوقائي الرهيب للحكومة على موجة الاحتجاجات التي تجتاح أمريكا اللاتينية. في أواخر شهر أكتوبر، كشف الرئيس أن الحكومة تراقب التطورات السياسية، وأنّ الجيش مستعد للتدخل. بعد شهر واحد ، قدم السيد بولسونارو مشروع قانون لتوسيع ما يسمّى «الاستثناء عدم المشروع»، وهي مادة في القانون الجنائي البرازيلي تسمح بالإفلات من العقاب على بعض الأعمال غير القانونية في ظروف خاصة، بما في ذلك تلك التي يمارسها موظفو إنفاذ القانون. وهذا من شأنه توفير غطاء قانوني للجيش لإطلاق النار والقتل أثناء الاحتجاجات.
أوضح كل من وزير الاقتصاد ونجل الرئيس إدواردو بولسونارو، أنه إذا حاول البرازيليون تقليد جيرانهم، فستردّ الحكومة بـ «AI-5» جديد – أي نسخة جديدة من المرسوم الصادر عن الجيش في عام 1968 التي حلت الكونغرس، وعلقت العديد من الضمانات الدستورية، وقلصت حرية الصحافة، وبالتالي إضفاء الطابع المؤسسي على الرقابة والتعذيب.
الرسالة واضحة – تنوّه باربرا – مهما حدث، يجب على البرازيليين أن يظلوا خانعين. وتسخر الكاتبة: «ربما يظن الوزير أن مشاكلنا سوف تلغي بعضها بعضاً. لا داعي للقلق بشأن المعاشات التقاعدية إذا متنا جميعاً من تناول طعام مليء بالمبيدات الحشرية على أيّ حال، أليس كذلك؟»
إنها بالتأكيد طريقة إبداعية لقمع السخط. ولكن هل يمكن أن تصمد بينما بقية القارة مشتعلة؟
“ساسة بوست”