مجابهة الانهيار الاقتصادي لا تقوم من دون سياسة
} د.وفيق إبراهيم
حكومة الرئيس المكلف حسان دياب أصبحت قيد الإعلان عن تشكيلها بين ساعة وأخرى. وهذه ثمرة جهود جبارة نجح فيها حزب الله بتذليل معظم العقبات المتعلقة بتقاسم حصص وحقائب بين القوى السياسية التي كانت تعلن العفة في النهار، والخفّة في الليل.
هذا يستدعي الاعتراف أولاً بأن السيد حسان دياب هو تكنوقراط من نتاج التعليم الجامعي، ممارساً مدة قصيرة دوراً سياسياً ويتطلب أيضاً الإقرار بأن تشكيلته الحكومية هي نتاج تحالف قوى شديدة التسيس، ذهبت لاختيار حكومة متخصصين، معتدلة، لتجابه بها مسألتي: الانهيار الاقتصادي، والتطرف السياسي الداخلي المستند الى مشروع أميركي ـ إقليمي لتفجير لبنان.
لذلك فإن المزاعم التي تروج لحكومة تكنوقراط لا علاقة لها، تبعث على الضحك الى حدود السخرية، لأن الحكومة هي سياسة أولاً توزع الأدوار الداخلية بين الاقتصاد والثقافة والصحة والتربية، ومختلف المهام ثانياً.
فوزارة الخارجية مثلاً لا تستطيع إنتاج سياسات مع الخارج إلا في ضوء ما تقرره الحكومة مجتمعة. وهذا ينسحب على كامل الوزارات. فهناك انهيار اقتصادي يُقصي فكرة الإدارة العادية للوزارات من دون تدخل بنيوي، في تقسيماتها الداخلية ووظائفها بما يجعلها تحدّ من التراجع وتتكامل مع عمال الوزارات الأخرى.
حكومة دياب هي إذاً مشروع لوقف الانهيار الاقتصادي يحتاج الى قوى نيابية وازنة تدعمها، وتمتلك إسناداً إقليمياً ودولياً يفتح لها ابواب التعاون مع الصناديق الدولية والإقليمية.
ماذا تتطلّب هذه الوجهة؟
داخلياً، تبدو حكومة التكنوقراط المطعّمة بسياسيين “خير وصفة” لاستيعاب الاحتقان الداخلي، أو هكذا يفترض ان يكون، فبإمكانها ممارسة حياد على مستوى الصراع الإقليمي، بشكل تبقى فيه “اسرائيل” العدوّة الأساسية للبنان.
وتلتزم موقفاً دولياً مشابهاً في النأي بالنفس عن الصراعات الدولية الكبرى، فما علاقة لبنان بالصراعات الأميركية الروسية الأوروبية الصينية الإيرانية التركية؟ إلا بتجنب ما يؤذي وحدته الداخلية ومصالحه الاقتصادية.
بالتفصيل، يتبين أن دياب هو خيار حلف عون ـ حزب الله حركة أمل وحلفائهم، على الرغم من أنه لا ينتمي اليهم لكنه ليس معادياً لهم. كما أن تشكيلة حكومته، تجري بالاتفاق معهم، والثقة التي ينالها في المجلس النيابي هي بدورها من نتاج تحالفاتهم.
لكن كل هذه المؤشرات لا تسمح بالادعاء ان حكومة الرئيس دياب، هي حكومة هذا التحالف الذي يتعامل مع المرحلة، بعقلية المؤيد لها على الرغم من انها لا تنتمي اليه بنيوياً، فلماذا يذهب حلف عون الى هذه الحد؟ لأنه يعرف مدى دقة المرحلة وضرورة التنقيب عن الوحدة الوطنية الداخلية بحكومة محايدة، يجري تزويدها بجرعات دعم سياسية عالية، لتجيد التعامل مع الانهيار الاقتصادي من جهة والصراع السياسي الخارجي من ناحية ثانية.
إن أولى مهام الحكومة هي المسارعة الى وضع خطة اقتصادية توقف الانهيار تمهيداً لمعالجته تدريجياً. وهذا يتطلب فوراً تدمير فكرة اسلوب الإنماء بالدَّين على قطاعات منتجة بما يستدعي إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي كان المهندس الاقتصادي للحريرية السياسية، وممثل السياسة الاقتصادية الغربية في لبنان، واستبداله بخبراء اقتصاديين، يمسكون بدور الحاكم ونوابه.
يبدو هنا أن هنالك استشعاراً مسبقاً من قبل الحاكم وتغطيته السياسية في حزب المستقبل الحريري والتقدمي الاشتراكي الجنبلاطي، اللذين باشرا بهجمات للدفاع عن الحاكم وسياساته وذلك للاستمرار بالاستتباع للصناديق الدولية الأميركية واقتصادات الدول الغربية ونهب ثروات الغاز.
هناك أيضاً اتجاه من هذه القوى السياسية المعطية للحاكم، يذهب اتجاه الدفاع عنه لحماية تاريخها في نهب المال العام، هذا النهب المتقاطع مع الإجراءات التي كان يتخذها الحاكم لتأمين تغطية شرعية لطبقة سياسية سطت على المال العام بسياسات الحريري وسلامة.
بذلك يتضح أن الإصلاح الاقتصادي يحتاج الى تغطية سياسية، فحتى عزل الحاكم سلامة يتطلب دوراً كبيراً لحلف عون ـ حزب الله الرئيس بري في تغطية وحمايته من الهجمات المضادة للمؤيدين للحاكم، وهل تستطيع حكومة دياب إقالة عشرات آلاف الموظفين الوهميين الذين لا يداومون في وظائفهم الرسمية بل في مكاتب أحزابهم؟ وكيف بوسعها استعادة الأموال المسروقة والمنهوبة من دعم سياسي وهل يفكر بقانون انتخاب على مستوى لبنان دائرة واحدة على اساس نسبي مع توجّه لإلغاء الطائفية السياسية؟
إن كل هذه المتطلبات تحتاج الى تغطية سياسية عميقة، وهي موجودة عند حلف عون ـ حزب الله ـ بري، العالم بتجذر الأزمة الاقتصادية وضرورة تغطية عمليات مجابهتها، بتغطية سياسية فعلية، تعتمد الشفافية القصوى لمجابهة المرحلة بحكومة تربط الاقتصاد والسياسة إنما من دون ان تنخرط في لعبة المحاور الداخلية وفي إطار مجابهة خطة تسعير الفتن المذهبية والطائفية.