– مع انقضاء الشهر الأول على اندلاع موجات الغضب الشعبي أصيبت المؤسسات الدستورية بالاهتزاز لما مثله هذا الزخم من المشاركة الشعبية المتنوّعة طائفياً ومناطقياً من طعن بصدقية تمثيل هذه المؤسسات المنبثقة من الانتخابات النيابية، رغم عدم مرور وقت طويل على إجرائها ولم تكن الأزمة الحكومية الراهنة إلا تعبيراً عن هذا الاهتزاز ومثلها كل الدعوات لحكومة لا تراعي نتائج الانتخابات.
– وخلال هذا الشهر الأول صار لقادة الحراك المدني والسياسي الذي قاد موجات الغضب قدر من المشروعية للتحدث باسم الشعب بالاستناد إلى ما اعتبر تفويضاً مباشراً تترجمه الاستجابة للدعوات بالنزول إلى الساحات.
– بعد مرور الشهر الأول بدأت تنمو ظاهرة عكسية وهي تصويت شعبي سلبي ضد قيادة الحراك ترجمته حالة العزوف عن تلبية الدعوات التي بموجبها صعد قادة الحراك لامتلاك نسبة من المشروعية وصار مرور أكثر من شهرين على هذا الانفضاض رغم تكرار الدعوات للمليونيّات مرات عديدة. ورغم التذرع بالطقس والأعياد والأحداث الإقليمية إعلان صارخ بنزع التفويض الشعبي عن قيادة الحراك، فقد صار ثابتاً أن الشعب الذي طعن بصدقية تمثيل نوابه المنتخبين عبر موجات الغضب نزع أي مشروعية لتمثيله عن قيادة الحراك.
– منذ ذلك التاريخ يحدث أن ما يُسمّى بالثورة لم يعد سوى ثنائية أقليتين تعبر من جهة عن تحرك فاعل أمام مؤسسات تتصل بالمسؤولية عن الفساد وفي مقدمتها المصارف، لكنها أقلوية بالقياس للحشود الشعبية المنتظرة فهي تتراوح بين العشرات والمئات من الشبان؛ وبالتوازي ظهر تحرك متقطع عنوانه قطع الطرقات يتشارك فيه مئات من حزبيين كانت أحزابهم تشكل قلب السلطة ومعهم عشرات من جمعيات تولى قادتها قيادة الحراك، لكن هذا التحرك الأقلوي ايضاً يتراوح بين الفتنة والفاشية. فالحزبيون فيه يعزفون علناً على أوتار العبث الطائفي و”المدنيون” فيه يقدّمون نظريات للعنف والتخريب والشتيمة ويصرّون على تسمية أنفسهم بالثوار وعلى تسمية شركائهم المختلفين معهم وعنهم بالمندسّين وبكل ادعاء فاشي يتحدّثون باسم الشعب.
– لأنه ليس في السياسة فراغ كان من الطبيعي أن تعود الناس لتنتظر ولادة حكومة جديدة وسقف مطالب الناس ينخفض ومثلها جاءت خيبة الأمل بالممثلين الجدد في قيادة الحراك لتعيد المشروعية للانتخابات وما نتج عنها بانتظار الانتخابات المقبلة أو خروج موجات غضب بمئات الآلاف تمنح تفويضاً جديداً لقيادة جديدة.