الخامنئي يستعيد حشود تشييع سليماني لتفويض سقفه إخراج الأميركي من المنطقة وتحرير فلسطين الحكومة الجديدة في غرفة العناية الفائقة لمعالجة ندوب وكدمات التعقيد … لأن الفشل ممنوع لا عقدة قوميّة في التأليف بل تعزيز لمعايير رفض المحاصصة بالتمسك بشخصيّات وطنية جامعة
كتب المحرّر السياسيّ
خرجت ملايين الإيرانيين لتصلّي الجمعة في شوارع طهران في ظل درجة حرارة تراوحت بين ناقص واحد وأربعة فوق الصفر، وافترشوا الإسفلت لسماع خطبة الجمعة لمرشد الجمهورية الإسلامية الإمام علي الخامنئي، مجدّدين الصورة التي رافقت تشييع القائد سليماني، والتي أصيبت ببعض الأذى إثر الاحتجاجات التي أعقبتها إثر سقوط الطائرة الأوكرانية. وجاء هذا الحضور المليونيّ مصحوباً بمعلومات روسية قالها وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف عن وجود سبب أمني تقني لارتباك الدفاعات الإيرانية الجوية أثناء إقلاع الطائرة الأوكرانيّة هو دخول سرب طائرات أميركيّة من طراز أف 35، إلى الأجواء الإيرانيّة، محمّلاً واشنطن جزءاً كبيراً من مسؤولية التسبّب بحادث سقوط الطائرة الأوكرانيّة، بينما كان خطاب الإمام الخامنئي باللغتين الفارسية والعربية رسالة لشعوب المنطقة وحكوماتها، بأولوية توحيد الصفوف ومنع الفتن، وتخطي الانقسامات، محدداً للاستقرار سقفاً واضحاً هو إخراج الأميركيين من المنطقة وتحرير فلسطين.
في لبنان، دخل المشهد الحكومي غرفة العناية الفائقة، مع الإصابات التي تلقتها مساعي استيلادها، التي كادت أمس تبلغ خواتيمها السعيدة، بعدما ظهر تعثر اللحظة الأخيرة ليرجئ الولادة التي كانت شبه مكتملة الشروط في اللقاء الذي جمع رئيس مجلس النواب نبيه بري بالرئيس المكلف حسان دياب. وتواصلت أمس، حتى ساعة متأخرة ليلاً الاتصالات الهادفة لرأب الصدوع وتدوير الزوايا، ومعاجلة الندوب والكدمات، لكنها لم تسفر عن نتائج توحي بأن المسار الحكومي قد تمّ استرداده إلى مناخات تتيح التنبؤ بالإقلاع مجدداً، فبقيت الأطراف الرئيسية عند مواقفها، رغم التقدّم في حلحلة بعض العقد الجانبية كملف الحقائب المسندة للوزير الدرزي. وطرحت في التداول صيغة الـ 24 وزيراً كبدليل مفترض، لكنها لاقت تعقيداً يظهر تعقيدات جديدة ربما تكون أكبر من تلك التي يستوعبها، حيث الخلاف على كيفية توزيع المقاعد المضافة سيتكفل بإعادة إنتاج العقد الراهنة ذاتها، خصوصاً على كيفية توزيع التمثيل المسيحي من قوام الحكومة، فطرحت صيغة الـ 20 وزيراً، باعتبارها تضيف وزيراً كاثوليكياً يستوعب واحداً من الاعتراضات التي عبّرت عنها الكنيسة الكاثوليكية، ويضيف للتمثيل الدرزي وزيراً، ويمكن للإضافة الكاثوليكية والدرزية أن توفرا مساعدة في إرضاء الأطراف المعترضة بطريقة غير مباشرة، ورهاناً على أن صيغة الـ 20 ربما لا تلقى المعارضة المبدئية ذاتها التي يبديها الرئيس المكلف على صيغة الـ 24. وبقيت صيغة الـ 20 وزيراً في التداول، لكن مصادر متابعة ومعنية بملف التفاوض لم تظهر الحماس للتحدّث بالتفاؤل عن مؤشرات إيجابية سريعة، مع إبقاء الباب مفتوحاً لما يمكن أن ينتج عن المساعي التي يتناوب عليها الرئيس بري ومعاونه السياسي وزير المالية علي حسن خليل والمساعي التي يبذلها حزب الله ويتولاها باسم الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله معاونه السياسي الحاج حسين خليل والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.
في العقد المسيحية يظهر التجاذب بين التيار الوطني الحر وتيار المردة على النسبة والتناسب في الأحجام، ركناً رئيسياً في المشكلة، فرغم إنكار التيار لسعيه لنيل حصص واتهامه المردة بذلك، فإن تمسك التيار الوطني الحر بالحقائب وحق التسمية بصورة لا تترك مجالاً للحلفاء في ظرف سياسي ونيابي يستدعي التضامن بين مكوّنات الغالبية النيابية وهم ينتمون لخيار سياسي واحد، كان مصدر انتقاد لا يمكن حصره بتيار المردة الذي يعقد رئيسه الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية مؤتمراً صحافياً سيخصّصه لشرح موقفه من التشكيلة الحكومية وما يسمّى بعقدة المردة، محمّلاً رئيس التيار الوطني الحر مسؤولية إفشال الفرصة الحكومية المتاحة ودفع البلد نحو المجهول، دون أن يُعرَف الموقف الذي سيطلقه فرنجية من استمرار التعقيد لجهة المشاركة في الحكومة وشروطها ومنح الثقة من عدمها، بينما قالت مصادر متابعة للملف الحكومي، إن نظرة الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي لم يطلب تمثيلاً حزبياً في الحكومة، يتلاقى مع موقف المردة في تقييم العقد التي تعطّل التشكيلة. فالحزب الذي يتمثل بكتلة من ثلاثة نواب لم يدخل على خط المحاصصة، وارتضى أن يزكّي ويدعم اختياراً لشخصية وطنية مدنية هي النقيبة السابقة للمحامين أمل حداد اختارها الرئيس المكلّف واعتبر وجودها في التشكيلة كافياً لترجمة مفهوم حكومة اختصاصيين مفتوحة على خيار الدولة المدنية برموزها وشخصياتها، لكنه فوجئ بحذف الاسم من التشكيلة المقترحة دون مبرّر طالما أن الحكومة ليست للمحاصصة كما هو الاتفاق. وقالت المصادر إن تضمين اسم النقيبة حداد للتشكيلة الحكومية صار المعيار الأهم لابتعادها عن المحاصصة وليس أبداً تعبيراً عن نيل القوميين حصة في الحكومة، وقالت المصادر إن إحدى مشكلات صيغة الـ 24 وزيراً إذا تمّ تفعيلها أنها ستؤكد أن المحاصصة ولو من خلال أسماء غير واضحة حزبياً، صارت لها الغلبة، وعندها فإن القوميين الذي يتمسّكون بتضمين النقيبة حداد للتشكيلة الحكومية سيكون لهم الحق بطلب مقعد وزاري إضافي يسمّونه لا يقومون بتزكية اختياره وحسب. وقالت المصادر إن ما يسري على القوميين والمردة يسري على غيرهم كاللقاء التشاوري الذي سيطلب أيضاً وزيراً إضافياً في حال رفع العدد إلى الـ 24. ونقلت المصادر عن مصادر نيابية قولها إن مجرد التفكير بنسب التمثيل في الحكومة هو ترف لا وقت له في الظروف التي تضغط كل يوم على خناق لبنان واللبنانيين وتهدّد بانفجار قد يفاجئ الجميع اجتماعياً، فإن الأطراف الأصغر حجماً تملك حق الفيتو في الحكومة في ظل امتلاكها فرصة لحجب الثقة عن حكومة لن تنالها إلا بما يزيد عن نصف المجلس النيابي بصوتين أو ثلاثة أو أربعة، بحيث يخلّ بتوازنها أي اعتراض من أي من الكتل الصغيرة. فاللقاء التشاوري يستطيع إذا قرّر سحب الثقة إسقاط الحكومة والقوميون والمردة يستطيعون، ولا يملك أحد حق التعامل مع هؤلاء الحلفاء كأنهم مجرد أصوات مضمونة، فمثلما أن عليهم واجبات فإن لهم حقوق الاحترام وعدم التذاكي في التعامل معهم على أقل تقدير، متسائلة عن معنى ما يسرّب عن سعي البعض للثلث؟
وتنفي مصادر مسؤولة في الحزب القومي تعطيله تأليف الحكومة، مؤكدة لـ”البناء” “أن الحزب قوة سياسية عابرة للطوائف موجودة في البلاد ولها كتلة نيابية من 3 أعضاء، وبالتالي من حقه الطبيعي أن يطلع على تشكيلة أو أن يزكّي أو يسمّي”، موضحة أن “الحزب لم يسمّ بل زكّى اسماً معنياً كان مطروحاً من قبل رئيس الحكومة المكلف في الأصل هو نقيبة المحامين السابقة أمل حداد”، وتشير المصادر الى ان “الحزب مع الإسراع في تشكيل الحكومة لتتولى المسؤولية”، وتلفت الى انه “اذا ذهبت الأمور في ما يتعلق بالتزكية الى سياق آخر سيكون لكتلة الحزب موقف آخر وقد يكون في حلّ من منح الحكومة الثقة في المجلس النيابي”.
ويعقد رئيس التيار الوزير السابق سليمان فرنجية مؤتمراً صحافياً عند الساعة 11 من ظهر اليوم لشرح موقف المردة من مسألة المشاركة في الحكومة وآخر ما توصلت اليه الاتصالات في هذا الإطار”، وإذ فضلت مصادر المردة عدم الخوض في تفاصيل التفاوض، قالت مصادر المردة لـ”البناء” إن “فرنجية سيشرح كل حيثيات الأمر”، نافية ما يتمّ تداوله عن أن المردة تعطّل التأليف، مشيرة الى أن “من حقها التمثيل بوزيرين ومن عقّد الأمر هو الطرف الذي يرفض تمثيل المكوّنات المسيحية الأخرى”. لكن مصادر أخرى أوضحت لـ”البناء” الى أن جهود حزب الله قد تؤدي الى خفض التصعيد في مؤتمر فرنجية أو إلغاء المؤتمر المرتقب”. في المقابل ترفض مصادر التيار الوطني الحر اتهامات المردة وتشير الى أن “الذين يتعاطون مع الملف الحكومي بمنطق العدد والحصص معروفون وقد كشفوا عن أنفسهم بمطالبتهم بعدد محدد من الوزراء، فيما لم يتعاطَ التيار بهذه العقلية لا من قريب ولا من بعيد”.
كما أكّدت مصادر متابعة لعملية تشكيل الحكومة في قصر بعبدا أنّ ما يشهده لبنان اليوم هو عِقد الطلق الأخير لولادة الحكومة، مشدّدة على أنّ كل كلام عن خلاف بين الرئيسين عون ودياب هو كلام يُراد به باطل. وقالت هذه المصادر إنّ إلباس الوزير جبران باسيل عرقلة الحكومة أمر غير صحيح، مشيرة إلى أنّ العقدة الدرزية قد حُلّت بالتفاهم مع حزب الله وعقدة المردة مصطنعة.
من جهتها، أوضحت أوساط الحزب الديموقراطي اللبناني لـ”البناء” الى أن الاتصالات مستمرّة بين الرئيس المكلف والنائب طلال أرسلان، مرجّحة أن تصل الى نتيجة إيجابية خلال الساعات القليلة المقبلة، ولفتت الى أن “هناك مسعىً من حزب الله لتبديل بعض الحقائب وتحديداً إعادة الصناعة الى الديموقراطي، لكن لم نتبلّغ أي رد نهائي من دياب حتى الساعة”.
في المقابل تلاحظ أوساط مراقبة زيادة الضغط في الشارع في موازاة عملية التأليف، وقد استمرّ أمس مشهد الاحتجاج في الشارع في مختلف المناطق لا سيما في شارع الحمرا، حيث سجل بعض التوتر بين المتظاهرين الذي جابوا شوارع الحمرا واقتربوا من مصرف لبنان وبين القوى الأمنية المولجة حماية المصرف. فيما تساءلت مصادر أمنية لـ”البناء” في هذا السياق بين الحسم الأمني من قيادة قوى الأمن الداخلي مع المحتجين أمام البنك المركزي وضد المصارف وبين التقصير المتعمّد والمغطّى على ممارسات تيار المستقبل الميليشياوية على الطرقات الرئيسية لا سيما في البقاع وطريق الجية، حيث أفيد أمس عن عمليات اعتداء قام بها قطاع الطرق على سيارات المارة على طريق بيروت – الجنوب وإجبار سائقيها على النزول والاعتداء عليهم.
على صعيد آخر، أعلنت وزارة الخزانة البريطانية، إدراج حزب الله بالكامل تحت قانون تجميد أصول الجماعات الإرهابية لعام 2010، مشددة على أنها صنفت منظمة حزب الله برمّتها على أنها جماعة إرهابية بموجب قواعد الإرهاب وتمويل الإرهاب، وبالتالي سيتمّ تجميد أصولها، مع العلم أن الحزب مصنّف بريطانياً بين الجماعات الإرهابية بجناحيه منذ آذار الماضي.