هل تغيّر الخطاب الأميركي تجاه إيران بعد استهداف قاعدة عين أسد؟
} د. ساعود جمال ساعود*
ما إن إنزاح غبار الصواريخ الإيرانية فوق سماء عين أسد القاعدة الأميركية اللعينة، حتى أطلّ السفسطائيون والمحللون وإخوانهم من المبرمجين إيديولوجياً يحللون ويصرّحون بما لا يقبله عقل ولا منطق، والطامة الكبرى تكمن في ما إذا كانت أقوالهم تؤخذ بعين الاعتبار من قبل صنّاع القرار، فهي بجملتها أقوال متهوّرة متسرّعة لم تنضج ثمارها بعد.
لم يُحدث أيّ ضجيج إعلامي، ولم يُبالغ فيه من قبل أعداء إيران، إنّه تصريح الرئيس روحاني؛ الذي قال فيه إنّ هناك خطة أميركية للقضاء على إيران ونظامها، أيّ النظام السياسي بما يتألف من مؤسسات، وطبعاً دون الإفصاح عن حيثيات هذه الخطة بما يوضّح للقارئ كيفيتها، إذ اكتفى الرئيس روحاني بقوله: «الإدارة الأميركية خططت للقضاء على النظام الإيراني في غضون ثلاثة أشهر وفشلت، وقد أدرك الجميع أنّ ما خططت له الإدارة الأميركية تجاه إيران كان خاطئاً».
هنا نذكر أحد سيناريوات الحرب الأميركية ضدّ إيران التي بدأت بحصار اقتصادي خانق يستهدف تقويض الاقتصاد الإيراني، والوصول لحالة العجز عن تلبية حاجات الشعب الإيراني، تطوّرت إلى نصب فخ استراتيجي تمثّل بالتخطيط لاغتيال أكبر قائد عسكري في إيران كمحالة لجرّ إيران إلى القيام بردة فعل من شأنها أنّ تخوّل الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها القيام بعمل عسكري ضدّ إيران، ولا بدّ أنّ هذا التخطيط صاحبه ظنٌ أميركي بأنّ إيران دولة شعارات فقط، وهنا الصاعقة عندما ردّت إيران بقصف قاعدة عين أسد، حيث ولد التخوّف من الدخول في دوامة الفعل وردّ الفعل بعد الضجة العالمية لاستشهاد اللواء سليماني، لا سيما في الداخل الأميركي الذي أدّى إلى حدوث تغيّرات سياسية تمثّلت بتحرّكات مجلس الشيوخ الأميركي والكونغرس لتقليص صلاحيات الرئيس ترامب بخصوص شنّ ضربة عسكرية ضدّ إيران، حيث ثبت لنا أنّ المقصود بخطأ تخطيط الإدارة الأميركية هو عدم توقعها الردود الإيرانية وطبيعتها ومداها ومجالها وتوقيتها، التي ولّدت بأجمعها الردع لأيّ حركة عسكرية أميركية.
وبالعودة… فمما أشار إليه الرئيس روحاني بقوله: «ربما نحن من بعض الدول القليلة التي تستطيع تهديد أميركا، أن تهز قاعدة عسكرية أميركية في منتصف الليل، وتجبر واشنطن على التراجع عن تهديداتها فهذا أمر مهمّ»، وبالتحليل إنّ هذا الأمر صحيح، فتصدّي إيران لأيّ حرب عسكرية أميركية لن يكون وجهاً لوجه، بل كما حدّدوا وقالوا عبر ضرب نقاط ضعفهم المتمثّلة بالمناطق الاستراتيجية كمضيق هرمز مثلاً، وأمّا بالنسبة للتهديدات الأميركية فقد كان من المخطط له الردّ على الضربة الإيرانية، ولكن شهدنا كيف خرج ترامب بتصريحاته الخائفة ليقلل من أثر الضربة الإيرانية، في محاولة منه لحفظ ماء الوجه وكأنها رسالة للعالم مفادها: «لا داعي للردّ فالعواقب سليمة». رغم أنني أجزم أنّ الضربة الأميركية للشهيد سليماني لم يخطط لها إلا كتمهيد لتوجيه ضربة ما لإيران، ولكن عدّة عوامل أدّت إلى الحيلولة دونها منها:
أولاً: شيوع ظاهرة الغضب الشعبي الإيراني، والتلاحم الذي أبداه بشرائحه كافّة مع القيادة الإيرانية في تصدّيها للغطرسة الأميركية.
ثانياً: مصداقية التصريحات الصادرة عن القيادات الإيرانية وثبوتها بعد الردّ المفاجئ.
ثالثاً: نوعية الأسلحة التي استخدمتها إيران، فاستخدام الصواريخ الباليستية لها بعد استراتيجي، حيث إنّ هذه النوعية من الأسلحة مخصّص للحروب الخارجية.
رابعاً: الخشية من نهضة دول محور المقاومة التي أبدت تعاضداً ومساندة أوحت بالجاهزية للتحرّك نحو أيّ عمل يقتضي استعادة توازن محور المقاومة في حال حدث خللٌ ما.
خامساً: تألب الراي العام العالمي ضدّ التصرّف الأميركي الذي بات من المضحك وصفنا له بأنّه مخالف للقانون الدولي، ذلك لأنّ أميركا تضع القانون الدولي تحت حذائها.
سادساً: الحراك الأميركي الداخلي الذي انقسم إلى فرعين أحدهما الشعبي الرافض لهذا التصرف المشين، والآخر سياسي تمثّل بحراك مؤسساتي لردع ترامب عن تصرفاته الرعناء.
سابعاً: لا بدّ أنّ الضغط الدولي كان له دوره سواء المعلن منه أو المخفي.
وبالنتيجة تراجعت أميركا عن تخميناتنا بتوجيه ضربة عسكرية ضدّ إيران، رغم أنّ ما درجت عليه منذ سنين يستهدف مثل هذه الضربة منذ إدراجها ضمن ما سمّته زوراً وبهتانا «بمحور الشر»، ولكنها أتبعت الردّ الإيراني بحزمة من العقوبات الاقتصادية التي تستهدف الداخل الإيراني بشكلٍ مباشر.
وبالعودة إلى تصريح الرئيس روحاني، فقد اعتبر أنّ الخطاب الأميركي تجاه إيران قد تغيّر إلى حدّ كبير بعد الضربة التي وجهتها بلاده إلى قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق، وهنا موضع التساؤل الكامن بـ ما الذي تراجع الخطاب الأميركي السياسي والإعلامي المعلن أم التصرفات الأميركية التي هي أشبه بحرب خفية ضدّ إيران؟
إنّ الجواب على هذا السؤال لا يستقيم إلا بتقديم المؤشرات التي تخدم أحد طرفي السؤال، والتي تتمثل بالعقوبات الاقتصادية التي فرضت على إيران بعد اغتيال سليماني وعدم رفع العقوبات السابقة أولاً، ومن ثم الاستغلال الإعلامي الأميركي لحادثة الطائرة الأوكرانية ثانياً، ومن ثم محاولات التجييش والتحريض الأميركي لبعض شرائح الشعب الإيراني للقيام بتحركات فوضوية احتجاجاً على إسقاط الطائرة الأوكرانية ثالثاً، استمرار حلفاء واشنطن بالتلاعب بأمن واستقرار إيران، فسفير بريطانيا حاول إثارة القلاقل الاجتماعية داخل إيران رابعاً، واستمرار النظرة إلى تخصيب اليورانيوم في إيران أنه تهديد وجودي خامساً، وإعلان حلفاء أميركا على رأسهم بريطانيا أنهم سيدافعون عن أيّ تهديد لمصالحهم وجنودهم في منطقة الشرق الأوسط، وعلى هذه الأساس يمكن القول بأنّ الخطاب الإعلامي والسياسي وإن خفّت وطأته حالياً، فهذا من باب التهدئة لا أكثر، كما أنّه لا يعني قطعاً توقف المخططات الأميركية تجاه إيران، ولن تتوقف مستقبلاً، ولا بدّ أنّ هذا التردّد والخوف اللذان انتابا الولايات المتحدة الأميركية سيعقبهما محاولات جريئة قاسية ضدّ إيران، والغرابة في الإجراءات الأميركية خطواتها ضدّ إيران أنّها ليست مضطرة بتاتاً لأيّ عمل عسكري، فهو محض غباء وتهوّر، إذا أنّ دولة كبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية تستطيع إلحاق الضرر بأمن واستقرار أي دولة من دون اللجوء إلى عمل عسكري، سيما بعد أن أدرجت إلى الساحة الدولية ما يسمّى بالحروب بالنيابة التي عرفتها المنطقة العربية منذ عام 2010، حيث دمّرت بلداناً برمّتها بأيدي مجموعات إرهابية داخلية، والأولى أنّ التلويح بالقبضة العسكرية، يبقى ضمن سياق الحرب النفسية، وهذا أمر يجب أن تتنبّه له شعوب منطقة الشرق الأوسط، وأن لا تمتنع مستقبلاً عن الردود التي تتطلبها المواقف والمستجدات وما تحمله من أحداث متفاوتة الشدة ومتنوعة الوجوه.
*كلية العلوم السياسية – جامعة دمشق