«الرؤية العالمية في الرواية العربية» للدكتور علي نسر… مفارقة في زوايا الكتابة والتقنيات
} مهى عبدالكريم هسي
«…مضت الرواية العربية طويلاً في الواقع العربي نقّادة »متبصّرة» في التحوّلات المجتمعيّة الكبرى المتأملة في المصائر القومية، فكان الموضوع الغالب على الرواية العربية، خصوصاً روايات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، هو ارتفاع عمليات الوعي الذاتي من خلال الجرأة على نقد الواقع، انطلاقاً من الحالة التي تعاني منها الأمة تخلفاً وفجيعة…»، من هذه المقدّمة التي استعرض فيها الإطار العام للدراسة وفضائها الثقافي وآلياتها المنهجية، وأهدافها المعرفية والنقدية، ينطلق الباحث الدكتور علي نسر في مؤلفه »الرؤية العالمية في الرواية العربية» الصادر مؤخراً في (231) صفحة من القطع المتوسط، عن دار المؤلف – بيروت (2019).
وقد سبر المؤلف أغوار النصوص المنتخبة ودرسها متطرقاً إلى أمثلة وشواهد معتمداً المنهج البنيوي التكويني ليُشرّح الخصائص التاريخية والسياسية والاجتماعية والدينية، واضعاً تحت المجهر روايات كل من »جبرا ابراهيم جبرا» و»حيدر حيدر» وذلك في فصلين منفصلين. ففي الفصل الأوّل استعرض نسر رؤية جبرا التي تنطلق من خلفيّة طبقية ذات ملامح برجوازية مستمدّة من الثقافة الغربية يراها جبرا ضرورة لانتشال العالم من تخلّفه، مشيراً في خلاصة الفصل إلى أن رؤية جبرا جاءت تفاؤلية للمستقبل. أما في الفصل الثاني، فقد استعرض رؤية حيدر حيدر التي تنطلق من خلفيّة ثورية ذات أصول ماركسية واشتراكية يعتبرها الكاتب الطريق للخلاص، مشيراً في نهاية الفصل إلى أن رؤية حيدر جاءت تشاؤمية سوداوية للمستقبل. وفي نتيجة بحثه قارن نسر بين رؤيتي كل من الكاتبين اللذين التقيا في رفض الواقع وتناقضا في إيجاد الحلول لمشكلاته وفي الرؤية إلى العالم عموماً. ويؤكد الباحث في الختام أن هذه الروايات تكشف ما هو مظلم في واقع العالم العربي، وتجعلنا نشارك في حلول بعض المشكلات التي تعاني منها الأمة دون انتباه، قائلاً: »إنها ترجمة أو مرآة عكست الواقع، ولكنها لم تكن محايدة أو مزيفة، إنما عملت على كشف أمراضه وأدرانه كي تكويها وتعالجها…».
قراءة حاذقة وعاشقة تلك التي أقدمَ عليها نسر بحذق الناقد وعشق المبدع ليتحرّك في فضاء الروايات، كما يتفنّن في استجلاء تفاصيل الأشياء وفروق المواضيع، ينفذ إلى أعماق النصوص المحلَّلة فيبيّن عن قدرة هامّة في الرصد والتتبع، وكفاءة عُليا في تجلية غوامض الأمور. كتاب يُضاف إلى رصيد تحليل السّرد الروائي العربي، مبرزاً أنّ في السرد دائماً عوالم تحتاج إلى الكشف ومناطق تدعو أبداً إلى الاستكشاف.