الحراك يخرج عن إطار السلميّة مجموعات منظمة ومندسّون يعيثون الخراب ويعتدون على القوى الأمنيّة
عبير حمدان
الاجتماع الأمني التي ترأسه أمس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في القصر الجمهوري بحضور الوزراء المعنيّين وقادة الأجهزة الأمنية يعدّ خطوة مهمة في سياق العمل من أجل الحفاظ على استقرار البلد ووأد محاولات المسّ بهذا الاستقرار.
وقد جاء هذا الاجتماع استعاضة عن اجتماع مجلس الدفاع الاعلى الذي لم يُعقد لعدم استعداد رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري المشاركة به.
انّ ما جرى عرضه في الاجتماع الأمني من معطيات وتقاطعات بين الأجهزة الأمنية والإشارة إلى وجود مجموعات منظمة ومندسّين يقومون بأعمال التخريب والتهجم على القوى الأمنية، انما يعطي صدقية لتقارير ومواقف وتصريحات حول ارتباط مجموعات بأطراف معينة وتنفيذ أجندات سياسية.
محاسبة المصارف بالتخريب
التصعيد في الشارع من قبل مجموعات منظمة أسقط عن الحراك شرعيته حيث غابت المطالب المحقة ليحلّ محلها عامل تخريب الممتلكات العامة والخاصة تحت عنوان محاسبة المصارف التي تعتمد سياسة تقشفية مع الناس، لكن هل تحطيم واجهات بعض المصارف واقتحام المكاتب وتخريبها هو الحلّ الذي يحفظ حقوق المودعين والموظفين الذين يوطنون رواتبهم فيها؟
منتصف الأسبوع الماضي تحوّلت واجهات المصارف في الحمراء الى هدف مباشر من قِبل مجموعات قال عنها جزء من الإعلام أنها مندسّة وتواترت حولها التصاريح السياسية بإطار متناقض وكانت حصيلة الكرّ والفرّ بين المتظاهرين والقوى الأمنية عدد كبير من الموقوفين وإصابات من الطرفين.
رافق هذا التصعيد قطع للطرقات في أكثر من منطقة مما فاقم في تأزّم الوضع لناحية تقييد حركة الناس في تنقلاتهم وأشغالهم، كما تمّ التعرّض للفانات المتجهة الى البقاع وتكسيرها من قبل «ثوار» مشبوهين مما أدّى إلى ردّ فعل مضاد وتوتر ملحوظ في أكثر من منطقة بقاعية.
المواجهة بين المتظاهرين والقوى الأمنية انتقلت إلى أمام ثكنة الحلو للمطالبة بخروج الموقوفين وكان لبعض الإعلاميين حصتهم من المعركة التي حسمتها القوى الأمنية بعناصر مكافحة الشغب.
كلّ ما أنتجته مواجهات الحمراء وثكنة الحلو اختصرته وزيرة الداخلية بتصريح مباشر لمراسلي وسائل الإعلام الذين اعتصموا أمام الوزارة مُقرّة بأنّ تصرّف عناصر قوى الأمن غير مبرّر ولكن في المقابل هل من المسموح الإخلال بالأمن وتعميم الفوضى والتخريب؟
مجلس النواب الهدف الأبرز
رافق منطق التخريب دعوات لأهالي طرابلس للانضمام إلى الساحات وجعل مجلس النواب هو الهدف الأبرز بعد المصارف، وبالتالي تمّ استقدام الباصات من الشمال ليبدأ فصل جديد من فصول المواجهة بين المجموعات التخريبية والقوى الأمنية، وكان العنوان الأبرز للمتظاهرين أنّ الساحات ملكاً لهم وبالتالي من حقهم نزع كلّ الحواجز حسب تعبيرهم للوصول إلى المجلس النيابي لإسماع صوتهم ولكن دون أن يكون هناك مطلب واضح محدّد ومنطقي.
هذه المجموعات لم توفر أيّ وسيلة للهجوم حتى أنها اتخذت من إشارات السير واليافطات وبلاط الأرصفة أسلحة لها بالإضافة إلى المواد الحارقة لضرب عناصر قوى الأمن، واستكملت حربها بتحطيم المحال ومحتوياتها، قابَل ذلك بعض التقارير الإعلامية التي أشارت إلى أنّ القوى الأمنية قامت بحرق خيم المتظاهرين فيما قالت تقارير أخرى العكس.
واستكمل المشهد بملاحقة المصابين من عناصر قوى الأمن إلى المستشفيات من قبل هذه المجموعات التي اتخذت الحراك مطية لها لتمرير مشاريع مشغليها السياسية المشبوهة.
ساحات بيروت المشتعلة استدعت تدخل الجيش درءاً للمزيد من التصادم إلا أنّ سوء الأحوال الجوية ساهم في إنهاء المواجهة بتراجع المتظاهرين بسبب غزارة المطر.
وسائل التواصل وقود المعركة
بعد أكثر من تسعين يوماً على الحراك الذي استولت عليه أطراف سياسية وعملت على تقويضه وفق رؤيتها ومشاريعها بحيث تعمد إلى تسعير ساحاته حيناً وتقطيع أوصال الوطن أحياناً أخرى. وقد بات جلياً دور جزء من وسائل الإعلام في تحريف الواقع بناء على خلفية كلّ وسيلة وسياستها، والى جانب وسائل الإعلام التقليدية هناك «الإعلام الرديف» أي وسائل التواصل التي أصبحت منبراً مفتوحاً لكلّ من يعتبر نفسه طرفاً في الأزمة وكلّ من يُسمّي نفسه «ثائراً» أو «ناشطاً».
وكثيراً ما يتسابق هؤلاء في بث الأخبار والنقل المباشر من زاوية واحدة ودون التأكد من المصدر أو السبب الأساس لأيّ فيديو مسرّب أو منشور، ويمكن لأيّ «بوست» إشعال فتيل المعركة خاصة حين ينادي بعض «الثوار» بضرورة الدعم في هذه الساحة او تلك بحجة التعرّض للهجوم من قبل «شبيحة» السلطة بحسب تعابيرهم ومفرداتهم.
التباين غيّب المطالب المحقة
في بداية الحراك كان الهدف الأساسي للناس الذين لجأوا إلى الشارع الحدّ من سياسة الافقار والتجويع والمطالبة بمحاسبة الفاسدين ولعلها كانت فرصة تاريخية للتغيير قبل أن يتمّ تحريف المسار وظهور التباين في الساحات ليتصدّر المطلب السياسي الواجهة ويتمّ التصويب على القوى الوطنية وتحميلها وزر كلّ الأخطاء المتراكمة منذ عقود مما حدا بمناصري هذه القوى الانكفاء تجنّباً للانقسام الذي يستحضره الشارع ودرءاً لأيّ فتنة محتملة.
اليوم وبعد كلّ معركة تشهدها الساحات، وما يلحق بها من قطع للطرقات وإرغام بعض المدارس على الإقفال لحث الطلاب على المشاركة في العصيان دون السؤال عن مستقبل جيل بأكمله جراء هذا التعطيل الغير مبرّر لعامهم الدراسي يبدو المشهد مفتوحاً على كافة الاحتمالات الفوضوية بحيث تمّ تغييب كلّ المطالب المحقة ولم يحصد اللبنانيون من تداعيات هذه الأزمة إلا المزيد من الهبوط لقيمة الليرة التي لم ولن تكون بخير، وفقدان للعديد من المواد الغذائية، وغلاء في الاسعار وبطالة متصاعدة.