لم يعد ممكناً طرح أسئلة على مَن يقف وراء الجماعات المنظمة التي يتم نقلها من شمال لبنان إلى العاصمة بيروت، والتي تكرّر مشهد استحضارها منذ بداية تراجع الزخم الشعبي للحراك قبل شهر وارتبطت ببعض الأسماء التي يجمع قادة الحراك على طرح علامات استفهام حول صدقية علاقتها بالحراك. وجاءت التسجيلات المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي للاجتماعات تعبوية يحضرها هؤلاء ويتحدث فيها رموز من المعارضة السورية المشغلة من تركيا ويربطون مشاركتهم بالحراك بمعارك سورية. وقطع الشك باليقين وظهر المموّل والمشغّل بالصوت والصورة والأعلام التركية وأكياس التموين والمساعدات أمام الحضور قبل التوجّه الى بيروت.
التحرك التركي بخلفيته التعبوية المتطرفة لصالح فكر الأخوان المسلمين يجب أن يثير ريبة قوى المقاومة وحلفائها، وهي تتعامل معه بصفته تأسيساً لبؤر تشكل خطراً على الاستقرار، لكن في السياسة لا شيء نهائي. فها هو الدور التركي في ليبيا ينتزع مكانته مستفيداً من تردد مصر في أخذ دورها، وفي الاستفادة من تراجع الحضور الأميركي لتقديم موقف قادر على محاكاة التعاون مع روسيا التي طالما دعت مصر لقيادة الحل في ليبيا، ولما ذهبت مصر إلى منتدى الغاز مع «إسرائيل» بوجه الأنبوب الروسي مع تركيا تقدّم الأتراك وحجزوا مقعداً لهم على المائدة الليبية على حساب مصر وبصورة تؤثر لاحقاً على الوضع الداخلي المصري.
التراجع التركي في سورية والاقتراب من خط الدولة السورية لمسافات جديدة والتعاون التركي الروسي والتركي الإيراني، في ظل موقف سعودي سلبي تجاه سورية وإيران على الأقل حتى الآن، يجعل الطريق مفتوحاً على فرضية تراجع الاستنفار لدى قوى المقاومة بوجه الدور التركي، خصوصاً إذا كان تصرف الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل كمستهدف رئيسي من الدور التركي على الطريقة المصرية والسعودية، وبقي يضع أولويته بمواجهة قوى المقاومة وحلفائه.
إذا أدرك الرئيس الحريري أنه يتعرّض وتياره لمخاطر جدية من الدور التركي وأن التهدئة والتعاون مع قوى المقاومة وحلفائها بمعزل عن الملف الحكومي يمكن أن يستبق تموضعاً مقبلاً يشتغل عليه الأتراك، ربما من الباب القطري مع الحكومة المقبلة وتظهر فيه تركيا وقطر كعاملَي مساعدة للبنان على تخطّي الوضع المالي الصعب.