سورية… بين الانتصارات السياسية والعسكرية والاقتصاد المرتبك
د. حسن مرهج
«حريٌّ بواشنطن الاعتراف بالهزيمة على يد القوات السورية، وحريٌّ بها أيضاً الاعتراف بالانكسار أمام الحرب التي شُنّت على سورية سياسياً واقتصادياً»، هذا الاقتباس لـ «روبرت كلايم» أحد أهمّ مُنظري السياسية الأميركية، وقد أدلى به أمام جمع من طلاب الأبحاث السياسية في جامعة ستانفورد الأميركية.
هذه البداية تُشرّع الدخول إلى عمق الحرب على سورية، وما شاب هذه الحرب من سياق سياسي وعسكري واقتصادي. إذ أنّ الحرب على سورية وبصرف النظر عن موقعها الجيوسياسي، إلا أنها تأتي في سياق الخطط الأميركي لخلق شرق أوسط جديد، يتناسب مع مُحدّدات الاستراتيجية الأميركية، خاصة أنّ المسؤولين الأميركيين يسعون إلى الشروع ببلورة خطط استراتيجية جديدة، تقتضي الابتعاد عن حالات الكباش السياسي والعسكري، والتركيز بشكل مطلق على عناوين الحرب الاقتصادية، والتي من البديهي أنّ هذه الحروب ومفرداتها، تلامس بشكل أساسي حياة الشعوب، وتأثر بشكل مباشر على نمط الحياة الاجتماعية، خاصة بُعيد الخروج من حرب عسكرية، إذ أنّ الربط بين هذه الحروب يُشكل بوابة للتركيز على ممارسة أقصى الضغوط، بُغية تقديم تنازلات جوهرية تمسّ سيادة الدولة.
التركيز الأميركي على الدولة السورية بصورة خاصة وعلى حلفائها بصورة عامة انطلق من خطتين:
الأولى: محاولة صُنّاع القرار السياسي في واشنطن نسخ التجربة الإيرانية في سورية، عبر اتباع نهج جديد يقوم على فرض الضغط الأقصى على دمشق بتطبيق 10 إجراءات سياسية وعسكرية واقتصادية، لدفع موسكو إلى ممارسة ضغوط على دمشق وتقديم تنازلات سيادية تتعلق بملفين هما: تحديد النفوذ الإيراني في سورية، وإجراء إصلاحات سياسية وفق القرار 2254 كافية لعودة اللاجئين وتحقيق الاستقرار في سورية. وعليه، فإنّ واشنطن باتت أكثر ميلاً إلى دفع دول أوروبية لتبنّي نهج الضغط الأقصى ضد دمشق وموسكو.
الثانية: دونالد ترامب يفهم لغة الاقتصاد من منظار آلته الحاسبة وأرقامها ومعادلاتها الحسابية، ويعتمد سياسة الضغط المالي، كـ وسيلة لتعديل السياسات العامة، وفي جانب آخر، يسعى ترامب عبر تعزيز خطوات الضغط الاقتصادي إلى خلق حالة من التململ والإحباط لدى الشعب السوري، فالخسائر الماليّة والبشريّة معاً، تؤدّي إلى خلق نوع من الضغط على السوريين، وخلق ظروف نفسية غير مرغوب فيها عند مُجمل أطياف المجتمع السوري، لدفعهم إلى الضغط على الدولة السورية، وتعزيز حالة الفوضى في الشارع، وبناء معادلة قوامها تبديل الأولويات لدى السوريين، وتغيير عقديتهم تجاه الدولة ومؤسّساتها.
تراتبية التطورات الاقتصادية الخانقة في سورية، بدأت عقب التطورات اللبنانية، كما أنّ إفشال مسار اللجنة الدستورية السورية، يدخل في صلب الخطة الأميركية تجاه سورية، فالحقيبة الأميركية مليئة بالأدوات التي تهندسها الإدارة الأميركية، بغية دفع الشعب السوري إلى مرحلة التصادم مع الدولة السورية ومؤسّساتها، فالبقاء العسكري الأميركي في شمال شرق سورية، وسيطرة الأميركيين على حقول النفط، يأتي في إطار منع السوريين من الاستفادة من هذه الموارد المهمة، كما أنّ بقاء واشنطن في تلك المنطقة، وتحديداً قرب الحدود العراقية السورية، بغية قطع طريق طهران – بغداد – دمشق – بيروت، ومنع الحكومة السورية من السيطرة على منابع النفط والثروات الاستراتيجية شرق الفرات.
وفي جانب آخر يأتي أيضاً ضمن الإجراءات الأميركية ضدّ الدولة السورية، فقد دأبت واشنطن على تقديم نصائح لدول عربية بعدم البدء في أيّ عملية تطبيع سياسي ودبلوماسي ثنائي أو جماعي مع دمشق وعدم المساهمة في الإعمار والمشاريع الاقتصادية، ودفع الدول الأوروبية إلى الحفاظ على وحدة موقفها القائم على ربط المساهمة في إعمار سورية بتحقيق تقدّم ذي صدقية في العملية السياسية، إضافة إلى عدم فتح سفارات أوروبية في دمشق.
لا شك بأنّ العقوبات الأميركية وتحديداً قانون قيصر، لها دور جوهري في معاناة السوريين، لكن أيضاً غياب السياسات الاقتصادية التي تأتي في سياق الحرب، إنما تُمثل عاملاً اساسياً في تفاقم الأزمة الاقتصادية في سورية، وازدياد معاناة السوريين، كما أنّ إجراءات مكافحة الفساد التي بدأت بها الحكومة السورية، لم تُستكمل لأسباب تظلّ حتى اللحظة مجهولة. كلّ هذه المعطيات زادت من معاناة السوريين الذين باتوا بأمسّ الحاجة إلى حلول سريعة وناجعة، تتماشى مع واقع الحرب والعقوبات الأميركية.
لكن نقول، بأنّ الدولة السورية التي صمدت وصمد شعبها في وجه أعتى الهجمات السياسية والعسكرية، لن تتمكّن الحرب الاقتصادية من كسرهم، كما أنّ الدولة السورية ومؤسّساتها، قد باشروا بإجراءات اقتصادية، ستسهم بلا ريب في ترميم الهوة الاقتصادية، بما ينعكس إيجاباً على حياة الشعب السوري.