السعودية تعلن الانفتاح على مشاريع الوساطات للحوار مع إيران… بعد انفتاحها على سورية دياب أول يوم حكومة: للسكن في السراي والتسلّم والتسليم سريعاً… واليوم دبلوماسيّ جنبلاط منفتح… والحريري ينتظر… والاتحاد الأوروبيّ يفتح الباب… والشغب يوم آخر
كتب المحرّر السياسيّ
إقليمياً تتواصل الإشارات السعودية الإيجابية نحو مسارات التهدئة، فبعد خطوة الانفتاح السعودية نحو سورية من بوابة نيويورك وحفل تسلم السعودية رئاسة مجموعة العشرين، ودعوة السفير السوري الدكتور بشار الجعفري للمشاركة في الحفل وملاقاته بحفاوة مميزة، تحدّث وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان آل سعود عن مشاريع وساطات عديدة تلقتها السعودية لفتح باب الحوار مع إيران، وقال إن حكومته منفتحة على هذا الحوار وهذه الوساطات، وإنها تتطلع لعدم دعم إيران لأجندتها الإقليميّة عبر العنف. وهو طلب قالت مصادر إعلامية إيرانية إنه من باب تحصيل الحاصل بالنسبة لإيران من حيث المبدأ، أما من حيث التفاصيل فربما ينظر السعوديون نظرة مختلفة عن إيران في توصيف وضع جماعات وطنية محلية في اليمن ولبنان والعراق وسواها كتعبير عما يصفونه بدعم إيران لأجندتها بالعنف، وهذا التباين لا يحلّ إلا بالحوار.
لبنانياً، رغم المشاهد القاسية التي عرفتها منطقة وسط المدينة أمس، بفعل أعمال الشغب المبرمجة تحت شعار الاحتجاج على الحكومة الجديدة، وما رافقها من مواجهات مع القوى الأمنية، التي بدت أشدّ عزماً وحزماً في تثبيت الخطوط الحمر، بعدما تثبتت من غياب التأييد الشعبي لأعمال التخريب التي تفاقمت بصورة فرضت على جماعات الحراك التي كانت تطلق نظريات العنف الثوري التبرؤ من هذه العمليات. وبعدما كشفت التفاصيل المعلوماتية أن المكوّن الرئيسي لجماعات التخريب يتشكل من جماعات تابعة بصورة رئيسية لتشكيلات المعارضة السورية المسلحة التي فشلت في سورية، وفي طليعتها جبهة النصرة، بالتعاون مع الجمعيات اللبنانية المموّلة دولياً تحت اسم مجتمع مدني لرعاية هذه الجماعات السورية المتطرفة، تحت شعار تأمين حاجات النازحين السوريين. وما بات من معلومات حول هذا الملف بالأسماء وأرقام الحسابات وتواريخ التحويلات والمشاركة بدورات تدريبية على الشغب لناشطين مدنيين، وجيوش إلكترونية على شبكات التواصل، تضمّ لبنانيين عملوا على دعم الجماعات السورية المسلحة خلال الحرب على سورية، توفر المعطيات اللازمة لملف قضائي أمني ينتظر عزل هذه الجماعات عن الحراك الشعبي من جهة وعن تيار المستقبل من جهة أخرى، بعدما انكشف أن التلطي وراء الفريقين يسيء إلى كل منهما، ويستعملهما قناعاً لنقل البلد إلى الفوضى، كما قالت مصادر أمنية على صلة بالملف.
(التتمة ص8)
اليوم الحكومي الأول لم يكن يوماً لمراقبة أعمال الشغب، التي لا زالت في عهدة القوى الأمنية قبل أن ترسم الحكومة الجديدة كيفية التعامل معها. فكان البارز حكومياً في اليوم الأول، قرار رئيس الحكومة حسان دياب نقل سكنه إلى السراي، تخفيفاً عن منطقة سكنه وجيرانه لأعباء الترتيبات الأمنية، وتثبيتاً لقراره بالعمل المتواصل، كما قالت مصادر السراي، التي قالت إن الرئيس دياب دعا فريقه لتحمّل ساعات العمل الطويلة التي سيطلبها منهم كما من نفسه ترجمة لما وصف به حكومته كحكومة إنقاذ، «فالإطفائي لا يترك موقع الحريق مع نهاية الدوام، بل عندما يتمكّن من السيطرة على الموقف». وقالت المصادر أن رئيس الحكومة طلب إلى الوزراء تسلّماً وتسليماً سريعاً في وزاراتهم، بعيداً عن الاحتفاليات، وحدّد يوم الجمعة موعداً لنهاية عمليات تسلّم الوزراء لوزاراتهم وبدء العمل، حيث البيان الوزاري الذي ستتقدم من خلاله الحكومة لنيل الثقة سيكون على الطاولة، ويجب إنجازه قبل نهاية مهلة الشهر المنصوص عليها في الدستور، بصورة تتيح لرئيس مجلس النواب تحديد موعد لجلسة الثقة بعد انتهاء مجلس النواب من مناقشة وإقرار الموازنة نهاية هذا الشهر، وتوقعت مصادر متابعة أن يشهد الأسبوع الثاني من شهر شباط المقبل مناقشة البيان الوزاري وموعداً لجلسة الثقة بالحكومة.
على الصعيد السياسي الداخلي والخارجي برز موقف كل من الاتحاد الأوروبي الذي رأى في تشكيل الحكومة خطوة أساسية على طريق إخراج لبنان من الأزمة العاصفة التي تهيمن على الوضع فيه منذ ثلاثة شهور، وموقف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الذي رحّب بولادة الحكومة الجديدة. وقد أمل الفريقان أن تتمكّن هذه الحكومة من إنجاز الإصلاحات الموعودة ليتمكن المجتمع الدولي من تقديم يد العون للبنان، وفي هذا السياق الخارجي سيكون اليوم يوماً دبلوماسياً مكثفاً للرئيس دياب بلقاءات تضم سفراء أغلب الدول الغربية الفاعلة، وفي طليعتها فرنسا وبريطانيا؛ بينما داخلياً لا زال موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط يشكل نقطة فاصلة في المشهد السياسي حول الحكومة، خصوصاً مع دعوته لمنح الحكومة الفرصة وما ينقل عنه من رفضه لدعوات تشكيل جبهة معارضة بوجه الحكومة، متسائلاً عما إذا كان الوضع يحتمل هذا العبث بينما البلد يواجه خطر الانهيار فوق رؤوس الجميع، وجاء كلام مصادر تيار المستقبل عن أجواء الرئيس سعد الحريري بالقول إنه في انتظار البيان الوزاري للحكومة ليبني موقفه منها، ليفتح باباً لتبريد جبهات سياسية يخشى أن تحيط الحكومة بالتوترات، في ظل إشارات يؤكدها قريبون من رئيس الحكومة، أنه ليس بوارد منافسة أحد على زعامة، وأنه لم يقبل مهمة الإنقاذ بخلفية مزاحمة على زعامة طائفته، بل إنه يسعى لتوسيع دائرة الإحاطة التي تحتاجها الحكومة للنجاح بمهمة الإنقاذ الصعبة، ويأمل أن يتم التعامل معه ومع الحكومة من هذا الموقع وعلى هذا الأساس.
واستمرّت المواجهات بين المتظاهرين والقوى الأمنية حتى منتصف ليل أمس، قبل أن تنجح قوى مكافحة الشغب والقوى الضاربة في قوى الأمن الداخلي بمؤازرة الجيش اللبناني الى حسم الموقف ومطاردة المشاغبين الى منطقة مار مخايل وإخلاء ساحة النجمة ووسط بيروت بشكل تام.
وعلى صعيد المواقف الدولية من الحكومة الجديدة، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن فرنسا ستفعل «كل شيء» لمساعدة لبنان على الخروج من «الأزمة العميقة» التي تعصف به.
وفي أول موقف أميركي من الحكومة، لفت وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن «واشنطن لن تقدّم مساعدات إلا لحكومة لبنانية غير فاسدة وتلتزم بإجراء إصلاحات وتستجيب لمطالب الشعب».
وأوضح بومبيو أنه «إذا تجاوبت الحكومة الحالية مع المطالب الحالية وهيّأت الوضع لتشكيل قادة جدد فإننا مستعدون للعمل معها ونريد التعاون مع هذا النوع من الحكومات في كل العالم»، مشيراً إلى أن «الاحتجاجات التي نراها في لبنان والعراق تطالب باحترام السيادة».
إلا أن الوزير الخارجية السابق عدنان منصور اعتبر في حديث لـ»البناء» أن «الكلام الفرنسي يجب أن يترجم بالإفراج عن اموال سيدر ودعم لبنان بما يطلبه ويحتاجه للخروج من أزمته المالية والاقتصادية وإلا سيبقى الكلام في إطار التمنيات والمجاملات»، محذراً من شروط ستواكب الدعم الدولي، وأبدى منصور استغرابه من الكلام الأميركي الصحافي عن ان الحكومة هي حكومة حزب الله، مشدداً في تعليقه على كلام بومبيو أن «الولايات المتحدة تدرك بأن الحكومة ليست لحزب الله بل تتخذ أميركا من مشاركته بوزيرين وحقيبتين متواضعتين ذريعة للضغط على الحكومة»، متوقعاً استمرار واشنطن بسياسة الضغط على لبنان عبر العقوبات المالية وتحريك الشارع لفرض الشروط المتعلّقة بملف النفط وإشراك «إسرائيل» باستثمار الثروة النفطية في البلوك 9 وإخراج لبنان من محور المقاومة وإبعاده عن مواجهة صفقة القرن وإلزامه بتوطين الفلسطينيين في لبنان والنأي بنفسه عن أزمات المنطقة، أي إبقاء النازحين في لبنان»، واستبعد منصور اتخاذ الحكومة قرارات تتعلق بالقضايا الاستراتيجية كالانفتاح الاقتصادي على سورية وحل أزمة النزوح أو استيراد أسلحة وكهرباء وصناعات من دول حليفة للبنان والمقاومة كإيران»، ورأى منصور أن «اللقاء السوري السعودي في الأمم المتحدة مؤشر سياسي على تغيرات في المنطقة وخطوة أولى يمكن البناء عليها على صعيد استعادة العلاقة بين سورية والسعودية ما ينعكس على المنطقة كلها ومنها لبنان، لكن الأمر يحتاج الى وقت».
وكشف وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة رمزي مشرفية عن اتصالات تلقاها من عدد من السفراء الأجانب وأبدوا استعدادهم لمساعدة لبنان.
على صعيد آخر، برز كلام وزير المال غازي وزني عن أزمة الدولار، وفي رده على سؤال حول إمكان عودة سعر صرف الدولار الى 1500 ليرة قال: «من المستحيل أن يحصل هذا الأمر، ولنكن واقعيين السوق الموازي مستمر في المرحلة المقبلة وضبطه يتوقف على عمل الحكومة وثقة الناس وعلى الدعم الخارجي». وقد انخفض سعر صرف الدولار الى 2000 ليرة، وتشير مصادر اقتصادية لـ»البناء» الى أن «الصيارفة عمدوا أمس الاول الى خفض سعر الدولار لديهم الى 2000 بالتزامن مع إعلان الحكومة لإدراكهم أن السعر سيتراجع بشكل تلقائي بعد التأليف، فهناك من أراد عدم منح الحكومة أي إنجاز في تخفيص سعر صرف الدولار»، وأشار الخبير المالي والاقتصادي زياد ناصر الدين الى أن عودة سعر صرف الدولار الى ما كان عليه قبل الازمة يحتاج الى وقت والى عودة الثقة الى المواطنين كما يتطلب إجراءات على الحكومة اتخاذها لكشف حالة المصارف لجهة ملاءتها وضبط جشع الصيارفة. وهذا يتحدد في اول اجتماع لمجلس الوزراء بعد نيله الثقة النيابية». وأوضح ناصر الدين أن «وزير المال قصد بكلامه أن سعر صرف الدولار لن يعود في الوقت الراهن ولا يعني ذلك تثبيت سعر الدولار على 2000 ليرة او ما يقاربه»، واكد أن انخفاض سعر الصرف يؤكد بأن «أسباب ارتفاعه ما فوق الـ2000 كانت سياسية وأمنية وتراجع ثقة المودعين»، واضاف: «من الإجراءات التي يجب أن تتخذها الحكومة لخفض سعر الدولار أكثر هو تخفيض الطلب عليه عبر منح المصارف ومصرف لبنان التسهيلات للشركات المستوردة ما يخفف الطلب على الدولار وبالتالي يخفف لعبة المضاربة».