قالت له
قالت له: عندما أتذكر أيام اشتعال الحب بيننا أتساءل كيف كنت تجد الوقت الذي لا تجده اليوم، لنلتقي ونتشارك اللحظات الجميلة، وكيف كنت توفق بين مقتضيات العمل ورغبتك بأن نكون معاً وأنت اليوم تخبرني أن الظروف هي التي تحول دون المزيد من الوقت لنا.
قال لها: أنت لا تختلفين عني، ولكنك تقتطفين من الحياة ما يدعم اتهامك الضمني، ورغم ذلك إليك جوابي بغير لغة ردّ الاتهام ولديّ الكثير ما أقوله عن انشغالاتك في تلك المرحلة من الاشتعال واعتذاراتك وأسبابك الأقل وجاهة، رغم تقبلي لها في حينها، لأنني كما كنت أقول، ولا أزال إن الحب يقوم على افتراض حسن النية وابتكار الأعذار للحبيب بخلاف ما تقولينه عن العلاقة المستديمة بين الحب والاتهام. وهي منطلقات التملك لا الحب ولا زلت أرى الغيرة تعبيراً عن التملك لا عن الحب.
قالت: وأين الجواب؟
قال: الوقت متاح دائماً وعقلنا هو مَن يقوم بإدارته، وفقاً لأولويات أنت ترينها في حالتي بمعيار يتيح توجيه الاتهام وهو الاهتمام، بينما هو في الواقع القلق. فعندما يكون القلق على الحب نستغرق وقتنا فيه، وندير الباقي بما فيه العمل بضمان حد أدنى هو عدم الوقوع بالفشل، وعندما حدث معك أن حضر قلق أحسست به على شؤون في حياتك غير الحب تفهّمت انشغالك رغم اهتمامي.
وهكذا كلنا نقلق على اشياء كثيرة تتدرج حسب الخوف الناتج عنها. فالقلق على مرض قريب يشغلنا، والقلق على مستقبل العمل، والقلق من وضع عام، وفي كل قلق نبقى نسعى حتى نطمئن. وفي الحب مشوار القلق هو بلوغ الاطمئنان، فيصير القلق عقلياً لا يقتطع وقتاً كما كان، لكن القلق على غير الحب يكون هو الأحوج للوقت، فلم لا تنظرين مثلي لقدرة الانشغال بالوقت على أشياء أخرى علامة اطمئنان للحب وليست دليلاً على تراجع الاهتمام به؟
قالت له: وكيف يكون الاهتمام من دون وقت؟
قال لها: بالقلق.
قالت: كيف؟
قال لها: عندما تشعرين بالحاجة لمن يقف معك في شأن كبر أم صغر، وعندما تقلقين لأمر، هل تجدينني أشاركك القلق والبحث بالحلول أم ترين انشغالي؟
قالت: أجدك حاضراً، لكن هذا لا يكفي.
قال: ألا تتذكرين كيف أن انشغالاتك في مراحل كثيرة لم تجد الوقت اللازم لنا.
قالت: لكنها انشغالات مشروعة وأنتَ من قال لي ذلك حينها.
قال لها: تأتي مشروعيتها عندي من كونها تسبب لك القلق وليس من ذاتها، فلم لا تأتي مشروعية انشغالاتي من كونها مصدر قلقي؟
قالت: أتعدني أن ليست إمرأة أخرى؟
قال: هذا ما ظننت وراء هذه المحاضرة.
قالت: لكنك لم تُجِب على أسئلتي الحاضرة.
قال: لأنني أريد تجنيبك مواصلة المخاطرة.
قالت: مراوغتك تعني أنك تعيش مغامرة.
قال: وإصرارك يشبه المقامرة.
قالت: اعترفْ ودعك من المكابرة.
قال: أنت وحدَك في البال والخاطرة.
قالت: ضمّني إذن ودع نفسك لي اليوم بلا مذاكرة.
قال: أعلن استسلامي أيتها الشاطرة.
ومضيا يتأبطها ويدها وراء خصره يضحكان.