ما الذي يريده اللبنانيون من الحكومة وماذا تستطيع؟
ناصر قنديل
– طلب المعجزات ومنها العودة بالوضع إلى ما كان عليه قبل انكشاف عمق الحالة المالية الصعبة التي يعيشها لبنان، سيكون من تمنيات أعياد الميلاد وطلب هدايا بابا نويل، غير قابل للتحقق كالعودة بالعمر إلى البدايات، وقد استهلك المرء صحته وأضاع ماله، ويريد فرصة جديدة من الصفر. ورفع السقوف السياسية للتغيير المنشود بالحديث عن الانتخابات المبكرة لن يختلف عن الحديث الذي سبقه بالدعوة لاستقالة حكومة ومجيء حكومة جديدة، إهدار لمزيد من الوقت والفرص، وسيكون مجرد توهم توقع إمكانية رؤية الفاسدين وراء القضبان بكبسة زر خارج إطار آليات قضائية وقانونية يحتاج البدء بها عملياً شهوراً من الوقت لتصدر القوانين وتشكل الهيئات ويبدأ التدقيق وتظهر الوثائق وتنطلق الاتهامات، وتبدأ المحاكمات، لذلك أمامنا حدود للتوقعات بين حدّين، حدّ انتظار تمويل يأتي بما كان موعوداً في حال تشكلت الحكومة فتخفّ وطأة الضغوط الراهنة والخانقة للأزمة، وحدّ ما يمكن أن تفعله الحكومة من تلقاء ذاتها وبالأدوات التي تمتلكها الدولة لمواجهة وضع بالغ الخطورة.
– المؤشرات الدولية والإقليمية تبدو بين نوعين، نوع إيجابي يعبر عنه الفرنسيون، والأمم المتحدة، لكنه رغم العواطف الحارة يتحدّث عن انتظار الإصلاحات، ونوع آخر تتقدّمه واشنطن واضح في العداء والشروط السياسية وعنوانها إقحام لبنان في المعركة التي تخوضها واشنطن في المنطقة مع محور المقاومة، واشتراط دعم أي حكومة بانضمامها للحلف الذي تقوده واشنطن وعنوانه الحرب على حزب الله. وهذا يعني أن على الحكومة في الحالين أن تعتمد على ما تستطيع فعله في لبنان، سواء لمحاكاة ما ينتظره الفرنسيون، أو لمواجهة ما يضمره الأميركيون، وعلى الحكومة والأوساط المالية وهي تفعل كل ما يلزم لحسن مخاطبة الخارج العربي والغربي، عدم الوقوع في الأوهام لجهة تلقي النتائج سريعاً، أو بصورة مرضية، والأهم عدم ربط خطط المواجهة للأزمة المالية بما سيكون عليه تجاوب هذا الخارج.
– الحكومة مدعوة قبل كل شيء لإخراج الأسواق من الفوضى والازدواج واللاقانون. فالذي يجري في الأسواق المالية وفي المصارف وعند الصرافين، كله خارج القانون، وإذا أفضت مناقشة الخبراء والمعنيين إلى القناعة بأن لا بد من إجراءات تحدّ من حرية السحوبات والتحويلات، فمن غير المقبول أن يتم ذلك دون قانون، وأن لا يتضمّن هذا القانون معايير للقيود التي ستفرض، وتوزيعاً عادلاً للأعباء بين المقتدرين ومعدومي القدرة، وأن يضع هذا القانون حداً للمعايير المزدوجة القائمة، سواء في حقوق السحب والتحويل بين مصرف وآخر، أو بين مودع وآخر، أو بين المصارف والصراف، كما يجب أن يوضح القانون آلية ضمان حقوق المودعين وودائعهم، ولدى الدولة كصاحب دين أول، أحالت إليه المصارف ودائع اللبنانيين كديون، أملاك ومؤسسات منتجة تستطيع ابتكار الآليات القانونية لتقديمها ضمانات للودائع التي صارت ديوناً، أو أسهماً في شركات تستبدل بها الديون، كما لدى المصارف موجودات وممتلكات عقارية تشكل أصولاً قابلة لاستبدال مماثل أو ضمان مشابه، وكل ذلك ينقصه إطار ينظمه القانون.
– خلال الشهر الأول من عمر الحكومة الجديدة، البيان الوزاري ليس شغلاً لشهر كامل ينخرط فيه مجلس الوزراء، بل هو مدة كافية لإعداد مجموعة من مشاريع القوانين، والدفع بها فور نيل الثقة إلى مجلس النواب، تتناول تنظيم الأوضاع المالية، وتليها في شهر ثانٍ مجموعة موازية لمكافحة الفساد وضمان السلطة القضائية المستقلة، وتتم الشهر الثالث بمجموعة ثالثة لقانون للانتخابات النيابية خارج القيد الطائفي وقانون للأحزاب يضمن طابعها العابر للطوائف وقوانين اللامركزية وسواها من الاستحقاقات القانونية المؤجلة منذ اتفاق الطائف.
– في استطلاع للرأي أجريه على حسابي في تويتر يشارك فيه المئات، وتأتي نتائجه معبّرة عن توازن منطقي في كتل الرأي العام، سبق وكانت نتيجته الدعوة لحكومة من 20 وزيراً كتسوية بين رئيس الحكومة ومكونات الغالبية، وسبق وأن كانت نتيجته تشجيع رئيس الحكومة على عدم الاعتذار في ذروة التأزم الذي سبق ولادة الحكومة، جاءت النتيجة أمس، تشجيعاً للحكومة على إعلان كشف تفصيلي كل ثلاثة شهور بأموال وممتلكات رئيسها ووزرائها، وإعلان رفع الحصانات عن الوزراء وموظفيهم في أي مساءلة قضائية، حيث قال 90% من المشاركين إن ذلك سيكون مؤشراً للنيات الإصلاحية وبداية موفقة لعودة الثقة.