حراك خلف الستار… إلى أين؟
فاديا مطر
في حراك من بعض الأطراف السياسية تحت مسمّى «العائلة السورية» تتجه بعض القوى السياسية إلى حوار استثنائي مع الميليشيات الكردية في الشمال الشرقي لسورية، تاركة وراءها الكثير من الأسئلة المبهمة ومنها:
ـ دور هذه القوى والميليشيات الكردية منذ بداية الحرب على سورية في منطقة هامة واستراتيجية في الوضع الاقتصادي والجيوسياسي تحت تداخل لسنوات مع الولايات المتحدة الأميركية ومنظماتها الإرهابية والدور التركي المساند في مرحلة سابقة لوضع «حكم ذاتي» وبعدها سياسة التتريك الديمغرافي، فالفرق السياسية التي تسعى إلى لمّ شمل ما يسمّونه حوارا كردياً مع الدولة السورية يقف أمام استفهامات عظمى بالنسبة للمرحلة التي تقترب فيها الدولة السورية من تحرير كامل أراضيها التي احتلها الإرهاب الدولي، والتي خسرت فيها القوى الكردية مع ميليشياتها الجغرافيا والنفوذ العسكري والسياسي، فما مصير ذلك الحراك من قوى باتت تسدل الستار في مشاوراتها على الكثير من الخيانة والعمالة والدم والتخريب الاقتصادي! وهل ذلك الحراك بشكله السياسي يلغي ما استمرّ ما يقارب عقداً من الزمن تحت مطالبات بجرّ الجيوش المعادية والاستدعاء الخارجي لضرب الدولة السورية ومرتكزاتها السياسة والعسكرية والاقتصادية والشعبية ليكون «ضبط النفس» سيد المرحلة التي تقودها بعض الأطراف السياسية تحت مسمّى «لمّ الشمل؟ وما مصير مشابهات ذلك الحراك في هذا الوقت من بداية خسارة المشروع المعادي وقرار الدولة السورية في تحرير إدلب وباقي المناطق؟
فميليشيات «قسد» التي أوكلت سابقاً رجل الإعمال «الإسرائيلي» موتي كاهانا رئيس جمعية «عماليا» في ١٧ حزيران عام ٢٠١٩ بالتنقيب عن النفط في شرق سورية هو هدف كان للولوج أكثر تحت المظلة الأميركية التي تتظلّل بها «قسد» حتى الآن، وهي من مرتكزات العمل الميليشياوي الكردي في منطق السلخ عن الدولة السورية، وترسيخ ما يسمّى «الحكم الذاتي» ليكون برنامجها معروف المصدر والمآل، خصوصاً بعد تصريح قائد قوة العمليات المشتركة في ما يسمّى التحالف الدولي إيرك هيل بتاريخ ١٥ كانون الثاني ٢٠١٩ أنّ الشراكة مع «قسد» هي لمحاربة تنظيم داعش والتي ما تزال تحتفظ «قسد» بخلايا منه بعد عقد قيادات من تنظيم «قسد» في ٦ تموز الماضي بحضور أميركي وأوروبي في ما يسمّى مركز «روجافا» للدراسات الاستراتيجية على مدى ثلاثة أيام في بلدة «عامودا» بعد هزيمة التنظيم في ٢٣ آذار الماضي في شرق دير الزور في الباغوز، والتي ادّعت بعدها ميليشيات «قسد» أنها قضت على أغلب قوة التنظيم ليتبيّن بعدها أنّ الطائرات الأميركية نقلت قيادات من داعش الى العراق ومناطق جنوب شرق سورية في قاعدة التنف المحتلة، وكانت بعض المصادر الصحافية الأوروبية قد صرّحت في ١٠ كانون الأول الماضي انّ الطائرات الأميركية تنقل قيادات وعناصر لتنظيم داعش في مناطق تنظيم «قسد» إلى جيوب آمنة في العراق وهو ما صرّحت به قيادات من الحشد الشعبي العراقي في ٢٢ كانون الثاني الحالي بأنّ الطائرات الأميركية لا تخضع للتفتيش في الأجواء العراقية وهي تنقل عناصر من داعش في مناطق سيطرة تنظيم «قسد» الى العراق، فالسعي الكردي القديم والحالي لا يزال يرتكز على التعامل مع الولايات المتحدة الأميركية كشريك استراتيجي يبقي على احتلاله لحقول النفط السورية، والتي كانت تنظيمات «قسد» قد سيطرت على أغلبها في مناطق حيوية وأعلنت سيطرتها عليها كقيادة مستقلة، فما كان قد صرّح به ما يسمّى قائد قوات «قسد» مظلوم العبدي لمحطة «أن بي سي نيوز» الأميركية في ٩ تشرين الأول الماضي قبيل الاعتداء التركي في شمال سورية عن رغبته في مفاوضات مع دمشق تقيهم العملية التركية بعد تخلي واشنطن عن تنظيم «قسد» كحليف استراتيجي وعدم التدخل في ردع العدوان التركي على الأرض السورية كانت أوراق منسّقة سياسياً مع حلفاء تنظيم «قسد»، فعن أيّ شراكات تتحدّث تلك المبادرات السياسية الحزبية التي تقودها بعض قيادات الأحزاب في مناطق سيطرة تنظيم «قسد»؟ وما الغاية من طي صفحة الماضي الدموية في قلب معادلة تواجد تنظيم قسد كقوة احتلال مرتبطة بمنطق أجندة واشنطن؟ وهل الاعلان عن رغبة روسية – سورية في تلك المفاوضات يمحو ما تعثر من تعويم تنظيم «قسد» لشراكاته المشبوهة منذ عام ٢٠١٢؟
هي محاولات يعتقد الكثيرون أنها تهدف لتمييع ملفات شائكة ومؤلمة عاشها واقع المنطقة الشرقية والتواجد الأميركي – الكردي فيها كقوة محتلة حملت بداخلها خيانات عظمى وصلت الى حدّ يعتقد الكثيرون من المراقبين أنّ تمريرها من قبل قيادات حزبية «سورية مستقلة» قد تشعل ملفات مستقرة بالوضع الحالي الذي ينتظر تحرير إدلب من الحضور الإرهابي المدعوم تركياً بعد طلب الرئيس التركي رجب أردوغان من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش مؤتمر برلين في ٢٠ كانون الثاني الحالي وقف تقدّم الجيش السوري في ما سمّاه مناطق «تخفيض التصعيد» في حضور تركي كثيف شمل وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ووزير الدفاع خلوصي آكار ورئيس جهاز المخابرات هاكان فيدان وغيرهم من قيادات النظام التركي لوقف مسيرة تحرير دمشق لكلّ الأرض السورية، فالنقل التركي لمجموعات إرهابية الى ليبيا من مناطق إدلب يشبه ما نقلته واشنطن من مناطق سيطرة تنظيم «قسد» في الشمال الشرقي لسورية ومحاولات تدوير الإرهاب في مناطق تعتبرها واشنطن قيد التغيّر المرتقب في الأجندة الجيوسياسية التي تعتمدها في المنطقة كما تفعل تركيا، فهل ما سينتج عن المفاوضات الحزبية «المستقلة» مع تنظيم قسد سيكون كافياً لسير عودة الدولة السورية الى مناطق الشمال والشرق السوري بدون عمليات حربية؟ أم انه عودة إلى تخلّ إميركي جديد عن تنظيم «قسد» تحاول فيه تنظيمات «قسد» إبعاد نفسها عن نار قد تشتعل بعد إدلب؟ وتكون فيها الخاسر الأول «قسد» ومن لفّ لفها؟ فالمراحل القادمة من بعد إدلب ستكون المقرّر والعبرة الأقوى لكلّ من حمل بأيديه حقيبة أميركية.