ما هي مقوّمات دولة «عادل الجبير» «الطبيعيّة»؟
} د. وفيق إبراهيم
زعم وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير أن مملكة بلاده لن تعيد علاقاتها مع إيران إلا بعد ان تصبح دولة «طبيعية».
مناسبة هذا الكلام، جاءت رداً على اسئلة صحافية حول تقارب وشيك بين السعودية وإيران، جزم فيها الوزير أن بلاده تريد هذا التقارب الذي وصفه بالضروري لاستقرار المنطقة، عارضاً لمقوّمات يجب حذفها قبل عودة العلاقات بين البلدين الى الإطار السوي.
ما هي هذه المقوّمات حسب إبن الجبير؟
يقول وزير الدولة إن الجمهورية الإسلامية تلعب دوراً كبيراً في دعم الإرهاب في سورية ولبنان والعراق.
وللمرة الاولى يُحذفُ اليمن من دائرة اتهاماته لإيران بدعم الإرهاب فيها.
لذلك اقتصرت اتهاماته على حزب الله في العراق وما أسماه نظام بشار الأسد في سورية والحشد الشعبي في العراق، معتبراً أن هذه المؤسسات ليست إلا آليات إيرانية لنشر الإرهاب في الشرق الاوسط.
فالدولة «الطبيعيّة» بالنسبة اليه هي التي لا تدعم حزب الله والحشد الشعبي والدولة السورية، لجهة الحزب فهو غارق في «الإرهابية» بالتوصيف السعودي لأنه ضرب الإرهاب الداعشي والقاعدي وجبهة النصرة وهيئة تحرير الشام في سورية وجبال لبنان الشرقيّة، وانتصر على «اسرائيل» مرتين في الألفين والـ2006 متموضعاً قبالتها في حدود لبنان الجنوبية وجبهة الجولان.
أليس هذا سبباً واضحاً لتصنيفه إرهابياً لأنه يقاتل «اسرائيل» الصديقة الحميمة لآل سعود والإرهاب ذي النشأة الوهابية القاعدية؟ هذه اذاً أسباب كافية لعدم «طبيعية» جمهورية إيران الإسلامية التي تدعم حزب الله بالمال والسلاح والتدريب.
هذا ما جعل حزب الله قدوة في «الجهادية» في معظم الإقليم، ما يستتبع بالتالي غضباً سعودياً إضافياً على دولة إيران غير «الطبيعية» حسب إبداعات الجبير الإنشائية.
على مستوى الحشد الشعبي فهو «طامة كبرى» للسعودية لأسباب عدة يأتي في مطلعها تمكنه من هزيمة الإرهاب الذي انتشر من أقاصي كردستان قرب الحدود التركية الى مناطق الأنبار حتى حدودها مع السعودية، وصولاً الى مشارف بغداد وبعض أنحاء الجنوب.
هناك سبب كاد يصيب السعودية بالإغماء لولا الإبداعات الاميركية والطائفية في فنون التحشيد المذهبي وابتكار فتن أهلية بين الشيعة والسنة والعرب والكرد والأيزيديين والمسيحيين والتركمان ويتعلق بإمكانية وصول الحشد الشعبي الى حدودها من جهة الأنبار، لذلك يتهم الجبير إيران بالسيطرة على العراق من خلال هيمنتها على الحشد الشعبي، كما يقول، متناسياً انتصارات هذا الحشد على الإرهاب بفتوى المرجعية الدينية العليا في العراق، وهي مؤسسة إفتاء عراقية صرفة، لها مرتكزات إقليمية تواكب الانتشار الشيعي في بلدان المنطقة، حتى أن المعروف عنها عالمياً هو اعتدالها وابتعادها عن أساليب التحشيد المذهبي وذلك على قاعدة تعاطيها مع الاستقرار العراقي عموماً وليس الشيعي فقط.
الأمر الذي يثير سخط السعوديين رافعاً من مستوى حنقهم الى الدرجات القصوى، لكنهم سرعان ما أعربوا عن بهجتهم لاغتيال الأميركيين قائدين كبيرين مجاهدين قرب مطار بغداد هما أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني، مؤكدين على إرهابية هذين المجاهدين، ربما لأنهما قاتلا الإرهاب والعدو الإسرائيلي والنفوذ الأميركي في المنطقة، فكل من يتجرؤ على هذه الأعمال هو إرهابي تدعمه دولة غير طبيعية هي إيران.
هذا الأمر ينطبق برأي عادل الجبير على الدولة السورية التي يصفها بالإرهابية لتحالفها مع إيران وحزب الله وانتصارها على إرهاب عالمي مدعوم من الأميركيين والأتراك والخليج بجناحيه السعودي – الإماراتي والقطري.
قد لا يكون للجبير اعتراض على قتال السوريين للاتراك، لكنهم لا يقبلون أبداً بالمساس حتى بشعرة واحدة من ذقن أي إرهابي داعشي او من النصرة وهيئة تحرير الشام ولا يقبل بأي اعتراض في وجه الأميركيين الذين تدرّب على أيديهم عندما كان سفيراً للسعودية في واشنطن.
هذه هي الأسباب التي تفرض على الوزير السعودي للشؤون الخارجية التشكيك بدول وأحزاب تحارب الإرهاب والنفوذ الاميركي، وتملي عليه إصدار شروط لإيران كي تقبل السعودية بالتقارب معها.
هنا يبدو مكر الجبير، الذي يعرف ان الجديد في السياسة السعودية لجهة قبولها بتقارب مع كل من سورية وإيران، انما هو انعكاس لفشل المشروع الأميركي وتراجعه في الإقليم، ما يتطلب من آل سعود البحث عن حمايات إضافية لمملكتهم الضعيفة بآليات المقاومة، فجيشها ضعيف في ضوء ما نتج عن عدوانه على اليمن، والانقسامات في أجنحة العائلة المالكية كبيرة، ومجلس التعاون الخليجي ليس إلا واجهة من زجاج.
كذلك حال مجلس التعاون الإسلامي وتحالف الملاحة في الخليج وحلف البحر الأحمر ومنتدى الغاز في البحر المتوسط.
كما أن الجامعة العربية التي تسيطر عليها السعودية ليست أكثر من منظمة ضعيفة مصابة بالإعياء والوهن والشيخوخة.
هذه هي الأسباب التي تجبر السعودية على إحداث مصالحات مع إيران وسورية، لكنها ومن موقع الحرص على هيبتها يطلق الجبير شروطاً يعرف أنها غير قابلة للتطبيق خصوصاً أنها تشكل مرتكزات القوة في حلف مقاومة نجح في إرغام الأميركيين على التراجع، فكيف يكون الأمر مع سعودية لا تنفك تتراجع؟
عودوا الى الحشود المليونيّة في العراق التي تسببت في ارتفاع حرارة آل سعود، وتدفعهم للبحث عن مصلحين يرضون بالسعي لحماية آل سعود بالحفاظ على مملكة ذاهبة الى انفجار تحت وطأة داخلها الغاضب منها والخارج المنتصر عليها.