لن تستطيع الحكومة الجديدة استجلاب الأموال سريعاً لضخّها في شرايين الاقتصاد وردم الفجوة بين الحاجات للعملات الصعبة في الأسواق وما هو متاح ومتوفر، ولن يكون سهلاً أن تظهر الحكومة الجديدة قدرتها على تحريك الخدمات الرئيسية التي خرج اللبنانيون طلباً لها في مجالات الكهرباء والصحة سريعاً، خصوصاً مع شح الموارد.
سيكون الإصلاح السياسي الذي يشكل أساس كل عملية إصلاحية هو الامتحان الحقيقي للحكومة الجديدة داخلياً. وهو مصدر صناعة سمعتها المستقلة عن الحكومات السابقة، وحتى عن القوى التي تشكلت منها وبرعايتها الحكومة. وللإصلاح السياسي عنوان أول هو إعادة تكوين السلطة السياسية وفقاً لقانون انتخابات نيابية جديد يعتمد الدائرة الواحدة والتمثيل النسبي خارج القيد الطائفي، وهو ما نادت به تظاهرات 17 تشرين الأول التي تعتبرها الحكومة مرجع ولادتها، وحتى لو لم تكن الفرص متاحة لحديث عن انتخابات مبكرة فإن إقرار مشروع القانون في الحكومة وإرساله لمجلس النواب سيشكل وحده إنجازاً كبيراً في ترجمة المسار الذي رسم لاتفاق الطائف وتم تعطيله، وهو ما تقوله المادة 22 من الدستور بقيام مجلس نيابي خارج القيد الطائفي وإنشاء مجلس للشيوخ.
الخطوة التي لا تقل قيمة وتشكل جواباً راهناً على كل ما له علاقة بزواج السلطة السياسية مع الفساد، هو تشريع استقلال القضاء بصورة لا مجال لتلاعب فيها. ففي القضاء المستقل وحده يمكن الرهان على مكافحة مستديمة للفساد، ومعه فقط وبهدم كل جدران الحصانات التي يقيمها القانون لتعطيل مساءلة الوزراء والنواب والمدراء، يمكن انتظار مسار جديد لمكافحة الفساد وإعادة المال المنهوب.
البيان الوزاري المنتظر للحكومة الجديدة سيكون معيار الحكم له أو عليه هو تضمينه هذه الالتزامات وليس الشق المالي، رغم أهميته، كما يفترض الكثيرون.