الفنّانة التشكيليّة خلود حسين لـ«البناء»: لوحاتي هي نفسي وريشتي صديقتي منذ طفولتي بعض النقاد يحملون أطناناً من الطاقة السلبية ليسجنوا الآخرين في أقفاص الخيبة
«الشام رسمَها الله منذ قِدم التاريخ ونحن مجرّد مصوِّرين في حضرتها»
حاورتها ـ عبير حمدان
تتخطّى الفنانة التشكيلية خلود حسين حدود الحلم، حيث تنغمس في عمق اللون بخطوط فيها الكثير من الشغف والتأمّل اللذين يعبّدان لها درب الاحتراف، رغم أنها لم تزل في بداية طريقها الواعد بالكثير، تلك التفاصيل البسيطة تضاعف مفهوم الجمال في اللوحة، ولكل عين رؤيتها الخاصة، ذلك لأن الريشة لا تفسِّر ذاتها بل تترك للمتلقي مداه في التأويل.
خلود حسين تعتبر أن الريشة صديقتها وجزءاً من أحلامها ولا تُخفي ثقتها المطلقة بمقدرتها على تطويع هذه الأحلام وترجمتها واقعاً، وبأن لوحاتِها جزء من روحها إن لم تكن وليدة نبضها وأنفاسها. وترى أن الموهبة ضرورة حتميّة، ولكن يجب صقلها بالدراسة كي يخرج العمل الفني بشكل متقن وقويّ، مشيرة إلى أنها تحترم رأي الناقد عندما يكون صوتاً للحقيقة.
تجزم خلود حسين أن الشام ورغم سنوات الحرب لم تزل تتفوّق على أيّ لوحة يمكن لأعظم الفنانين رسمها، مؤكدة أنها تجد فيها الخير والجمال الذي ستوثّقه في لوحات مقبلة.
الأسلوب وإيصال الفكرة
بداية الحوار مع خلود حسين هو الأسلوب الذي يشكّل هوية كل فنان وعلاقته بالريشة، وحول ذلك قالت: «أسلوبي هو الأسلوب الواقعيّ وفيه توصيف الحالة والأحداث وإيصال الفكرة المعنى من دون كلمات. أما علاقتي بالريشة فهي كعلاقة الكاتب بقلمه والشمس بالشتاء الذي لا يستغني عنها. الريشة هي اليد والرأس والقلب، فهي صديقتي منذ نعومة أظفاري، هي جزء من أهم أحلامي التي كنت متأكدة أنني سأحقّقها، أما علاقتي بالألوان فقد نسجتها في ذاكرتي منذ أول رؤية لقوس قزح في حياتي وقفت يومها مندهشة وسألت نفسي هل سأستطيع يوماً خلق اللون واللوحات كما أراها أمامي»؟.
بين الذات واللوحة وبين الموهبة والدراسة
وعن مدى الشبه بينها وبين لوحاتها تقول: «لوحاتي هي نفسي. هي جزء من روحي أصبّه على الورق لتزدان هذه النفس والروح بلون من الواقع».
أما في ما يتصل بالموهبة وارتباطها بالدراسة، فتقول حسين: «الموهبة لغة استثنائية تتيح للفرد التعبير عن ذاته كترجمة للأحاسيس والمشاعر ولا شكّ في أنّها بحاجة لصقل بالدراسة الأكاديمية لأنه لا يمكن إخراج عمل فنيّ من دون قواعد ثابتة وسليمة ليكون العمل متقن قوياً».
وعن مراحل دراستها تقول: «لقد درستُ على يد الفنان عدنان حميدة وهو من أبرز الفنانين، مع العلم أني بدأت بالرسم منذ الصغر، واخترتُ الالتحاق بكلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق كي أصقل موهبتي بإطار أكاديمي، وقد تمسّكت بما كان يقوله لي أستاذي، وتعلّقت بالمدرسة الواقعية التي أعتبرها أم المدارس ومنها يبدأ الفنان ليجد نفسه يدرسها بنسبها وبمنظورها وبضوئها وظلّها ويستطيع أن يأخذ لنفسه خطاً ويخطّ منهجَه ليسير عليه ويدخل الى مدارس جديدة مثل السوريالية والانطباعية والتجريدية، وقد دخلت الجامعة كهاوية ومتمكّنة عند الاختبار».
وتلفت حسين إلى أنها شاركت في معارض عدة، لكنها تتوق الى معرض خاص بها يضمّ لوحاتها. وهذا ما تعمل عليه مشيرة إلى أن رحلتها لم تزل في بداياتها.
التعاطي مع النقد ودور الإعلام
نسألها عن النقد وكيفية تعاطيها مع النقاد، فتجيب: «أنا مع النقد الإيجابي الذي هو عملية إصلاح بلطف بالغ. صحيح أن عملية النقد هي أساساً عملية أو طاقة سلبيّة ببدايتها إلا أنها تتحوّل لطاقة إيجابية في حال تفهّمها وتقبّلها. أحترم رأي الناقد عندما يكون صوتاً للحقيقة، ولكن هناك بعض مَن يعتقدون أنفسهم نقاداً يحملون أطناناً من الطاقة السلبيّة التي تُحبط الفنان وتأسره في أقفاص الخيبة، أنا أرفض هذا النقد ولا أستطيع أن أقرأ له».
من جهة ثانية لا تُنكر حسين الانتشار الذي يؤمنه الإعلام للفنان، ولكن مع بعض الاستثناءات، فتقول: «الإعلام مساعد، ولكنه لا يقدّم ولا يؤخّر في ظل غياب الموهبة، قد يؤمن الانتشار والتوسّع لكن هناك مواهب مغمورة لا تظهر للعلن إلا أن عين المتابع ترى الجمال وتكشفه في النهاية، أما في ما يتصل بوسائل التواصل الاجتماعي فهي ساهمت في الانتشار الواسع والسريع للكثيرين، ولكنّها سلاح ذو حدين، حيث إنّها تقدّم السيئ والجيد في آن، وبالتالي فقد تساوي بين الفن الهابط والفن الراقي لجهة الانتشار».
الشام تنهض دائماً
في الختام تتحدّث حسين عن الشام التي تغلّبت على الحرب لأنها موطن الجمال، لتقول: «أنا لا أرسم الشام، الشام رسمها الله منذ قِدم التاريخ وأكمل رسمها الطيبون والخيّرون الجبّارون من جنود هذا البلد ببنادقهم وأرواحهم. أنا فقط أوثّق هذا الجمال الرائع للشام، هي التي لا يستطيع أحد صنعها. نحن مجرد مصوّرين في حضرتها، الحرب لم تُفقد الشام أياً من جمالها. وفي كل مرة كانت تمرّ بدمشق ظروف صعبة وحروب وكانت تنهض من جديد بفعل سواعد أهلها. وهذا على مدى التاريخ القديم إلى الجديد.
لم أتناول الشام برسومي فأنا لا أحبّ أن أراها بصورتها المتعبة، أنا لا أجد فيها إلا الخير والجمال لذا سأوثق هذا الجمال بلوحات مقبلة. وهنا يحضرني قول الشاعر محمد مهدي الجواهري «دمشق صبراً على البلوى فكم صُهِرَتْ سبائكُ الذهب الغالي فما أحترقَ».