لبنان بين جلسة كسب الثقة وفوضى الشارع…!
} ليليان العنان
ثلاثة أشهر على الاحتجاجات المطلبية ولم يحدّد بعد هذا الحراك هويته الحقيقية ولا حتى المسار الصحيح الذي يجب أن يسلكه سوى بعض الحركات الصحيحة التي ترجمت بالاعتراض على السياسات المالية المعتمدة من قبل المصارف والتي يتبعها مصرف لبنان من جهة، وبعض المطالب المعيشية المحقة التي تهمّ المواطن على مختلف الأصعدة الإجتماعية والإقتصادية، وحول الملف الحكومي الذي أثمر حكومة لختصاصيين برئاسة الدكتور حسان دياب.
فيما البعض الآخر مِمّن تسلّقوا الحراك منذ بداياته وحتى الآن لا يزالون يعتمدون في أسلوبهم على الفوضى الممنهجة في التعبير وفق معايير سياسية معروفة الأهداف مسبقاً، حتى باتت وجهة الحراك موجهة سياسياً إلى نواح ستؤدّي بلبنان نحو الإضطراب الأمني.
فما جرى ويجري أمام المجلس النيابي والسراي الحكومية بين الحين والآخر وعند ساحتي الشهداء ورياض الصلح وصولاً إلى نقطة الصيفي… أشبه بساحة حرب حيث يتحوّل الحدث من تظاهرة للمطالبة بالحقوق المعيشية إلى أعمال شغب وتكسير وتحطيم وحرق لخيم الاعتصام والتعدّي على القوى الأمنية عبر رشقهم بالحجارة والعصيّ.
فهل أنّ ترجمة ما يسمّى بـ «الثورة» تتمّ على هذا النحو؟ وهل أنّ التعدّي على الممتلكات العامة ومهاجمة القوى الأمنية وتحطيم مظهر المدينة هو الثورة التي سينتج عنها تغيير في سياسات الدولة تجاه المواطن؟
فصحيح أنّ مفهوم «الثورة» كمصطلح سياسي هو وسيلة لتغيير الأوضاع والبنى السياسية والإجتماعية والإقتصادية، إلاّ أنّ ذلك يجب أن لا يمسّ بمؤسّسات الدولة وكادرها في مختلف المجالات، وأن لا يؤدّي هذا التغيير إلى إنهاء العمل بالتشريعات بطريقة فوضوية خاصة تلك التي لها علاقة بالحياة العامة.
ولكن ما نشهده اليوم في بعض الساحات لا ينطبق بتاتاً على المفهوم الذي أوضحناه، إذ أنّ حالات الشغب التي تحصل والتعدّي على القوى الأمنية وعمليات الهرج والمرج في بعض المناطق هي ليست بهدف التغيير ولا بهدف الإعتراض على الواقع الذي نعيشه، بل إنها معروفة النوايا التي من شأنها أن تدخل البلد في المحظور والفلتان الأمني.
فالثورة على الفساد التي يطلقها البعض مختلفة تماماً عن الفوضى التي تحصل في الساحات، والتعدّي على القوى الأمنية والتكسير الذي حصل والباصات التي تأتي من الشمال بموعد محدّد وترحل بعد انتهاء المهام… تؤكد أنّ هناك من يرسل هؤلاء لزعزعة الأوضاع الأمنية وخلق حاجز خلاف ما بين الشعب والقوى الأمنية، إذ بات يندرج ذلك تحت مسمّى “الفوضى الخلاقة” التي أراد من خلالها البعض تحقيق مكاسب سياسية على صعيد الدور الحكومي سواء من أولئك الذين أفقدتهم 17 تشرين الأول دورهم التنفيذي، أو من أولئك الذين أبعدوا عن السلطة السياسية ويمتلكون في ذاتهم التفكير الداعشي المعتمد على نشر الفوضى.
وخير دليل على ذلك هو مقاطعة القوى السياسية التي لم تسمّ د. حسان دياب لرئاسة الحكومة جلسة مجلس النواب الخاصة بإقرار موازنة العام 2020 والتي سبق أن أعدّتها حكومة الرئيس سعد الحريري قبيل استقالتها، بحيث امتنع كلّ من كتلة القوات اللبنانية والكتائب عن حضور الجلسة والتصويت على مقرراتها وهم أبرز من أيّدوا حراك الشارع عبر محاولاتهم المدروسة لشدّ حبال الحراك نحو مصالحم السياسية، وسيمارسون المنطق ذاته خلال جلسة إعطاء الثقة للحكومة بإعتبار أنّ حكومة الرئيس دياب لا تمثل طموحاتهم وأنها أتت من لون سياسي واحد، مع العلم أنّ من سمّوا دياب تشكيل الحكومة كانوا يريدونها حكومة جامعة لكافة الأطياف السياسية والطائفية وحتى جماعات الحراك المدني.
فيما تيار المستقبل وفي اللحظات الأخيرة عاود وشارك في جلسة إقرار الموازنة التي حصلت بتأمين النصاب عبر النصف زائد واحد (٦٥ نائباً)، ولكن من دون التصويت على بنود هم وضعوها وكأنهم يحمّلون المسؤولية في إقرار الموازنة لفريق ٨ آذار المتمثل بحزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر وبعض القوى الحليفة لهم، وبالتالي فهم أيضاً لن يعطوا الثقة لحكومة الرئيس حسان دياب.
وكأننا اليوم نعود بالذاكرة أربعة عشر عاماً إلى الوراء من خلال إعادة إحياء الوضع السياسي الذي حصل عقب إغتيال الرئيس رفيق الحريري وإعادة الإنقسام من جديد عبر تكريس مفهوم قوى 14 آذار بمواجهة قوى 8 آذار، فهناك فريق يريد العمل والتعاون فيما الآخر يتخلى عن مسؤولياته التي قام بها على مدى سنين من فساد ومحسوبيات ومناقصات وغيرها الكثير من الأمور. فحكومة الرئيس حسان دياب التي تضمّ أناساً كفوئين واختصاصيين تقع عليها مهام صعبة من الجهود والعمل لإرضاء الشعب، وخاصة الشارع الحقيقي المنتفض ضدّ الفساد المستشري في القطاعات والوزارات، عبر انتهاج سياسات اقتصادية ومالية من شأنها تحسين الأمور المالية للدولة وتأمين الاحتياجات التي يسعى لها المواطن من طبابة وفرص عمل وصحة وكهرباء ومكافحة الفساد وغيرها الكثير الكثير…