زاسيبكين من نقابة المحررين: مهمة حكومة دياب صعبة ويجب التركيز على الأهداف الاقتصادية والاجتماعية
«لسياستنا صفة أساسية هي استقلالية النهج... ونسعى إلى تحقيق العدالة»
رأى السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسيبكين أنّ مهمة حكومة الرئيس حسان دياب صعبة، وقد وافق الوزراء الجدد رغم إدراكهم لصعوبة المهمة التي كلفوا بها وهو أمر يستحقّ الإحترام، معتبراً أنه يجب التركيز على الأهداف الاقتصادية والاجتماعية الأخرى. وأكد أنّ نسبة الإيجابيات في العلاقات الروسية مع إيران كثيرة وهي أكثر من السلبيات.
مواقف زاسيبكين جاءت من نقابة محرري الصحافة في الحازمية حيث استقبله نقيب الحررين جوزف القصيفي وأعضاء مجلس النقابة، في حضور مدير «الوكالة الوطنية للإعلام» زياد حرفوش وجمع من مديري التحرير والصحافيين، وتخلل اللقاء حوار مفتوح حول سياسة روسيا في المرحلة الراهنة وموقفها من الملفات الدولية والإقليمية والعربية وعلاقتها بلبنان.
القصيفي
بداية، قال نقيب المحررين «نرحب بكم في دار نقابة محرري الصحافة اللبنانية، ومعكم نفتتح سلسلة لقاءات حوارية مع شخصيات سياسية، دبلوماسية، إقتصادية، مصرفية، نقابية، فكرية للحديث عن التحديات التي يواجهها لبنان والمنطقة في هذه المرحلة المفصلية من تاريخهما».
أضاف القصيفي «روسيا ما كانت مرّة غائبة عن الشرق الأوسط، لا في الحقبة القيصرية، ولا الحقبة السوفياتية، ولا اليوم بعدما ترسّخ حضورها في «المياه الدافئة» عبر قواعد وموانئ جوية وبحرية في سورية، ومثول قوي في المشهد الليبي، وإطلالة واثقة على ساحتي لبنان والعراق، وذلك بالتوازي مع علاقات مميّزة نسجتها مع تركيا وإيران. كيف تنظرون يا صاحب السعادة إلى المشهد اللبناني الراهن، وما هو تأثير الخارج فيه وعليه، وهل يمكن توظيفه للنهوض من النكبات التي حلت وتحلّ به، أو أنّ دور هذا الخارج سلبي بالمطلق ويتصل بالصراعات المحتدمة في المنطقة؟ هل أنّ التوافق الروسي – الصيني حول العديد من الملفات، وتمايز هاتين الدولتين عن الاستراتيجية الأميركية، أعاد توليد ثنائية القطب، والحرب الباردة؟»
وتابع «نطرح هذه الأسئلة ولبنان يعيش مخاضاً في ظلّ انتفاضة شعبية، وأزمة سياسية حادة، نناقشها معكم كونكم تمثلون دولة فاعلة ورئيسة، إضافة إلى ما تتمتعون به شخصياً من ثقافة وذكاء وإحاطة وطلاقة، وقدرة على رسم صورة واقعية عما يجري حولنا».
وأردف «نكرّر باسم الزملاء أعضاء مجلس النقابة والزملاء الحاضرين وهم من نخبة الصحافيين والإعلاميين شكرنا على تلبيتكم الدعوة. عسى أن يجنوا من هذا اللقاء حصاداً وفيراً من المعلومات والمعطيات، التي تفتح أمامهم ما استغلق عليهم من أمور تتصل بقضايا المنطقة ومآلها في ضوء الصراعات الدولية والإقليمية القائمة».
زاسيبكين
بدوره، قال السفير الروسي «أشكركم على هذه الدعوة وهي مناسبة لأتبادل بالآراء معكم. وأثناء تحضيري لهذا اللقاء، كنت أفكر في الثوابت والمبادئ الأساسية لسياسة روسيا وهي معروفة، ولكن في كلّ مرة ووفقاً لتطورات الأوضاع، أشعر بأنه يجب التوضيح لكي لا يكون هناك أيّ سوء فهم لما لا تسعى إليه روسيا».
أضاف «لسياستنا صفة أساسية هي استقلالية النهج السياسي، وهو من الأولويات بالنسبة إلينا لأننا لا يمكن أن نمارس سياسة إلاّ بالإستقلالية. والأمر الثاني هو أنّ الفلسفة هي العدالة، فكلّ ما هو مطروح نسعى من خلاله إلى تحقيق العدالة، وحتى إذا أشرنا إلى التصريحات الرسمية التي تتناول هذا العنوان يظهر ما هو مزاج البعض من الحكام، ونعترف أيضاً بدور خاص لروسيا على الصعيد الدولي تجاه كلّ القضايا المطروحة اليوم. وانطلاقاً من هذه الثوابت أقول إنّ سياسة روسيا ليست سياسة مواجهة وليست معركة نفوذ أو منافسة، وأنا شخصياً لا أحب كثيراً موضوع لعبة الأمم أو إشارة إلى أنها لعبة الدول الكبرى على حساب الدول الصغيرة. أعتقد أنّ هذا أمر غير مقبول بالنسبة لروسيا، وقد يتخذه البعض لتغطية أهداف أو نوايا الهيمنة من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية للإعتبارات والنوايا نفسها لدى الجميع في هذه المعركة التي تجري الآن».
وتابع «بالنسبة إلى النهج الروسي، نحن نسعى إلى إيجاد القواسم المشتركة لأنّ لدينا في الجوهر اقتراحات ومبادرات بنّاءة على الصعيد الدولي، وروسيا لم تخرج يوماً من المعاهدات أو لم تفرض أيّ شروط على الآخرين. كما ترون نحاول أن نتعامل مع الجميع بقدر الإمكان بنسب متفاوتة. أما من جانب الولايات المتحدة، فقد جمّدت العلاقات مع روسيا في آخر ولاية(باراك) أوباما، والأمر مستمر حتى اليوم».
وقال «نحن نتمسك بالشرعة الدولية منذ تأسيس الأمم المتحدة على أساس نتائج الحرب العالمية الثانية إنما يجب ان نعترف بأنّ هذه الأسس ألغيت من خلال التطورات التي حصلت. لقد شكل تفكك الإتحاد السوفياتي محطة هامة وأساسية في التاريخ المعاصر، وبعد ذلك كانت فرصة لاستعادة التعاون بين الأطراف الدولية، ولكن الهجوم الغربي استمرّ ووصلنا الآن إلى تراكم للمشاكل. لذلك، المطلوب إيجاد الأطر والطرق الجديدة لإعادة التعامل في إطار المجتمع الدولي وما بين الأطراف على الصعيد الدولي».
وأردف «كان لنا خلال سنوات عدة مبادرات مثل اقتراح تشكيل التحالف ضدّ الإرهاب كالتحالف ضدّ الفاشية والنازية خلال الحرب العالمية الثانية، لكنها لم تكن مقبولة من الأطراف الأساسية الأخرى الغربية. وعندما تراكمت المشاكل في مجالات عدّة، الأمن الاستراتيجي بالدرجة الأولى والخروج الأميركي من المعاهدات وعملياً لم يبق سوى معاهدة واحدة، الصواريخ الاستراتيجية، وهي معرّضة لخطر إلغائها. كما أنّ انتشار الحروب الاقتصادية والعقوبات وما يحدث من نزاعات في المنطقة كلها توظيف للحركات الجماهيرية لأهداف أخرى. كلّ ذلك يتطلب إعادة نظر في العلاقات الدولية، لذلك طرح الرئيس بوتين منذ يومين، عقد اجتماع للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن. هذه المبادرة هي أساس لعمل الدبلوماسية الروسية وتعتبر الأهمّ في هذه الظروف، وهذا جوهر الرؤية الروسية لما يحدث».
وأوضح أنّ «الهدف ليس تشكيل نادي الدول الخمس إنما هي دعوة لاجتماع الدول التي تتحمّل مسؤولية أمام المجتمع الدولي، ويمكن أن يكون بداية لعمل مشترك للمجتمع الدولي في المجالات كافة. هناك تأييد من فرنسا والصين وبعض الأسئلة من البريطانيين حول بعض التفاصيل وسكوت الأميركيين على المبادرة».
أضاف «إنّ مضمون المبادرة الروسية هو التعاون المطروح الآن لأكثر من اعتبار وهو ليس سايكس بيكو جديدة، وأنا أرفض هذا الأمر بالكامل. العالم اليوم تغيّر عن السابق فهو عالم متداخل من الناحية التكنولوجية، كما أنّ الجغرافيا تلعب دوراً ولكن أيضاً موضوع السلاح يتغلب على أشياء كثيرة. مع اننا لا نتحدث كثيراً عن الحرب النووية لكنها واردة، وتراكم المشاكل قد يؤدي إلى زيادة احتمال النزاع الأكبر في العالم. ومن هذه الزاوية، روسيا تقترح هذا الاجتماع انطلاقاً من القلق الشديد لتنوع النزاعات في العالم، إنما هذا قد يؤدي إلى التصادم الكبير بالصدفة أو نتيجة تراكم الخلافات والتناقضات وليس فقط ما بين روسيا وأميركا ولكن مجمل الخلافات بين الدول. المشكلة الكبيرة هي فقدان الثقة على الصعيد الدولي والإقتراح هو لإيجاد الثقة من جديد».
حوار
وسئل السفير الروسي: كيف تنظر روسيا إلى حكومة الرئيس حسان دياب، وهل تتوقع إنجازات منها؟
أجاب «في مثل هذه الأحداث يجب إيجاد آلية لإدارة الأزمة، ولا بدّ من أن تكون مقبولة من أكثرية الأطراف اللبنانية المعنية، وفي الوقت نفسه ما هي الخطوات العملية للوصول إلى هذا الهدف. في الظروف اللبنانية، إنه فريق من التكنوقراط والإختصاصيين ولم يكن هناك صيغة أخرى مقترحة لتشكيل حكومة تكنوقراط حقيقية، وأظن انّ الوزراء الجدد يدركون صعوبة المهمة التي كلفوا بها ووافقوا عليها وهو أمر يستحق الإحترام، كما يجب التركيز على الأهداف الاقتصادية والاجتماعية الأخرى». وعتبر أن «موضوع الإنتقال من نظام إلى نظام آخر فيه مخاطر، ونحن في روسيا كانت لدينا التجربة ذاتها وتفكّك الإتحاد السوفياتي كانت له تداعيات كارثية جداً».
سئل: أين وصلت العلاقات الروسية – الإيرانية، وهل ستخرج القوات الإيرانية من سورية؟»
أجاب «كلّ ما يتعلق بالحديث عن خلافات روسية – إيرانية غير صحيح، وأشير دائماً إلى وجود القطب الأميركية الذي يخلق المشاكل. نحن نبحث عن القواسم المشتركة لأنها تكرّس النهج الروسي، ولا أعرف ما هي نسبة الخلافات بيننا وبين إيران. الإيجابيات في العلاقات مع إيران كثيرة، وهي أكثر من السلبيات، والوجود الإيراني للهدف الروسي نفسه ومكافحة الإرهاب هدف إيران وهدف روسيا، وطالما أنّ الإرهاب ما زال قائماً فذلك يعني أن لا خلاف بيننا».
وقال رداً على سؤال «إنّ خروج الأميركيين من العراق وسورية لا يعني خروجهم من المنطقة إنما لديهم قواعد عديدة في الخليج، لذلك الموضوع يتعلق فقط بسورية والعراق، وبسيادة الدولتين. من هنا نحن نتخذ الموقف، وأظنّ أنّ الأمر واضح، فوجود الأميركي في العراق بدأ بالعدوان والإحتلال وموقف البرلمان معروف، وكذلك نحن نعرف موقف سلطات سورية وهذا رأي سيادي لكلّ دولة».
أضاف»بالنسبة الى أنابيب الغاز والمنافسة، يمكننا أن نفكر طويلاً ونطرح السيناريوات كيف ستتطوّر هذه القضية خلال السنوات المقبلة. أنا لم أر رأياً موحداً للخبراء بالنسبة للمنافسة ما بين مصدّري الغاز والمستهلكين، ونحن نريد تنوّعاً في هذا المجال، وإذا كان هناك تنقيب فإنّ شركات روسية تشارك فيه والمنافسة شديدة من قبل الأميركيين وهم يضغطون سياسياً ويستخدمون العقوبات، وهذا أخطر ما نراه في هذا المجال. والأمر الآخر وهو الأصعب، أن نقول ماذا سيحدث في الفترة المقبلة».
وختم «أما بالنسبة إلى ليبيا، فهناك إنجاز ولو بسيط وهو ديبلوماسي يتمثل بدعوة روسيا لتركيا وبمؤتمر في برلين، والعمل سيكون على هذا الأساس خلال المرحلة المقبلة. وأعتقد انه بنتيجة مؤتمر برلين، على الأطراف الخارجية تتابع برؤية مشتركة وهذا هو جوهر جهودنا المقبلة».