تسارع إقليميّ من سورية إلى أفغانستان يُقلق واشنطن… والردّ إعلان صفقة القرن اليوم؟ برّي ينجح بتمرير قطوع الموازنة… تمهيداً لاسترداد المبادرة… وتأمين جلسة الثقة تصويت هجين للمستقبل والاشتراكيّ… ومقاطعة فاشلة للكتائب والقوات… وحراك على الهامش
كتب المحرّر السياسيّ
في الإقليم مشهد متسارع يُربك الحسابات الأميركية، حيث في سورية يتكلم الميدان، فتظهر معرّة النعمان تحت حصار يكتمل، وتبدو سراقب قيد هجوم يقترب، والجيش السوري ممسك بزمام المبادرة في الميدان مع غياب تركيّ وحضور روسيّ ودعم قوى المقاومة حيث يجب، ليظهر أن مصير الشمال الغربي لسورية بات واضح المصير، ومصير الشمال الشرقي حيث الأميركي يُعدّ الأيام لمواجهة استحقاق المطالبة بالخروج ليتكامل مع الدعوات العراقية، التي ظهرت بعد الهجوم الذي استهدف السفارة الأميركية في بغداد، أنها دعوات ثابتة لم يحن أوان اتجاهها للمقاومة المسلحة، تاركة للأميركي باب الخروج السياسي دون دماء. فالأولوية كما قال السيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله بلسان محور المقاومة، هي للخروج عمودياً، أي على الأقدام، وإلا الخروج أفقياً، أي في التوابيت. بينما أظهرت عملية إسقاط حركة طالبان طائرة نقل عسكرية أميركية في أفغانستان انتقال فرضية الخروج أفقياً إلى هناك، حيث تحدّثت معلومات لم يعلّق عليها الأميركيون بعد عن سقوط عشرات القتلى من ضباط ودبلوماسيّين كانوا على متن الطائرة، بينما اكتفى البنتاغون بإعلان سقوط الطائرة لا إسقاطها متمهّلاً بإعطاء المزيد من المعلومات.
مقابل هذا التسارع تستعرض إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عضلات سياسية مستهلكة، تتمثل بالإعلان عن مشروع صفقة القرن، بعدما زالت فرص تسويقه، وجعله بضاعة قابلة للتداول. ويقتصر الإعلان برأي الكثير من الخبراء الأميركيّين كما نشرت صحيفة نيويورك تايمز، على عمل دعائي انتخابي مشترك لكل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب في سنته الانتخابية التي يواجه خلالها محاسبة في الكونغرس تحت عنوان إجراءات العزل، ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الملاحق بالفساد والذهاب لانتخابات صعبة.
لبنانياً، كانت جلسة مناقشة الموازنة العامة امتحاناً قاسياً على الصعيد السياسي لمجموعة من المعادلات، أهمها معادلة المجلس النيابي بوجه محاولات التعطيل التي أعلنت عزمَها عليها مجموعات الحراك بعدما نجحت في تحقيق هدفها مرّتين، وتليها معادلة العلاقة داخل المجلس بين قوى الغالبية النيابية التي تقف وراء حكومة الرئيس حسان دياب، وقوى المعارضة التي تتوزّع بين كتل المستقبل واللقاء الديمقراطي والقوات اللبنانية والكتائب، والمتابع للجلسة يلحظ، كما قالت مصادر نيابية مطلعة، غياب موضوع الموازنة ودستورية الجلسة عن الاهتمام الفعلي للأطراف، بل مقاربة هذين العنوانين بخلفية العناصر التي تصنع المشهد، أي معادلة المجلس النيابي والحراك ومعادلة علاقة الحكومة وقوى المعارضة. فجرى استخدام الموازنة ومناقشتها والتصويت عليها، كما دستورية الجلسة لتوجيه الرسائل في الملفين الكبيرين الحاضرين.
المصادر البرلمانية قالت إن رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي أدار الجلسة كان يدير ما وراءها من مشاهد ورسائل، فربح رهان تمرير الموازنة ومن خلاله استرداد زمام المبادرة من الحراك الذي عطّل جلسات المجلس قبل نهاية العام الماضي، وذلك يعود برأي المصادر في الشكل والتقنيات إلى نتائج ولادة الحكومة وتأثيرها على المشهد العام من جهة، وإلى تلافي الثغرات الأمنيّة التي سبّبها ضعف الدور الذي أداه الجيش في تأمين الجلسات السابقة، لكنه عائد أصلاً إلى فقدان الحراك الزخم الشعبي الذي تمتّع به في البدايات، فلو خرجت حشود 17 تشرين وما تلاها في الشهر الأول لربما كان من المستحيل نجاح الإجراءات الأمنية التي ضمنت الجلسة أمس. ولذلك تقول المصادر إن نجاح بري باسترداد المبادرة عائد لقناعة الناس بأولوية وجود حكومة ومجلس نيابي على الفراغ والفوضى، وهو ما ردّده عدد من النواب في الكتل المعارضة التي حضرت وصوّتت ضد الموازنة ككتلة المستقبل أو امتنعت عن التصويت ككتلة اللقاء الديمقراطي، لأنها احتاجت لمواقف تبرر حضورها ووجهة تصويتها. وفي هذا المجال قالت مصادر متابعة لمواقف قوى المعارضة، إن غياب كتلة القوات اللبنانيّة وكتلة الكتائب كان رهاناً على تطيير النصاب الذي تحقق بزيادة ستة أصوات فقط على المطلوب دستورياً، بحيث بدا أن أي خلل في الحضور كان كافياً لنجاح الرهان القواتيّ الكتائبيّ، كما بدا أن الغالبية ليست غالبية متماسكة في الوقوف خلف الحكومة أو خلف الاستحقاقات التي تفرضها المناوشات والمواجهات السياسية، حيث لم يتجاوز عدد نواب الغالبيّة الحاضرين الـ 50 نائباً من أصل 70 نائباً.
مواقف المستقبل واللقاء الديمقراطي عكست مناخاً شعبياً وسياسياً، داخلياً وخارجياً، وفقاً لمصادر سياسية مطلعة، قالت، إن التعامل مع الحكومة وحلفها النيابي بعدائيّة غير مفهوم قبل منح فرصة كافية للحكومة، وإن العدائية قد تمنح صقور الغالبية والعهد فرصة دفع رئيس الحكومة وفريقه لخطوات مواجهة يريد رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط تفاديها، ويراهنان على دور الرئيس نبيه بري في ذلك، والداخل كما الخارج يتحدثان عن منح فرصة ومراقبة الحكومة فلمَ التسرّع. وهنا جاءت قطبة بري المخفيّة بجعل الحضور وإكمال النصاب وحرية التصويت أو الامتناع، نواة تسوية يتوقع أن تتسع مفاعيلها بين كل من الحريري وجنبلاط مع الحكومة، ستكون جلسة الثقة ميدانها بمواقف شبيهة لمواقف أمس، رغم كون التصويت قد بدا هجيناً بالقياس للحضور، فهو أظهر تشقق الكتل المعارضة بصورة أشد عمقاً من ضعف تماسك الغالبية.
في مضمون المناقشات نالت كلمة النائب سليم سعادة الذي تحدّث باسم الكتلة القوميّة صدىً شعبياً وإعلامياً، خصوصاً بتوصيفه الموجز للحال الماليّة، عندما قال إن موازنة العام 2019 كانت تستقوي بسيدر وسيدر يستقوي بالمصرف المركزي والمصرف يستقوي بالمصارف والمصارف تستقوي بالمودع الذي اكتشف أنه ضحيّة وهم تصديق أن كل شيء بخير.
واقتصر الكلام في الأوراق الواردة على 6 نواب فقط بعد تلاوة رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان تقرير اللجنة الذي أكد أن “انتظام نظام الموازنة هو أفضل من فرض الإنفاق وفق القاعدة الاثنتي عشرية على اساس اعتماد موازنة 2019”.
ووقع سجال حول دستورية الجلسة، وطلب النائب سمير الجسر الكلام، معتبراً “أن الجلسة غير دستورية”. وسأل ما إذا كانت الحكومة الجديدة ستتبنى هذه الموازنة ام لا، وساندته النائبة بهية الحريري التي أصرّت على السؤال نفسه كما فعل نواب تيار “المستقبل”. فأجاب دياب: «لو أن موقفنا عدم التبني لما كنت حضرت». فردّ بري بالقول إن حق التشريع مطلق، مضيفاً: «المادة 32 تتكلم على عقدين تماماً، كما تفضلت، العقد الثاني يبدأ يوم الثلثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر تشرين الأول وتخصّص جلساته للبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر. هذا الموضوع ليس انه عندما اصبحت في كانون الثاني، لأنه عادة اذا لم تنته الموازنة تنهيها في آخر كانون الثاني، لذلك أصررت على ان يكون في هذا الوقت».
وأكد دياب أن «الحكومة لن تعرقل موازنة أعدّتها الحكومة السابقة»، مشيراً الى ان «الحكومة في ظل وضعها الراهن حكومة تصريف اعمال بالمعنى الضيق، ولا يحق لها استرداد الموازنة»، فيما أكد الرئيس بري ان «الحكم استمرار والمادة 16 من الدستور أن حق التشريع مطلق لمجلس النواب».
وتحدث 6 نواب في الأوراق الواردة بدلاً من 22 طلبوا الكلام، بعدما تواصل الرئيس بري مع مختلف الكتل النيابية لتخفيض عدد طالبي الكلام، وتوقف النواب عند موضوع العجز والوضع الاقتصادي المتأزم واحتجاجات الشارع. كما لفتت المعلومات الى أن بري «تواصل مع قائد الجيش العماد جوزاف عون وقيادة قوى الأمن الداخلي لتأمين الطريق لوصول النواب الى المجلس، ووعدوه بذلك، وقد تولى الجيش اللبناني مواكبة النواب الى المجلس وحماية كل المداخل المحيطة بالمجلس والسرايا الحكومية وصولاً الى الطرقات العامة المحيطة». وإذ حصلت إشكالات عدة بين المتظاهرين والقوى الأمنية لم تنجح مجموعات الحراك بمنع النواب من الوصول الى المجلس كما حصل في الجلسة الماضية، ما دفع مصادر سياسية للتساؤل عن تمكن القوى الأمنية من توفير الظروف الأمنية اللازمة لانعقاد هذه الجلسة وعجزها عن ذلك في الجلسة الماضية، رابطة بين حضور المستقبل جلسة إقرار الموازنة وتغيبه عن السابقة وبين القرار الأمني! فهل هذا دليل على أن تيار المستقبل هو المسؤول عن تطيير الجلسة التشريعية الماضية نصاباً وأمنياً؟
وعُلِم أن الرئيس بري بات ليلته في مجلس النواب تحسباً من تعرّض موكبه لأية مواجهة مع المتظاهرين في محيط ساحة النجمة. وكان عدد من نواب كتلتي «التنمية والتحرير» و»الوفاء للمقاومة» قد وصلوا إلى مكاتبهم في البرلمان قبل السابعة من صباح أمس، في حين كان بري قد رتّب ورئيس الحكومة عملية حضور الأخير ومواكبته للجلسة.
وعُلم أن بري قد أبدى كامل رضاه لإقرار قانون موازنة 2020، واعتبرها بحسب مصادر مواكبة بأنها «أقصر وأصعب جلسة نظراً إلى ما حملته من ضغوط على أكثر من مستوى». وأشاد بالدور الذي أدته الأجهزة الأمنية وعلى رأسها مؤسسة الجيش من خلال توفير الحماية للنواب الذين شاركوا في الجلسة التشريعية، مضيفاً: «على الجميع ان يعلم أن المؤسسة التشريعية لن تتوقف عن المهمات الدستورية المطلوبة منها».
وانعقدت الجلسة أمس، في ظل مقاطعة نواب القوات اللبنانية والكتائب وبعض أعضاء «اللقاء التشاوري»، ولوحظ أن القوات انتهجت سياسة المقاطعة المتعمدة لكل مؤسسات الدولة ما يدلّ، بحسب مصادر سياسية، على خطة ممنهجة لعرقلة عمل المؤسسات تماهياً مع الضغوط الأميركية لحصار لبنان ودفعه للفوضى السياسية والمالية والاقتصادية والأمنية، فبعد استقالة وزرائها من حكومة الرئيس سعد الحريري قاطعت الجلسة التشريعية الأخيرة وعملت على تعطيلها بالشارع، كما رفضت المشاركة في حكومة دياب وساهمت في تعطيل عملية تكليف الرئيس الحريري؛ وأمس، قاطعت جلسة إقرار الموازنة ومن المتوقع مقاطعتها لجلسة الثقة، بحسب ما رجحت مصادرها. لكن نائب القوات جورج عقيص ينفي هذا الاتهام لحزبه، معتبراً لـ”البناء” “أننا داعمون للمؤسسات لكن بشكل صحيح وفي إطار العمل الدستوري، وأي حكومة يجب أن تنال ثقة الناس وليس البرلمان فقط وكذلك نريد مجلس نواب يشرّع بالمواعيد الصحيحة ولا يهرّب موازنات عبر تسويات”.
وأضاف عقيص أن “كلام دياب لم يكن واضحاً، ففي حين قال إنه سيعمل على ادخال تعديلات على القانون عاد وأعلن تبنيه للموازنة كما هي بعد إلحاح المستقبل”، مشيراً الى اننا “نعترض على المقاربة الدستورية لجلسة الموازنة بمعزل عن مضمونها، فالحكومة السابقة سقطت في الشارع والحكومة الجديدة تقول إنها حكومة اختصاصيين لا سياسية لكنها تتبنّى السياسة المالية العامة للحكومة السابقة”.
إلا أن إقرار الموازنة لا يعني انها أصبحت دستورية مئة في المئة قبل نشرها في الجريدة الرسمية، ولا يجوز نشرها قبل إقرار قطع الحساب للعام 2018، الذي لم ترسله الحكومات السابقة الى المجلس النيابي حتى الآن، وأوضحت مصادر تكتل لبنان القوي لـ”البناء” الى أن “التأخير ناتج عن عجز ديوان المحاسبة عن التدقيق بكل القيود للسنوات الماضية وهو يحتاج الى إمكانات تقنية وعديد لإنجاز قطوعات الحساب، وهناك مهلة لآخر هذا الشهر. وبالتالي يجب تزويد الديوان بالدعم اللازم للقيام بمسؤولياته”.
ورأى عضو الكتلة القومية النائب سليم سعادة، في كلمته الى “ان وزارات الدولة تحتاج الى منجّم لمعرفة حجمها وآلية استيفائها”. وقال: “بوجود ثلاثة اسعار لصرف الدولار كل شيء يتغير والواردات تدخل في السعر الرسمي وتخرج بسعر السوق السوداء”. وأشار الى “ان العجز 7,5 مليار دولار فيما الدخل 9 مليارات دولار. وهذا أمر غير موجود في لبنان، وان شهر عسل الطائف قد انتهى لا مال ولا عسل Honey no money No “. وقال: “ان الدولة والحكومات السابقة راكبة على مصرف لبنان ومصرف لبنان راكب على المصارف الخاصة التي راكبة على ودائع اللبنانيين والمواطن يعيش في وهم ان كل شيء يسير على ما يرام، ولكن هذا الشيء قد فرط”.