مأزق نتنياهو ـ ترامب وصفقة القرن.. والردّ الفلسطيني المطلوب
} حسن حردان
المشهد بات واضحاً، الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورئيس حكومة العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو، وجدا أنّ السبيل لحماية وتحصين وضعهما في مواجهة الاتهامات الموجهة إليهما بالفساد وإساءة استخدام السلطة، وملاحقتهما من قبل خصومهما، بالمحاكمة والعزل لترامب، والسجن لنتنياهو.. وجدا انّ رهانهما الأخير إنما بالذهاب الى إعلان «صفقة القرن» الهادفة الى تصفية قضية فلسطين والحقوق الفلسطينية، باعتبارها الورقة الأخيرة المتبقية في جعبتهما، وتصويرها على أنها إنجاز كبير لسياستهما، وبالتالي تحويل الأنظار عن المأزق الذي يقبع فيه كلّ من نتنياهو وترامب، واستطراداً محاولة التغطية على فشل كلّ المحاولات الأميركية الإسرائيلية لاستعادة زمام المبادرة في ساحات الصراع الأساسية في العراق وسورية ولبنان واليمن وأفغانستان، وفي الصراع مع إيران… بل انّ نتائج هذه المحاولات أدّت الى تعميق المأزق الأميركي الصهيوني، وظهر ذلك جلياً من خلال التالي:
أولاً: على صعيد المواجهة مع إيران، مُنيت الاستراتيجية الأميركية الاسرائيلية لإخضاعها وفرض الشروط عليها لتعديل الاتفاق النووي بما يحقق الشروط والإملاءات الأميركية الصهيونية، مُنيت بالإخفاق، حيث نجحت إيران في التكيّف مع الحرب الاقتصادية والحصار الإرهابي الذي فرض عليها من قبل واشنطن، وتمكّنت من كسره وردع العدوانية والعربدة الأميركية في مياه الخليج، فمن جهة واصلت تصدير النفط الإيراني وانْ بنسبة أقلّ من السابق، ومن جهة ثانية، أسقطت الطائرة المسيّرة الأميركية الأحدث في العالم لدى اختراقها المجال الجوي الإيراني، واضطرت إدارة ترامب الى ابتلاع إلاهانة وعدم الردّ على هذه الصفعة القوية.. وعندما حاولت إدارة ترامب قلب الطاولة في وجه إيران والنيل منها بالإقدام على اغتيال قائد فرقة القدس في حرس الثورة الإايرانية الفريق قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق ابو مهدي المهندس، سارعت طهران الى الردّ بقوة عبر قصف القواعد الأميركية في العراق بصواريخ باليستية متطوّرة أصابت أهدافها بدقة بالغة، واضطرت مجدّداً إدارة ترامب إلى عدم الردّ على هذه الصفعة الجديدة، مما أاضعف من هيبة أميركا، وانعكس سلباً على موقف ترامب في الداخل الأميركي، وأربك نتنياهو الذي فضّل النأي بنفسه عما يجري خوفاً من أنّ التورّط مع ترامب بالمسؤولية عن عملية اغتيال القائدين في محور المقاومة، ان يتلقى كيانه ضربة مماثلة للضربة التي تلقتها واشنطن..
ثانياً: في العراق أدّت عملية اغتيال ابو مهدي المهندس الى انتفاضة عراقية برلمانية وحكومية وشعبية ألغت الاتفاقية الأمنية مع واشنطن وطالبت برحيل فوري للقوات الأميركية والغربية من العراق، وانضمام التيار الصدري الى فصائل المقاومة العراقية وتنظيم تظاهرة مليونية دعت ترامب الى الاختيار بين الرحيل سلماً، أو مواجهة المقاومة المسلحة.. هذا التطوّر أفقد الولايات المتحدة الغطاء الرسمي والشعبي لتبرير بقاء قواتها في العراق، وأدّى في الوقت نفسه الى إضعاف الاحتجاجات الداخلية التي كانت تراهن عليها لتعديل إدارة ترامب موازين القوى السياسية الداخلية لمصلحة القوى الموالية للسياسة الأميركية.. وبالتالي بات ترامب أمام استحقاق مواجهة مقاومة عراقية مسلحة تحظى بتأييد واحتضان شعبي كبير، أو المسارعة الى الرحيل تجنّباً للغرق في حرب استنزاف تسقط كلّ ما بناه ترامب من شعبية تحت عنوان رفض العودة الى حروب مكلفة للاقتصاد الأميركي، والتركيز على النهوض بالاقتصاد من حالة الركود..
ثالثا: الفشل في محاولة خلط الأوراق في شمال شرق سورية، عبر سحب القوات الأميركية من مناطق المحاذية للحدود مع تركيا، حيث أدّى الانسحاب إلى توفير الظروف لانتشار الجيش السوري في معظم مناطق الجزيرة السورية وصولا إلى قسم مهمّ من مناطق الحدود مع تركيا، منبج وعين العرب إلخ… الأمر الذي قطع الطريق على الاتفاق التركي الأميركي لتمكين الرئيس التركي رجب أردوغان من تحقيق هدفه في إقامة حزام أمني متصل على نحو ٥٠٠ كلم وبعمق ٣٥ كلم… في المقابل سرّع الجيش السوري وحلفاؤه من عملية تحرير واستعادة السيطرة على مناطق واسعة من محافظة إدلب بعد تحرير الريف الشمالي لمحافظة حماة، وحالياً بدأت عملية واسعة لاستكمال تحرير ريف حلب الغربي وما تبقى من محافظة إدلب، في سياق تنفيذ اتفاق سوتشي بالقوة العسكرية بعد أن ماطل أردوغان في إخلاء المنطقة المتفق عليها من إرهابيّي جبهة النصرة والجماعات الأخرى المصنّفة منظمات إرهابية.. وهو ما يقرّب من ساعة القضاء على الوجود الإرهابي في هذه المناطق الشمالية من سورية ليتفرّغ بعدها الجيش السوري لمعركة إخراج القوات الأجنبية المحتلة من الأرض السورية، وفي مقدّمها الأميركية والتركية، سلماً أو بواسطة المقاومة الوطنية السورية. بما يلاقي قرار الشعب العربي في العراق، وفصائل مقاومته لإخراج القوات الأميركية من العراق..
رابعاً: اما اليمن، فإنّ انتقال أنصار الله والجيش اليمني إلى الهجوم بعد توجيه ضربات موجعة للمنشآت النفطية في عمق السعودية، وللجيش السعودي والمرتزقة، حيث تمكنوا من استعادة مناطق هامة في محافظتي الجوف ونهم.. وهو ما دفع التحالف الأميركي السعودي للعودة إلى الاستعانة بتنظيمي داعش والنصرة في اليمن لوقف تقدم أنصار الله والجيش اليمني…
خامساً: وفي لبنان تعثرت محاولات واشنطن لإحداث تغيير في المعادلة السياسية الحكومية، بعد نجاح الفريق الوطني الذي يملك الأغلبية النيابية في تشكيل حكومة جديدة من التكنوقراط، وهو ما أربك واشنطن التي كانت تريد أن يجري تأليف حكومة تكنوقراط، على أن يكون رئيسها ووزراؤها من الذين يدينون بالولاء للسياسة الأميركية…
سادساً: ارتفاع منسوب النزف الأميركي في أفغانستان، بفعل العمليات التي تشنها طالبان ضدّ القوات الأميركية والتي كان آخرها إسقاط طائرة عسكرية ومقتل ضباط كبار كانوا فيها، مما يشكل ضربة جديدة موجعة للولايات المتحدة التي تبحث عن استراتيجية خروج من أفغانستان وحرب الاستنزاف المستمرة منذ عام ٢٠٠١…
هذه التطورات تؤشر إلى إخفاق السياسة الأميركية وخطتها لإعادة تعويم النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، عبر العمل على إحداث انقلاب في المعادلات السياسية والميدانية، في الساحات المذكورة، لمصلحة واشنطن، وحليفتها الاستراتيجية تل أبيب، وبالتالي فشل كلّ من ترامب ونتنياهو في تحقيق أيّ إنجاز يمكنهما من الاستقواء به في مواجهة خصومهما في الداخل الأميركي والاسرائيلي، وتجنّب الملاحقات التي يتعرّضان لها لمحاكمتهما بتهم الفساد وإساءة استخدام السلطة، حيث يواجه نتنياهو خطر الدخول إلى السجن، فيما ترامب يواجه خطر التعرّض للعزل، اذا ما نجح الديمقراطيون في كسب أصوات من الجمهوريين إلى جانبهم.. على انّ هذا المأزق الذي يواجه نتنياهو وترامب، ازداد بعد أن فشل نتنياهو في إقناع الكنيست بالحصول على الحصانة النيابية لمنع ملاحقته ومحاكمته من قبل القضاء، ما اضطره إلى سحب الطلب الذي تقدم به لإعطائه الحصانة، حتى لا يرفض ويصبح في وضع مكشوف… أما ترامب فإنه تلقى صفعة جديدة من أحد الصقور الجمهوريين هو جون بولتون الذي كتب كتاباً كشف فيه عن انّ ترامب أبلغه برغبته تجميد المساعدات الأمنية لأوكرانيا في آب الماضي، للضغط على المسؤولين فيها للتعاون مع تحقيقات الديمقراطيين، بما في ذلك نائب الرئيس السابق جو بايدن، وفور ذلك قام الادّعاء الديمقراطي ومجلس الشيوخ باستدعاء بولتون للتحقيق..
أمام تفاقم مأزق ترامب ونتنياهو، وفشلهما في تحقيق اي إنجازات تعزز وضعهما الداخلي، في مواجهة اتهامات الفساد، عمد الاثنان إلى استحضار صفقة القرن الميتة، نتيجة الفشل في الحصول على موافقة فلسطينية عليها، واعلنا عنها في احتفال كبير في واشنطن وسط ضجة إعلامية تضخم من الحدث وتصفه بأنه حدث تاريخي، وذلك للالتفاف وتحوير الأنظار عن التهم الموجهة لهما، ومحاولة تعزيز شعبيتهما عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية، والانتخابات النيابية الإسرائيلية، والاحتماء بها لمنع المحاكمة عن نتنياهو، والتأثير على خطة الديمقراطيبن لعزل ترامب… إذاً من الواضح أنّ ترامب يريد من خلال الإعلان عن صفقة القرن الهادفة إلى تصفية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، لمصلحة المشروع الصهيوني، ان يعطي نتنياهو إنجازاً يمكنه من تعزيز موقفه «إسرائيلياً»، ليحصل ترامب في المقابل على دعم اللوبي الصهيوني الأميركي في الولايات المتحدة الذي يملك تأثيراً ونفوذاً كبيرين في الكونغرس، للحؤول دون تمكن الديمقراطيون من كسب التأييد لصالح قرارهم في عزل الرئيس..
انها معركة لإنقاذ مستقبل ترامب ونتنياهو على حساب حقوق الشعب العربي الفلسطيني… لكن ذلك لا يجب أن يؤدّي إلى أيّ إحباط فلسطينياً وعربياً، لأنّ الإعلان عن صفقة القرن إنما هو إعلان أميركي اسرائيلي، وليس إعلاناً دولياً أممياً، وهو أيضا لا يحظى باي موافقة فلسطينية، وهذا هو الأساس، فطالما انّ صاحب الحق يرفض هذه الصفقة، المؤامرة، وطالما لا تحظى بموافقة مجلس الأمن، فإنها تبقى مجرد إعلان للتوظيف في الداخل الأميركي والاسرائيلي لمصلحة ترامب ونتنياهو.. على أنّ الأمر المهمّ ان الصفقة تؤكد إسدال الستار على اتفاق أوسلو المشؤوم الذي خدم الاحتلال، وكان السبب في الانقسام في الساحة الفلسطينية، ووفر الغطاء لبعض الأنظمة العربية الرجعية للتطبيع مع كيان الاحتلال.. من هنا فإنّ الردّ الفلسطيني إنما يجب أن يكون اولا، بإعلان الانسحاب من اتفاق أوسلو الذي اسقطه العدو الصهيوني، قولاً وفعلاً، وبدعم أميركي، وثانياً، بإعلان وقف كلّ أشكال العلاقات مع الكيان الصهيوني، وفي المقدمة التنسيق الأمني، وثالثاً، إجراء مراجعة جذرية لمسار التسوية، فهذا الخيار – الرهان سقط بالتجربة، وتبيّن معه ان لا خيار امام الشعب الفلسطيني لتحرير أرضه واستعادة الحقوق كاملة سوى التزام خيار المقاومة الشعبية والمسلحة كخيار استراتيجي، وهو الخيار الوحيد القادر على إنهاء الانقسام السياسي.. واستعادة منظمة التحرير لدورها كحركة تحرّر وطني تضمّ كل القوى والحركات المقاومة… فهل تأخذ قيادة منظمة التحرير القرار الجريء بالتحرر من اتفاق أوسلو، الميت أصلاً، وتعلن تشييعه، وتنهي أيّ ارتباط بكيان العدو، وتسحب اعترافها فيه، وتستعيد ميثاقها القومي، قبل تعديله وفق التزاماتها في أوسلو…