عواقب انسحاب إيران من معاهدة منع انتشار الأسلحة النوويّة
في ظل التصعيد القائم بين أميركا وإيران بعد انسداد أفق التفاوض بشأن الاتفاق النووي، هدّدت طهران في أكثر من مناسبة بالانسحاب من التزاماتها الدولية النووية، من بينها معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.
وبعد أيام من إعلان طهران إمكانية الانسحاب الكامل من الاتفاق النووي، أعلن البرلمان الإيراني أمس، أنه «تسلّم مشروع قانون لدراسة انسحاب البلاد من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية».
التصعيد الإيراني في الفترة الأخيرة جاء رداً على إعلان بريطانيا وفرنسا وألمانيا تفعيل آلية فضّ النزاعات المنصوص عليها في الاتفاق النووي، متهمة إيران بـ»انتهاك الاتفاق التي تعرّضت لضغوط متزايدة منذ انسحاب واشنطن منه عام 2018»، وهو ما قد يعيد فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران.
ومع فشل كافة جهود التهدئة، بات التصعيد لغة التفاهم في ما يخصّ الاتفاق النووي، الأمر الذي قد يدفع إيران للانسحاب من التزاماتها النووية وهو ما يشكّل – بحسب خبراء– نقطة فارقة في الصراع الدائر.
وذكر موقع البرلمان الإيراني الإلكتروني أن «اقتراحاً قُدّم، أمس، إلى البرلمان لانسحاب إيران من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية»، ولم يذكر التقرير متى قد يصوّت البرلمان على المقترح، ويرجع القول الفصل في سياسة البلاد النووية إلى القائد الأعلى السيد علي خامنئي.
وقبل أسبوع قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، إن «بلاده ستنسحب من معاهدة منع الانتشار النووي، إذا أحيلت القضية النووية إلى مجلس الأمن».
وتابع الوزير: «إذا استمر الأوروبيون في لعبتهم السياسية الحالية وأحالوا الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، فإن انسحاب إيران من معاهدة عدم انتشار السلاح النووي سيكون أولوية بالنسبة لها».
من جانبه، قال مدير مكتب الرئيس الإيراني، محمود واعظي، إن «أحد خياراتنا للرد على إرسال ملفنا النووي إلى مجلس الأمن هو الخروج الكامل من الاتفاق النووي، وهذا الخيار كان ضمن رسالة الرئيس حسن روحاني للدول الأربع المتبقية في الاتفاق».
فيما قال المحلل السياسي الإيراني، محمد غروي، إن «الحديث عن إمكانية انسحاب إيران من معاهدة منع الانتشار النووي يضرّ بطهران، حيث يعطي الفرصة والذريعة لأميركا لاتهامها بالذهاب في اتجاه التسلّح بالنووي».
وأضاف أن «إيران تريد من هذه التصريحات الضغط على أوروبا، للتأكيد أن لا أحد بإمكانه الحد من قدرات طهران النووية، ولا تعني القيادة الإيرانية بتلك التصريحات أنها قد تذهب باتجاه السلاح النووي».
وتابع: «طهران دخلت في هذه المعاهدة طواعيّة، ووقعت عليها خلال التوقيع على الاتفاقية النووية، رغم أن ذلك لم يكن من ضمن الشروط، لكن إيران ارتأت أن تقوم بهذه الخطوة من أجل تحسين العلاقات».
وأشار إلى أن «إيران تريد بهذه التصريحات الضغط على أوروبا حتى تقوم بخطوات أكثر جدية، وقرابة من الاتفاق النووي، ومن أجل عودة التفاوض، وإعادة الأطراف إلى ما كانوا عليه في السابق».
الجميع بات يدرك – والكلام لا يزال على لسان غروي – أن «إيران هي أكثر الدول التزاماً بالاتفاق النووي، والآخرون لم يحترموا توقيعهم، ورغم كل ما حدث، لم تخرج طهران من الاتفاق، أو تتجه إلى التسلح، أو فعل أي خرق يناقض القانون الدولي، بل تريد فقط عودة الأطراف للاتفاق النووي، وإزالة العقوبات عنها بشكل كلي».
من جانبه قال مصطفى الطوسة، الإعلامي والمحلل السياسي المقيم في فرنسا، إن «إيران إذا طبقت تهديداتها بشأن الانسحاب من الاتفاقية النووية فهذا سيدخل المنطقة في حقبة جديدة، وسيعزل إيران عن العالم، وسيُجبر المجموعة الدولية إلى تغيير التعامل مع إيران».
وأضاف أن «هناك قناعة قوية لدى مختلف مراكز القرار السياسي العالمي انطلاقاً من أوروبا، ومروراً بأميركا وبعض المناطق الأخرى، بأن لا يجب على إيران أن تمتلك السلاح النووي لأن ذلك يشكل تهديداً لأمن واستقرار العالم».
وتابع: «عندما نذكر أن مسلسل التفاوض الإيراني الدولي الذي قادته إدارة أوباما كان الهدف الأساسي منه منع إيران من الحصول على السلاح النووي، لأن كان هناك قناعة وقراءة بأن نظاماً مثل إيران إذا حصل على السلاح قد يشكل ضربة موجعة لاستقرار العالم وأمنه».
وأشار إلى أن «إيران إذا اختارت هذا الطريق، ودخلت في مزايدات ضد ترامب والاتحاد الأوروبي وأنهت كل التزاماتها مع المجموعة الدولية فهذا قد يشكل منعطفاً دولياً حاداً قد يفرض على المجموعة الدولية مقاربة جديدة لمنع حصول طهران على الاتفاق النووي بأي وسيلة».
ومضى قائلاً: «لحد الساعة التلويح بفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية والعزلة الإيرانية على المستوى الدولي، لكن إذا تبيّنا بالفعل الملموس، والدليل أن إيران تخلّت عن التزاماتها، سيكون عنصرًا جديدًا يرغم المجموعة الدولية على تغيير سياستها تجاه إيران، وفي ذلك الوقت لا يمكن أن نستبعد أن تكون هناك معالجة بطريقة عسكرية لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي».
وبشأن إمكانية تنفيذ إيران تهديدات بالانسحاب من التزاماتها النووية، قال: «لا أتوقع أن تطبق إيران تهديداتها، هي تعرف حجم المغامرة التي تخوضها، والتحدّي الذي تطلقه في وجه المجموعة الدولية».
ومضى بالقول: «لحد الساعة يتم النظر إلى التهديدات الإيرانية باعتبارها مناورة سياسية وإعلامية للضغط على أميركا للحصول على أي مكتسبات، أو إقناع الاتحاد الأوروبي باتخاذ مواقف إيجابية تجاه إيران، أما في حال انتهكت إيران ذلك فقد تكون هناك ضربة عسكرية كآخر الحلول لمنع النظام الإيراني من الحصول على السلاح النووي».
وأعلنت دول فرنسا وألمانيا وبريطانيا، قبل أيام تفعيل آلية تسوية المنازعات بالاتفاق النووي الإيراني، وأكدت رفض «الحجج الإيرانية» لخفض طهران التزاماتها بموجب الاتفاق النووي، مؤكدة عدم وجود أساس قانوني لوقف التزاماتها.
وأكد البيان أن الدول الثلاث «لا تنضمّ إلى الحملة التي تهدف لممارسة أقصى الضغوط على إيران»، مؤكدين «حسن نيتهم وتمسكهم بالهدف الأساسي وهو الحفاظ على الاتفاق النووي».
وينشأ عن إطلاق آلية تسوية النزاعات الواردة في الاتفاق النووي احتمال بفرض عقوبات على إيران من قبل الأمم المتحدة.
وأعلنت إيران في الخامس من كانون الثاني الحالي، خطوة خامسة وأخيرة من خطوات تخفيض التزاماتها ضمن الاتفاق النووي الموقع في 2015، موضحة أنها رفعت كل القيود على عملياتها النووية، بما في ذلك ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم، وذلك بعد يومين من اغتيال قاسم سليماني، القائد الأبرز بالحرس الثوري الإيراني، بغارة أميركية ببغداد.
وأكدت طهران أنها لم تعد ملزمة بأية اتفاقيات أو قيود حول عملياتها النووية، بما في ذلك قدرة التخصيب، ونسبة التخصيب، وكمية المواد المخصبة، والبحث والتطوير، كما لم تعد ملزمة بتحديد عدد أجهزة الطرد المركزي المشغلة في المفاعلات النووية في البلاد.
وشهدت العلاقات الإيرانية الأميركية توتراً وتصعيداً عسكرياً، وذلك بعد إعلان ترامب، في أيار 2018، انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق الخاص ببرنامج إيران النووي الموقع عام 2015، كما أعلنت أميركا قتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، في الثالث من كانون الثاني الحالي، باستهداف موكبه خارج أسوار مطار بغداد الدولي، ووصفت إيران الهجوم بـ»إرهاب الدولة»، وتوعّدت بالانتقام.
وفي الثامن من كانون الثاني الحالي، شنت إيران هجوماً صاروخياً على قاعدتين عسكريتين في العراق تضمان قوات أميركية، رداً على اغتيال سليماني.