هذه لحظة فلسطين.. فلسطيننا، فمَن يلتقطُها؟
} نظام مارديني
ليس صدفة أن يُعلن الثنائي، الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو عن بنود صفقة القرن، ضمن احتفالية علا فيها التصفيق، فهي صفقة بدأت تسير وفق «وقائع عملية تراتبية هندسيّة تصوغها الإدارة الأميركية مع «إسرائيل» تباعاً، منذ أكثر من 26 عاماً (في إشارة لـ 1993 عام توقيع اتفاقية أوسلو)».. ولكن خطة ترامب «للسلام» ليست أكثر من «مهزلة من البداية إلى النهاية»، كما رأت «نيويورك تايمز».
إعلان «صفقة القرن» يأتي، إذاً، بعد التداول بها في المنامة والرياض وأبو ظبي ومسقط والدوحة ومصر والأردن، بالتزامن مع الذكرى الـ 103 لوعد بلفور، وبين «الصفقة» و»الوعد» محاولات لتصفية القضية الفلسطينية وبتواطؤ خليجي وانتظار دولي مريب، وهو جاء (الإعلان) لـ «كسر الجليد مع المحيط الخليجي؛ فهذا (التطبيع) أيضاً هو جزء من «الصفقة» التي تتناول إعادة موضعة الاحتلال في الإقليم وبناء علاقات طبيعيّة بينه وبين الكيانات العربية المختلفة.
اليوم تمرّ الذكرى الثالثة بعد المئة لجريمة الوعد المشؤوم الذي شكل البداية لزرع الكيان الاستعماري على الأرض الجنوبيّة لسورية، وحيث وضعت فلسطين رهينة استعمار انتدابي بريطاني، تهافت الجراد اليهودي إليها من كل دول العالم.
ومثلما شكل «وعد بلفور» سابقة تاريخية خطيرة حيث منح الأرض الفلسطينية للجراد اليهودي وشرّد أصحابها الحقيقيين أعلن أمس ترامب «صفقة القرن» التي ترمي من خلالها الإدارة الأميركية إلى فرض شروط إنهاء القضية الفلسطينية بالتواطؤ مع مشيخات وممالك الخليج. وهنا لن ننسى تصريح ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لمجلة «ذي أتلانتيك» الأميركية، في نيسان 2018، من أن لـ «إسرائيل» الحق في الوجود، في ما تستمرّ زيارات التطبيع بين مسؤولي الاحتلال وهذه المشيخات والممالك بعد انتقال هذه العلاقات من مرحلتها السرية إلى مرحلتها العلنية.
هكذا تقترب الحرب الكونية والعدوانية على هلالنا السوري الخصيب، من كشف دوافعها ومنطلقاتها العقديّة من جديد. ولكن من أجل تثبيت دوافعها الحقيقية اليهودية للحرب، هل نلوم أجدادنا وآباءنا، رغم أننا ندرك ما كانت حالهم، حين وضع مصطلح «المسألة الفلسطينية» قيد التداول.. وحيث كانت الغيبوبة التاريخية والحضارية تطبق علينا بعد خمسمئة عام في «الثلاجة» العثمانية؟ وحيث ظلّ المصطلح يتفاعل زهاء قرن إلى أن فعل ما فعله الثنائي «سايكس ـ بيكو» في إعادة ترتيب عظامنا.. أجل عظامنا التي لا تزال تعمل قبلياً حتى الآن! غريب أن يتعاطى بعض شعبنا في سورية الطبيعية بهذه اللامبالاة كلها بما يجري في فلسطين، بل وبهذا التواطؤ كله، مع «الوعدين» المشؤومين اللذين يسعيان، شئنا أم أبينا، لوضعنا في بطن الكارثة!
منذ نحو قرن وثلاثة أعوام، زرعوا قنبلة «وعد بلفور» لاستنزافنا بل ولتحطيمنا. كل ما يمكن تصوّره، فعله ذلك الوعد فينا، وبدا، كما رأينا بالعين المجرّدة، كما لو أن الغروب الكبير للقرن هو الغروب الكبير للأمة.
تذكرون دافيد بن غوريون، وهو «النبي المسلّح»، كيف بدا وقد تلاشى قائلاً: «أذهب وفي ذاكرتي كل ذلك الدم». فيما قال عزرا وايزمان «تلك الأحذية التي تقود أرواحنا»، ومن دون أن ننسى مناحيم بيغن وشمعون بيريز وغولدا مائير ورابين وباراك ونتنياهو وغيرهم وغيرهم.. وكلّهم ارتطموا وسيرتطمون، بدمنا ويتناثرون.
بعد مئة عام وثلاثة على وجود هذا السرطان في جسم أمتنا، وهو يتغلغل في الإمارات الخليجية ليشرعن وجوده، سيبقى كيان شظايا. الجميع ضد الجميع. حزب العمل قد ترهّل وتناثر، الليكود يتهاوى. إنها الحرب الحامية الوطيس. مَن ضد مَن؟ أإلى هذا جاءت أميركا بعد تهاوي حلم «من النيل إلى الفرات» لكي تضع قاعدة عسكرية مدجّجة في بطن فلسطين؟.. وفي نهاية المطاف، يتبارون: كيف نقتل الفلسطينيين بصورة أفضل، ألهذا جاءت «صفقة القرن» لتقصف ذاكرتنا التي لا تموت ولن تموت؟
مسيرات العودة وكسر الحصار أثبتت كم أن الفلسطينيين، بحاجة إلى أن يصبحوا ساعداً واحداً، أجل نقولها بالفم الملآن، لأن هناك مَن عمل، وعلى ذلك النحو المنهجيّ اللامرئيّ، على تحويل الفلسطينيين «شعوباً» مُعَدّة للتقاتل في ما بينها. ولكن التقاتل حول ماذا؟ هل تريدون أن نستفيد من تجربة هوشي منه وكيف وحّد ثلاثة عشر فصيلاً فيتنامياً تحت مظلة الفيتكونغ!؟
كانت المسافات واسعة بين الرجال، لكن القضية كانت كبيرة، وتمثلاً باللحظة الفيتنامية الكبرى، لماذا لا تكون اللحظة الفلسطينية الكبرى؟
هذه أيّام دقيقة وصعبة، بل وخطيرة، ما دامت الذئاب تقف على المفترقات كلها، من العراق وسورية ولبنان والأردن وفلسطين.. بل تقف على كتفي «سوريانا» لتغتال ما تبقى من مقاومة في هذه الأمة.
هذه لحظة فلسطين.. فلسطيننا، فمَن يلتقطُها؟
ومَن يصرخ: أيّها الفلسطينيون استيقظوا. قبل الدولة، قبل الايديولوجيا الدينية، قبل خرائط الطريق، وما أكثرها، وقد تحوّلت خريطة قطع أوصال الفلسطينيين. اجلسوا حول طاولة مستديرة، من دون وساطات مصرية أو قطرية، إذا لم يكن باستطاعتكم الجلوس إلى طاولة مستطيلة، ولا تخرجوا من المكان قبل أن تحرّروا أو توحّدوا فلسطين في داخلكم. حينذاك تصبح لكم خريطة طريقكم، وهي غير التي تطبخ في الأقبية المعتمة!
وكي لا نخذل شعبنا، فإنّنا مطالبون بما يلي:
– سياسة جبهويّة توحّد كلّ قوى المقاومة وترفض الانقسام بين فصائلها جميعاً.
– سياسة ترفض كلّ مبادئ أوسلو وعزل رموزها الخيانيّة، وتكريس مفهوم أنّ المقاومة هي «القول الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره»، وأنّ حربنا مع هذا العدو هي «حرب وجود لا حرب حدود».
– سياسة وطنيّة قوميّة ترفض كلّ أنواع التطبيع التي تجري على مستوى الداخل الفلسطيني، كما على المستوى القومي والعربي.
– سياسة رفض كلّ مبادرات التسوية، «فلسطينية أو عربية أو أوروبية أو أميركية»، والتي هدفها تصفية القضية الفلسطينية.
للعظيم أنطون سعاده: «لو وُجِدَ في سورية رجل فدائي يضحّي بنفسه في سبيل وطنه ويقتل بلفور، لكانت تغيّرت القضية السورية من الوجهة الصهيونية تغيّراً مدهشاً».