طهران وموسكو: مقتل قاتل سليماني والمهندس ومغنية… والجيش السوري دخل معرّة النعمان ترامب ونتنياهو لمقايضة فلسطين والقدس واللاجئين… بالمال واتحاد بلديات تحت الاحتلال الفلسطينيون يجدّدون وحدتهم للمواجهة… وترحيب بريطانيّ سعوديّ مصريّ إماراتيّ بالصفقة
كتب المحرّر السياسيّ
فيما واصل الجيش السوري عملياته على محاور إدلب، وتمكنت وحداته من دخول معرة النعمان وتمشيط شوارعها في ظل انهيار الجماعات المسلحة وهروب أغلبها، كان الحدث الأمني الأبرز هو عملية إسقاط الطائرة الأميركية العسكرية في أفغانستان، بعدما كانت معلومات روسية تشير إلى مقتل مايك داندريا الملقب بالملاك الأسود والمسؤول عن جهاز المخابرات الأميركية لمواجهة محور المقاومة، بعدما تأكد أن الطائرة التي أسقطت في أفغانستان هي الطائرة التي يستخدمها داندريا كغرفة عمليات طائرة لتلقي المعلومات وإصدار التعليمات، وأعلنت طالبان المسؤولية عن إسقاطها، وليل أمس، بث التلفزيون الإيراني نبأ مقتل داندريا مع عدد من ضباط المخابرات الأميركيّة بإسقاط طائرته، وداندريا هو المسؤول عن اغتيال أبرز قادة محور المقاومة من اغتيال القائد عماد مغنية عام 2008 إلى اغتيال القائدين قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس مطلع هذا العام.
الرئيس الأميركي ودوائر البنتاغون الذين تكتموا على النبأ، ولم ينشروا نفياً أو تأكيداً لمقتل داندريا، بعدما أعلن البنتاغون أمس، سقوط إحدى طائراته في افغانستان من دون التحدّث عن خسائر بشرية ومن دون الاعتراف بإسقاطها في عملية استهداف، انصرفوا أمس للحدث الذي شهدته واشنطن للإعلان الأميركي بحضور رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عن مشروع ترامب لحل الصراع بين «إسرائيل» والفلسطينيين، المعروفة بصفقة القرن، والتي كشف تفاصيلها ترامب بما تتضمّن من منح كيان الاحتلال كامل القدس المحتلة الشرقية والغربية كعاصمة موحدة أبدية، بالإضافة إلى ضمّ المستوطنات والأراضي المحيطة بها وغور الأردن، أي أكثر من نصف الضفة الغربية، وعرض ترامب على الفلسطينيين دولة منزوعة السلاح على أراضٍ غير متصلة يتمّ ربطها بجسور وأنفاق، وتكون عاصمتها أراضي محسوبة إدارياً على القدس خارج الجدار الذي أقامه الاحتلال لحدود القدس، وإبقاء السلطة الأمنية في المناطق الفلسطينية لجيش الاحتلال وتولي الفلسطينيين سلطة مدنية، متجاهلاً حق العودة للاجئين الفلسطينيين متعهداً بتأمين خمسين مليار دولار لرخاء وازدهار الفلسطينيين، وهو ما وصفته مصادر فلسطينية بالدعوة لمقايضة فلسطين كهوية وقضية ومعها القدس واللاجئون، مقابل المال واتحاد بلديات تحت الاحتلال المستديم. وقالت المصادر إن ما بدأ من اجتماعات بين قيادات فتح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وسائر الفصائل في رام الله سيستمرّ في غزة توصّلاً لوحدة المواجهة بالمقاومة الشعبية والمسلحة واستنهاض الشتات الفلسطيني والعالمين العربي والإسلامي وأصدقاء الشعب الفلسطيني، حتى فرض انتزاع الحقوق بالقوة. وأضافت المصادر أن أهم هدية قدّمها ترامب للفلسطينيين هي وحدتهم الوطنية التي لم تعرف لحظة ذهبية كهذه اللحظة.
خطة ترامب التي ستترجم إسرائيلياً بإعلان ضمّ غور الأردن والمستوطنات، كما وعد نتنياهو، وستواجه موقفاً فلسطينياً موحداً حول الرفض، كما أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، لقيت ترحيباً ودعوة لتفاوض مباشر فلسطيني إسرائيلي من بريطانيا والسعودية ومصر والإمارات، بينما ربطت روسيا موقفها بالموقف الفلسطيني، مشكّكة بأن تكون الخطة فرصة حقيقية للسلام، وأكدت الأمم المتحدة ومثلها الاتحاد الأوروبيّ، على التمسك بحل الدولتين وفقاً للمرجعيات الدولية. وجاء أول الرفض العربيّ من لبنان على لسان رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي دعا إلى المقاومة كحل وحيد، وشاركه حزب الله مندداً بالمشروع الأميركيّ وتيار المستقبل الذي كان موقفه لافتاً برفض صفقة القرن، وندّد نواب التيار الوطني الحر بالخطة الأميركيّة التي تُضمر توطين الفلسطينيين، بينما كان الموقف الإسلامي في مواجهة الترحيب السعودي رفضاً إيرانياً تركياً وتمسكاً بالحق الفلسطينيّ وبمكانة القدس.
وقالت مصادر متابعة للخطة الأميركية الإسرائيلية، التي يعتقد أنها ستستند إلى وعود مالية سعودية إماراتية، أن لبنان سيكون تحت الضغوط الغربية والخليجية لعدم الانخراط في مواجهة الخطة الأميركية وبدء التعامل بمرونة مع مشروع توطين اللاجئين الفلطسينيين مقابل استعداد أميركي خليجي للمساهمة بتمويل يساعد بإنعاش الوضع المالي والاقتصادي المأزوم في لبنان. وأضافت المصادر أن السلطة الفلسطينية ستتعرّض لضغوط مشابهة، ومثلها سيكون كل من تركيا وقطر تحت ضغط أميركي لاستخدام تأثيرهما على حركة حماس لصالح خطة ترامب، لكن المصادر قالت إن المشكلة التي لا يقيم لها مهندسو خطة ترامب حساباً هي أنه من دون تغيير ميزان القوى العسكري بين أميركا وإيران من جهة، وبين «إسرائيل» وقوى المقاومة من جهة أخرى، فإن ما ستفعله الضغوط هو دفع القوى التي تقف في منتصف الطريق للاقتراب أكثر من إيران وقوى المقاومة.
المسار الحكومي في لبنان الذي يحتمي بكون الحكومة لم تنل الثقة بعد للابتعاد عن مواقف يخشى أن تتسبّب بمزيد من الفتور بين الحكومة والحكومات الخليجية والإدارة الأميركية، بقي في دائرة النقاشات التمهيدية لإنجاز البيان الوزاري من جهة ورسم خريطة طريق لمواجهة الوضعين المالي والاقتصادي من جهة أخرى، لكن مصادر متابعة قالت إن الحكومة ولو كانت في وضع تصريف أعمال، فإن هذا لا يُعفيها من إعلان موقف سياسي يعبر عن الثوابت اللبنانية التي تستهدفها خطة ترامب طالما ترتكز على تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم بالعودة عبر السعي لتوطينهم في أماكن اللجوء، وطالما أن الموقف الفلسطيني موحّد ضد صفقة القرن، ولبنان ملتزم بالقضية الفلسطينية فلا مجال للموقف الرمادي، كي لا يُعطى انطباع خاطئ مضمونه أن الأزمة المالية في لبنان تفتح الباب لمقايضة التوطين بالأموال، كما كان عرض ترامب على الفلسطينيين بمقايضة الحقوق بالأموال.
وبُعيد إقرار موازنة 2020، أفادت المعلومات أن اليوم هو يوم ماراتوني اقتصادي في السراي الحكومي يتضمن لقاءات مع حاكم مصرف لبنان وممثلين عن البنك الدولي والوزراء المختصين وخبراء لوضع تصوّر لحلول الازمة المالية والاقتصادية. وتبدأ الاجتماعات صباحاً وبشكل مكثف ومتتالٍ، حيث سيقدم ممثلو البنك الدولي كما غيرهم تصوراً لرؤيتهم في ما خصّ معالجة الأزمة المالية. وينتهي الاجتماع بوضع خارطة طريق اقتصادية مالية يُعتمد عليها كأرضية أساسية في البيان الوزاري في الشق المالي الاقتصادي.
وبدت لافتة أمس، اللقاءات على الساحة المالية والنقدية، إذ بحث رئيس الحكومة مع رئيس جمعية المصارف سليم صفير يرافقه مستشاره أنطوان حبيب، في مجمل الأوضاع المالية والمصرفية. وعرض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا مع وزير المال غازي وزني الأوضاع المالية وخطة عمل الوزارة في المرحلة المقبلة. وأطلع وزني رئيس الجمهورية على نتائج لقاءاته مع المسؤولين في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الذين أكدوا دعم لبنان ومساعدته في المجالات التي يحتاجها. كما أجرى وزني مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في الوزارة، جولة أفق تناولت مواضيع الساعة المالية والنقدية والمصرفية.
أما على صعيد البيان الوزاري فالنقاشات توحي أن اجتماعات لجنة صياغة البيان الوزاري برئاسة رئيس الحكومة حسان دياب مستمرة حتى نهاية الأسبوع، ولفتت مصادر متابعة لـ”البناء” الى ان الجلسات سوف تتكثف حتى يوم السبت، ولو اضطرت اللجنة لعقد جلسة يوم الأحد برئاسة دياب والهدف هو الإسراع في مناقشة البيان الوزاري ونيل الحكومة الثقة الأسبوع المقبل لتنصرف الى عملها بأسرع وقت، مع تشديد المصادر الى أن البيان الوزاري في الشق السياسي والاستراتيجي سيكون أشبه بنسخة طبق الأصل عن بيان الحكومة السابقة لا سيما في ظل التطورات الإقليمية التي تفرض نفسها ولا تسمح لأحد من المعنيين إجراء أي تعديل في مسألة مقاومة “إسرائيل”، مع إشارة المصادر الى ان النقاش راهناً خلال الاجتماعات يتركز على الشقين النقدي – المالي والاقتصادي – الاجتماعي.
وفي السياق نفسه، أشارت مصادر مطلعة لـ”البناء” الى انه امام الحكومة ثلاثة او اربعة أشهر لتحقيق إنجازات، وإلا فانها ستكون معرضة للمطالبة بالاستقالة من الشارع ومن القوى السياسية الداعمة لها وغير الداعمة، لافتة الى ان محاولة الحكومة استنساخ خطة ماكينزي ليست جيدة، فعلى الحكومة وضع خطة طوارئ اقتصادية إنقاذية من اجل ان تكسب الثقة المحلية قبل الدولية وتخفيض سعر الدولار، خاصة أن الجميع يعلم بحسب المصادر نفسها أن الموقف الاميركي حتى الساعة من هذه الحكومة ليس ايجابياً. وبالتالي فإنه قد يقف عائقاً أمام الكثير من المساعدات الأوروبية، وبالتالي على لبنان الإسراع في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة للحصول على مساعدات سيدر لا سيما أن فرنسا تبدي استعداداً لدعم لبنان.
وليس بعيداً عن هذا، تشير مصادر مطلعة إلى ما يرشح حتى الساعة من مصادر دبلوماسية أن واشنطن ستواصل سياستها القاسية تجاه لبنان، لافتة الى أن الإدارة الأميركية لا تزال تتذرّع بأن ما أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه في لبنان سببه حزب الله وأن التحركات في لبنان أسوة بالعراق جاءت اعتراضاً على حزب الله وإيران وضدّهما، مع إشارة المصادر في هذا السياق إلى ترقب عند المرجعيات الرسمية الأساسية للموقف الأميركي الذي يتسم بالكثير من الغموض، لافتة إلى أن السياسة الأميركية توحي أن الضغط الأميركي على لبنان مرده فقط ملف الفلسطينيين. فواشنطن سوف تربط دعم لبنان وتخفيض ديونه مقابل التوطين. وإذ لفتت المصادر الى أن هذا المخطط لا يمرّ في لبنان لاعتبارات كثيرة، دعت إلى ترقب الموقف العربي من صفقة القرن التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب يوم أمس.
إلى ذلك تلقى الرئيس حسان دياب تهنئة عربية من أمير الكويت صباح الاحمد الجابر الصباح بتشكيل الحكومة، وبحث دياب مع السفير المصري في لبنان ياسر علوي الأوضاع في لبنان والعلاقات الثنائية.
واعتبر السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسبيكين أن تشكيل الحكومة خطوة إيجابية في سبيل اتخاذ الإجراءات العاجلة لتحسين الأوضاع المعيشية، ووقف الانهيار وإجراء الاصلاحات لمصلحة الشعب اللبناني. وشدّد خلال لقائه رئيس الحكومة حسان دياب في السراي الحكومي على أن المطلوب حماية الأمن والاستقرار وأن تساهم الأطراف الخارجية مساهمة بناءة في سبيل خلق الأجواء المناسبة لعمل الحكومة والمشاركة في عملية إنقاذ البلد.
وشدّد المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش بعد لقائه وزير الخارجية ناصيف حتي على أهمية الاستماع الى مطالب الشعب وأن تعمل الحكومة الجديدة على تجسيد هذه المطالب وأن تلتزم بالتعهدات الاساسية وتنفيذ القرارات الدولية والاستمرار في سياسة النأي بالنفس، إضافةً الى بحث تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان أبرزها القرار 1701. وتبلّغ حتي استعداد المملكة المتحدة لمساعدة لبنان للخروج من الأزمة الاقتصادية وذلك خلال اتصال تلقاه من الوزير البريطاني للشرق الأوسط اندرو موريسون، الذي هنّأه على “توليه منصبه الجديد وتمنى له التوفيق في مهامه في هذه الظروف الصعبة، كما تطرقا للأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وانعكاسها على لبنان”.