25 يناير خطوط تماس وخطوط فاصلة!
د. محمد سيد أحمد
مرت علينا خلال هذا الأسبوع الذكرى التاسعة لثورة 25 يناير 2011 المصرية كما يصفها ويحددها الدستور المصري في مقدّمته وديباجته الأولى، وعلى الرغم من مرور تسع سنوات على هذا الحدث إلا أن هناك جدلاً كبيراً لم يُحسَم بعد حول توصيفها، وعلى الرغم من تأكيد الدستور على أنها ثورة ما زال كثير من المسؤولين الحكوميين ينكرونها ويصفونها بأوصاف كثيرة أقلها أنها نكسة، وعلى الرغم من أن ذلك يعد خرقاً للدستور ومخالفة تستوجب المحاسبة والعقاب إلا أن هذه المخالفات تحدث يومياً وعلى مرمى ومسمع من القانون وأهله من دون أن يتحرك لهم ساكن.
وبالطبع هذا الحدث الكبير الذي هزّ العالم بأكمله يستحقّ التأمل ففي الوقت الذي خرج زعماء العالم للإشادة بالحدث. فقال رئيس الولايات المتحدة الأميركية «يجب أن نربي أبناءنا ليصبحوا كالشباب المصري»، وأكد رئيس وزراء بريطانيا «يجب أن ندرس الثورة المصرية في المدارس»، وأشار رئيس وزراء ايطاليا إلى أنه «لا جديد في مصر فقد صنع المصريون التاريخ كالعادة»، وعبّر رئيس وزراء النرويج «اليوم كلنا مصريون»، وقال رئيس النمسا «شعب مصر أعظم شعوب الأرض ويستحقّ جائزة نوبل للسلام».
وعلى المنوال نفسه نسجت شبكات الأخبار العالمية شهادتها حول الحدث. وكان أبرزها ما قالته «سي أن أن» «لأول مرة في التاريخ نرى شعباً يقوم بثورة ثم ينظف الشوارع بعدها». هذا أهم ما جاءت به الشهادات الغربية عن 25 يناير 2011 في مصر للمغرَمين بشهادات الخواجات.
أما تأمّلنا نحن فيجب أن ينحى منحىً آخر أقرب للتقييم العلمي للحدث. وهو ما يجعلنا نؤكد أن هناك العديد من خطوط التماس مع المفهوم الحقيقي للثورة، كما أن هناك خطوطاً فاصلة تبعدنا عن جوهر الثورة أيضاً. وفي هذا الشأن يجب التأكيد أيضاً على أنه لا يوجد تعريف جامع مانع لمفهوم الثورة في أدبيات العلوم الاجتماعية والسياسية، لذلك يتوجب علينا تحديد مفهومنا للثورة قبل بدء عملية تقييمها. وفي هذا الإطار نحن أميل لذلك التعريف الذي يحدّد الثورة بأنها «الفعل الذي يحدث تغييراً جذرياً إيجابياً في بنية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية». وبناءً على هذا التعريف يمكننا أن نقيم الحدث ونرسم خطوط التماس والخطوط الفاصلة مع الثورة.
وفي ما يتعلّق بخطوط التماس مع الثورة فكل المقدمات التي حدثت قبل 25 يناير تقربها من الثورة، حيث تدهورت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للغالبية العظمى من الشعب المصري في ظلّ عجز النظام السياسي عن إيجاد حلول للمشكلات المتفاقمة، وفي ظلّ تكلس سياسي وجمود وعدم وجود أفق سياسي ديمقراطي يسمح بعملية التغيير وتداول السلطة. هذا إلى جانب انهيار منظومة القيم الثقافية، كل هذه المقدمات دفعت الجماهير للخروج منتفضة في وجه السلطة السياسية في 25 يناير مطالبة وبشكل سلمي تغيير الأوضاع المتردية وفي ظل عدم استجابة السلطة تطورت المطالب حتى وصلت للمطالبة برحيل الرئيس ورموز نظامه، وهو ما تحقق بالفعل يوم 11 فبراير 2011 وبالطبع يمكننا التأكيد على أن ما حدث حتى تلك اللحظة هو فعل ثوريّ حقيقيّ فكل الخطوط التي رسمت هي خطوط تماس مع مفهوم الثورة.
أما ما تمّ بعد عودة الجماهير الشعبية لبيوتها بعد تنظيف الشوارع والميادين، فيرسم خطوطاً فاصلة مع الثورة ويقف ما حدث عند حدود الانتفاضة الشعبية، حيث ظهرت جماعة الإخوان الإرهابية لصدارة المشهد وحاولت الضغط بقوة لفرض أجندة المشروع الأميركي – الصهيوني على المجتمع المصري بهدف تقسيم وتفتيت مصر ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير، وبالطبع كانت الجماهير الشعبية تنتظر التغيير الجذري الإيجابي في بنية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية عبر سياسات جديدة مبتعدة عن سياسات التبعية للنظام الرأسمالي العالمي، لكنها وبفعل ما حدث من استيلاء الجماعة الإرهابية على الحكم لم يتمكن الشعب من تحقيق أحلامه في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. وهو ما يعني أن الحدث الثوري توقف عند رحيل مبارك ورموز نظامه من دون أن يحدث التغيير المطلوب وهنا ترسم الخطوط الفاصلة مع الثورة.
وبالطبع هذا التقييم العلمي لا يتجاوز حدود 25 يناير المصرية المختلف عليها الآن من قبل غالبية من شارك بها ويؤكد أنها ثورة حقيقية ومنجزة، وبين المختلف معها ويحاول وصمها بالعار. وهذا بالطبع غير حقيقي فكل المقدّمات وحتى رحيل مبارك تؤكد أنها ثورة فعلية، أما ما تلى ذلك فهو السبب في تعطيل عملية التغيير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي الإيجابي الذي يُعدّ فاصلاً في الحكم على أي ثورة، ويضع 25 يناير في خندق الانتفاضة الشعبية التي لم تتمكن من تحقيق أهدافها المحقة والمشروعة. وبالتالي فهي ثورة غير منجزة.
أما محاولات البعض خلط الأوراق بإطلاق مفهوم الربيع العربي على الأحداث في تونس ومصر واليمن وليبيا وسورية فهذا عبث. فعملية تقييم الأحداث لا يمكن أن تكون بالجملة. فالظروف البنائية والتاريخية لكل مجتمع تفرض تقييماً مختلفاً. فالمقدمات والنتائج في كل دولة تختلف عن الأخرى فمثلاً المقدمات والنتائج في ليبيا تضع خطوطاً فاصلة مع مفهوم الثورة وتقربها من المؤامرة التي تحوّلت إلى غزو عسكري بهدف الاستيلاء على ثرواتها. والمقدّمات والنتائج في سورية ترسم خطوطاً فاصلة مع مفهوم الثورة وتقودنا لتوصيفها بالمؤامرة الكونية عليها بهدف تقويض دعائم المشروع التنموي المستقل المعتمد على الذات والمقاوم لكل أشكال الهيمنة الأميركية – الصهيونية، لذلك نعد القارئ بدراسة نعكف عليها الآن لتقييم ما حدث تحت مسمّى الربيع العربي المزعوم في كل من تونس ومصر واليمن وليبيا وسورية، وسوف تعتمد الدراسة على استطلاع رأي النخب العربية الوطنية حول ما حدث في مجتمعاتهم في تلك الفترة، اللهم بلغت اللهم فاشهد.