«صفقة القرن»… الردّ آتٍ لا محال
} ليليان العنان
منذ تولي دونالد ترامب «عرش» الرئاسة الأميركية وهو يتطلع إلى اليوم الذي يعلن فيه قراره نشر خطته لتسوية الأوضاع الفلسطينية المعنوَنة بـ «صفقة القرن» أمام العالم أجمع، ولم يكن ذلك مفاجئاً لا بالنسبة للفلسطينيين ولا بالنسبة للعرب الذين ينتظرون مثل هكذا قرار متوقع من ترامب، خاصة بعد إعلانه في ٦ كانون الاول/ ديسمبر ٢٠١٧ أنّ القدس «عاصمة» للكيان الإسرائيلي، متناسياً بذلك حق فلسطين والأمة بكلّ الأرض وأولها العاصمة القدس، عاصمة الأرض والسماء…
قرار فيه استمرار لسلب الفلسطينيين حقوقهم واستكمال لمخطط بدأ منذ عقود مع وعد بلفور الشهير، وبعده النكبة عام ١٩٤٨ ثم النكسة عام 1967، وصولاً إلى اليوم مع الحصار الاقتصادي والسياسي والجغرافي الذي يعيشه الفلسطينيون.
هذه الخطة التي سُمّيت خطة «السلام في الشرق الأوسط» أبرمت بمشاركة ومباركة بعض الحكام العرب الذي يقع عليهم واجب الدفاع عن وحدة فلسطين كدولة عربية في محيط عربي يغزوها احتلال غاصب لحرمتها وأعرافها وقوانينها وأراضيها.
مساء يوم الثلاثاء ٢٨ كانون الثاني الحالي، أعلن دونالد ترامب في مؤتمر صحافي عُقد في البيت الأبيض «صفقة القرن» التي تتضمّن في مضمونها بنوداً عامة وشاملة وهادفة لسلب الحق الفلسطيني أكثر وإعلاء الدور الإسرائيلي في المنطقة العربية. هذه البنود التي تتحدث عن تأمين الحماية الأمنية لـ «الإسرائيليين» وعن تثبيت وجودهم أكثر على الأراضي الفلسطينية، وبحسب توصيفه «أنّ إسرائيل دولة مثلها مثل فلسطين لها حقوق وواجبات وحدود وعاصمة»…
فكيف سينظر العرب إلى هذه الصفقة؟ والأهمّ كيف سيتلقى الفلسطينيين هذا الظلم الذي لحق بهم مرة ثانية وثالثة وعاشرة؟
وما هي الخطوات التي من المفترض أن يقوم بها العرب لحماية ما تبقى من فلسطين، وللحفاظ على عروبتها وحقها في أرضها؟
بالتأكيد فإنّ المجتمع الدولي وخاصة الدول التي لها علاقات مميّزة مع الإدارة الأميركية كبريطانيا وفرنسا وغيرها أو ما يمكن أن نسمّيهم «التحالف الدولي» والذي يضمّ أيضاً دولاً عربية مثل السعودية، الإمارات، الأردن، البحرين، قطر، مصر وغيرها ممّن سهّلوا إبرام بنود هذه الصفقة، لا بل أكثر من ذلك فقد عملوا على الإسراع في إعلانها دون التطلع إلى رغبات الشعب الفلسطيني، ودون حتى النظر في التبعات التي ستنتج عن صفقة كهذه تُعتبر عاراً على العرب وعلى تاريخهم وثقافتهم وثرواتهم وآثارهم وقوميتهم.
فالعرب الذين صادقوا على الاتفاق الأميركي ـ الإسرائيلي حيال صفقة القرن لم يضعوا أمامهم سوى حماية مصالحهم أنظمتهم السياسية والاقتصادية في المنطقة، ولو أنّ ذلك تمّ عبر دفع أموالهم لإمبراطور البيت الأبيض مقابل تأمين الحماية لهم ولعروشهم، فيما هناك من يستغلّ حماقاتهم لحماية نفسه هو الآخر أمام الشعب الأميركي.
فهذه الصفقة إذا ما أردنا توصيفها خاصة قبيل انطلاق الحملات الإنتخابية الأميركية، هي مفتاح بيد ترامب للتحضير جيداً لكسب الشارع الأميركي من جديد بعد كمّ الفضائح التي أحاطت ولايته الأولى منذ بدئها حتى اليوم، من خلال سياساتها الداخلية وحتى على مستوى السياسة الخارجية وعلاقته المتورة مع إيران خاصة في الآونة الاخيرة وما جرى من توتر بينهما بفعل قرار ترامب المجنون باغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الفريق قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهما، كلّ ذلك وغيره كان هدف إعلان الصفقة في الوقت الحالي لاسترجاع ترامب جزءاً من شعبيته في الشارع الأميركي.
كذلك نتانياهو الذي هو الآخر متهم بالعديد من قضايا الفساد التي أنهت ثقة المستوطنين الإسرائيليين به، إضافة لسياساته العدوانية والغبية في المنطقة .
ولكن لا بدّ من طرح بعض بنود صفقة العار هذه والتي نصت على:
ـ موافقة «إسرائيل» على التفاوض على أساس خريطة مفصّلة.
ـ موافقة «إسرائيل» على إقامة دولة للفلسطينيين تعتمد على الاتفاق الأمني لحماية «الإسرائيليين».
ـ القدس عاصمة للكيان «الإسرائيلي».
ـ توطين الفلسطينيين في دول لجوئهم .
إضافة إلى الكثير من البنود المجحفة بحق الفلسطينيين الذين يرفضون هذه الصفقة من جذورها، وبالتالي عدم الاعتراف بها، إذ بات يتوجب على العرب الفعليين الذين يحملون في ذاتهم الفكر القومي المقاوم لكافة أشكال الظلم التصرف بوعي وعقلانية لإنهاء خطة ترامب ورميها في مزبلة التاريخ، وعدم السماح لأيّ جهة كانت بتنفيذ ما ورد فيها.