خطران على لبنان من «صفقة القرن»: التوطين والحدود ومخاوف من العبث بأمن «مخيمات» اللجوء والنزوح
محمد حميّة
أسبوع مرّ على ولادة الحكومة الجديدة، وهي تُكمِل استعداداتها للمثُول بعد أسبوع أمام المجلس النيابي مع بيانها الوزاري لنيل الثقة النيابية، إلا أن الوقائع الإقليمية والدولية تسابق نيلها الثقة والانطلاق للعمل المضني لمواجهة الأزمات المتنوّعة. فالإعلان الأميركي الاسرائيلي عن صفقة القرن وإن كان متوقعاً ومنسّقاً مسبقاً مع أنظمة عربية وخليجية، لكنه أحدث صدمة مدوّية لأغلب دول وحكومات وشعوب المنطقة وحركات المقاومة فيها.
فلم يكد لبنان يتنفّس الصعداء من موجهة الأحداث الأمنية والسياسية التي شهدها في الآونة الأخيرة ويعكف رئيس حكومته على عقد ورشة اقتصادية في السرايا الحكومية، حتى نزلت عليه “مصيبة القرن” التي ستترك تداعيات خطيرة على دول المنطقة ومن بينها لبنان الذي يحتضن مئات آلاف النازحين ويعاني من نزاع حدوديّ مع “اسرائيل” على حدوده مع فلسطين المحتلة.
وأبدت مصادر مطلعة لـ”البناء” خشيتها من تداعيات صفقة القرن على لبنان، مشيرة الى خطرين: الاول يتعلق بتوطين حوالي نصف مليون فلسطيني في لبنان مقابل مساعدات مالية بـ 6 مليارات ونصف على خمس سنوات، الأمر الذي لن يقبل به لبنان حكومة وشعباً ومقاومة مع موقف فلسطيني رافض، فضلاً عن ان الدستور اللبناني يمنع ذلك. أما الخطر الثاني بحسب المصادر فهو الحدود، حيث إن صفقة القرن مرفقة بخريطة لا تعترف بحدود لبنان الدولية بل تعتبرها حدوداً مؤقتة أو خط هدنة ما يوحي بأن اسرائيل تريد التفاوض مع لبنان لترسيم الحدود النهائية؛ الأمر الذي يؤثر على حدود لبنان المائية والنفطية والغازية. وتوقعت المصادر اشتداد وطأة الضغوط الأميركية الدولية على لبنان وتربط بين الأحداث السياسية والأمنية والمالية التي شهدها لبنان منذ حوالي سنة وما تخلله بعد 17 تشرين الاول الماضي وبين التخطيط للإعلان الاميركي الاسرائيلي عن الصفقة، مشيرة الى أن أحداث لبنان الاخيرة كانت مرحلة تمهيدية لفرض الصفقة كأمر واقع على لبنان. وهذا مضمون التدخل الاميركي الذي تحدثت عنه قيادات المقاومة مرات عدة، وعلى رأسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، باستغلال التحركات الشعبية والأزمات المالية والاقتصادية لفرض شروط سياسية”.
فهل يؤثر الإعلان عن “الصفقة” على صيغة البيان الوزاري وسياسة حكومته؟ وهل سيدفع فريق المقاومة للتشدّد في بند المقاومة انطلاقاً من أن لبنان بات بحاجة أكثر لسلاحها في مواجهة مؤامرة التوطين وسرقة ثرواته؟ وتشير مصادر مطلعة على موقف المقاومة لـ”البناء” الى أن “تضمين البيان لدور المقاومة في التحرير والدفاع أمر محسوم، والبند المتعلق بالمقاومة اتفق عليه قبيل تأليف الحكومة ولن يكون مصدر خلاف، فأحد من الأطراف يعارض هذا البند او الصيغة المتفق عليها، والمواقف الرسمية التي صدرت أمس، سواء من رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة ووزير الخارجية والقوى السياسية كافة تشكل ضمانة أيضاً وترسم وحدة وطنية رفضاً للتوطين”، وعلمت “البناء” أن “الرئيس دياب أجّل البحث بموضوع بند المقاومة الى ما بعد الانتهاء من الشق الاقتصادي والمالي، وذلك كي لا يؤثر الشق السياسي في البيان على البنود الأخرى”. وبرأي مصادر مراقبة فإن “الحكومة وإن كان أغلب وزرائها من الاختصاصيين، لكنها ستجد نفسها قريباً أمام تحديات كبيرة ستجبرها لاتخاذ قرارات سياسية إزاء الملفات والأخطار الإقليمية لا سيما مواجهة صفقة القرن بالوسائل المتاحة”.
لكن الإشكالية، بحسب ما قالت مصادر سياسية مطلعة لـ”البناء” تكمن في استغلال الدول الغربية لا سيما أميركا للظروف الاقتصادية والمالية والشعبية في لبنان وطرح مقايضة عليه: المساعدات المالية مقابل توطين اللاجئين في لبنان، متوقعة حالة من التوتر في الأسابيع المقبلة، ولفتت الى أن “ما يُقلق المسؤولين في لبنان هو العبث بأمن مخيمات اللجوء والنزوح السوري أمنياً، لإشعال الفوضى لفرض توطين اللاجئين في لبنان وإبقاء النازحين فيه حتى إشعار آخر”.
لكن مصادر أمنية فلسطينية تشدّد لـ»البناء» على أن المخيمات لن تقع في فخ الفتنة، ولن تكون سلاحاً لضرب الاستقرار اللبناني، بل ستعمل مختلف الفصائل يداً واحدة لدرء الفتنة وإسقاط المخطط الأميركي «الإسرائيلي»، مشيرة الى أن «كل الأطراف الفلسطينية متفقة وموحدة على حماية الاستقرار اللبناني وحق العودة للاجئين الفلسطينيين الى ارضهم». وفي موازاة ذلك لاحظت جهات أمنية تراجعاً كبيراً في الزخم الشعبي والحضور في الساحات وانكفاء قادة الحراك من أشخاص مشبوهين ووسائل إعلام وجهات مالية وأمنية وحزبية تاركين بعض المجموعات الصغيرة المشتتة بين الساحات في وسط بيروت والتي باتت عبئاً على الأمن والاقتصاد اللبناني، ولوحظ اتخاذ الأجهزة الأمنية إجراءات مشددة لضبط الأمن وإعادة فتح كافة الطرقات من ضمنها طريق ساحة الشهداء، كما لوحظ توقيف القضاء لبعض المحرّضين والمعتدين على الأملاك العامة والخاصة تحت عنوان «حرية التظاهر» ولفتت الجهات الأمنية لـ»البناء» الى أن «هناك قراراً سياسياً وأمنياً حاسماً بإنهاء مظاهر الفوضى التي رافقت اندلاع الاحتجاجات من مسّ بالمواطنين والأملاك الخاصة والعامة وقطع الطرقات»، مشيرة الى أننا ومع تأليف حكومة جديدة سنكون أمام مرحلة أمنية جديدة ستفرض الأمن ولو بالقوة مع حماية حق التظاهر السلمي».