ترقّب لبيان الجامعة العربية غداً في ظل الرفض الفلسطينيّ لصفقة القرن… والضغط الأميركيّ بري يحذّر من فتنة سيكشف المتورّطين فيها… والبيان الوزرايّ يؤكد رفض التوطين تحسّن أسعار السندات في الخارج… وحسم أمر صندوق النقد… وخطة ماليّة مصرفيّة تتبلور
} كتب المحرّر السياسيّ
المواجهة مع صفقة القرن وتداعياتها محسومة فلسطينياً، وأول اختبار عربي للتعامل مع الموقف الفلسطينيّ سيكون غداً عند انعقاد مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية، حيث الضغوط الأميركيّة تتركّز على ضمان عدم صدور موقف سلبيّ من الصفقة، وتدعو لتوجيه الإشادة للمساعي الأميركية التي عبّر عنها الرئيس دونالد ترامب وفريق عمله، وتتقبّل تضمين الموقف العربي تذكيراً بالمبادرة العربية للسلام كأساس للنظرة العربية للتفاوض، لكنها تختم بدعوة الفلسطينيين لقبول التفاوض على أساس مرجعيّات متعدّدة، هي القرارات الدولية والمبادرة العربية وخطة الرئيس ترامب، لأن المطلوب أميركياً هو في النهاية جلب الفلسطينيين للتفاوض مع الإسرائيليين، بعد إعلان الصفقة والتسليم باعتبارها واحدة من مرجعيات التفاوض لأنها في ظل الرفض الإسرائيليّ لسائر المرجعيات سيتكفّل القبول الفلسطيني باعتبارها إحدى مرجعيات التفاوض وتحوّلها مرجعية وحيدة مقبولة من الطرفين، وسيكون كافياً هذا القبول الفلسطيني لكسر الوحدة الوطنية التي تجلّت بعد الإعلان عن الصفقة. وقالت مصادر فلسطينية إن هناك توافقاً بين الفصائل والسلطة الفلسطينيّة على اعتبار معيار وشرط مواصلة الحوار والعمل معاً، هو الرفض القاطع لكل شكل من أشكال التعامل مع صفقة القرن ولو بالإيحاء، والإصرار على موقف عربي يرفض اعتبار المشروع الأميركي غير صالح للتفاوض، وإلا فإن اللاموقف والخلاف أفضل من موقف مائع. وكانت الصحافة الإسرائيليّة والأميركيّة قد تولّت الكشف عن شراكات عربيّة خليجيّة وغير خليجيّة في تسويق الصفقة، وجاء الحضور العربي للإعلان عنها يؤكد ذلك، ومثلها مواقف عواصم عربية كالقاهرة والرياض وأبو ظبي والمنامة دعت الفلسطينيين للتفاوض على أساس الخطة الأميركيّة، ويترقب الجميع نتائج اجتماع الجامعة العربية بين فرضيّتين، ليس بينهما قبول التفاوض رغم ما سيحاوله وزراء خارجية الدول التي تعتمد عليها واشنطن لتسويق الصفقة: الفرضيّة الأولى هي تأجيل الموقف للقمة العربيّة المقبلة بعد تكليف الجامعة استطلاع تفاصيل الصفقة وخلفياتها ومواقف الدول الفاعلة منها كمبرر لتأجيل مع بيان داعم لحقوق الشعب الفلسطيني وللمبادرة العربية للسلام. والفرضية الثانية هي تكليف وفد وزاري بزيارة واشنطن والعواصم الكبرى والأمم المتحدة لبلورة مقترحات تتيح إمكانية الحصول على موافقة أميركية وإسرائيلية باعتبار خطة ترامب والمبادرة العربية للسلام أساساً مشتركاً للتفاوض. وهو الأمر الذي سيعني عملياً مرة أخرى إدخال الصفقة من الشباك بعد إخراجها من الباب. وفي حال قبول هذه الفرضية من الوفد الفلسطينيّ تكون الخطوة الأولى لتمرير الصفقة قد نجحت، لأن التفاوض سيتكفّل بتفكيك الوحدة الفلسطينية من جهة، ولأن التفاوض سيتكفل بتحويل الدمج بين المبادرة العربية للسلام وصفقة القرن، تأجيلاً للتفاوض على مصير القدس واللاجئين والحدود، والحديث عن البدء بتنفيذ ما هو متفق عليه، وهو ما ورد في الصفقة من منح الفلسطينيين مجموعة بلديات تحت الاحتلال تسمّى زوراً بنواة الدولة الفلسطينية وعاصمتها المؤقتة في جوار القدس.
لبنان الذي سيحضر عبر وزير خارجيته ناصيف حتي الاجتماع العربي سيحاول السير بين النقاط، منعاً للتصادم مع موقف خليجي يسعى لتسويق الصفقة بالسير بين النقاط أيضاً، ولذلك سيكتفي حتي بالتمسك بالمبادرة العربية للسلام وإعلان رفض التوطين. وهو ما أشارت مصادر متابعة للبيان الوزاريّ إلى أن فقرات منه حول القضية الفلسطينية والتوطين ستشكل البنية الرئيسية لكلمة لبنان. ورأت مصادر سياسية أنه ربما يكون من أهم نتائج الأزمة المالية التي ولدت في مناخ العقوبات الأميركية وما كشفته من هشاشة النظام المصرفي وضعف البنية الاقتصادية، هو تعقيم الموقف اللبناني من أي خيارات مواجهة للمشروع الأميركي، وجعل النبرة بوجه التوطين خافتة وأقرب لرفع العتب وتسجيل الموقف، خشية الغضب الخليجي والأميركي وما تخشاه الحكومة من ترجمة هذا الغضب مالياً، وتحميلها مسؤولية هذا العقاب المالي أمام اللبنانيين.
سياسياً، كان كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري الموجّه لأعضاء حركة أمل واللبنانيين تحذيراً من الفتنة التي يجري الإعداد لها، وتعهّده بكشف المتورّطين فيها في وقت مناسب قريب، مفاجئاً للوسطين السياسي والإعلامي، ربطته مصادر متابعة للملف الأمني بوجود معلومات موثقة لدى رئيس المجلس حول خطة موضوعة منذ شهور وتنظيم مبرمج لتنفيذها، ومجموعات تلقت تمويلاً وتدريباً لأداء دورها فيها. وهدف الخطة هو إشاعة الفوضى وضرب هيبة المؤسسات الأمنية، واستغلال أي أحداث احتجاجية لتحويلها إلى فرصة للتصادم مع حركة أمل وجرّها إلى الشارع لاستدراج شوارع مقابلة، وجعل الفوضى الأمنيّة مدخلاً لفرض شروط تفاوضية، بعضها يتصل بملف النفط والغاز، الذي يتولاه بري.
حكومياً، مع مواصلة الاجتماعات الخاصة بصياغة البيان الوزاريّ، قالت مصادر على صلة بالنشاط الحكومي، إن أمر اعتماد صندوق النقد الدولي كعنوان لمواجهة الوضع المالي قد حسم سلباً، مع الاكتفاء بطلب المساعدة التقنية للصندوق لجهة تقديم الاستشارات، والتصديق على بعض الحلول التي تعتمدها الحكومة وتلقى قبول الصندوق للمساعدة في تسويقها. وقالت المصادر إن الأجواء الإيجابية التي أشاعتها الاجتماعات المالية والمصرفية التي يقودها رئيس الحكومة حسان دياب وما تسرّب من نتائجها للجهات المالية الدولية خلقت انطباعاً عن الجدية في مواجهة الأوضاع المالية، انعكست تحسناً ملموساً في أسعار فائدة السندات اللبنانية في الخارج قارب الخمسة سنتات بعد انخفاض بحوالي ثلاثة سنتات مطلع الأسبوع. وأكدت المصادر أن الخطة المالية الجديدة تعتمد على محاور تطال تنظيم السحوبات وضمان الودائع وتتعامل بأسلوب جديد مع أسعار الصرف، وأسعار الفوائد، والضرائب على أرباح المصارف وسندات الخزينة، وتقدّم أجوبة على الاستحقاقات المالية القريبة، التي باتت شبه محسومة تغطيتها بعمليات «سواب» توافقيّة مع الدائنين أنجزت عملياً. وهذه العملية يفترض أن تريح الاحتياط المالي لمصرف لبنان، وترجئ استحقاقات السندات.
وفي ضوء إعلان صفقة القرن وترقب محلي لتداعياتها على لبنان والمنطقة، وجّه رئيس مجلس النواب ورئيس حركة أمل نبيه برّي رسالة الى الحركيّين ومن خلالهم الى جميع اللبنانيين، عن صفقة القرن، جاء فيها «لأن الوطن الذي بذلتم من أجله أغلى ما تملكون شهداء وجرحى وما بدّلتم تبديلاً، تدبَّر له فتنة عمياء، أنتم الأجدر والأولى مع جميع اللبنانيين المخلصين، العمل على وأدها في مهدها وفي انتظار اللحظة التي باتت قريبة لكشف مدبّريها». ودعا برّي مناصريه «إلى الهدوء وكظم الغيظ والصبر على الأذى وإلى ترك الشارع لمن اختاره سبيلاً للتعبير عن رأيه، أو للمطالبة بحقوقه المشروعة، أو حتى للأسف لمن تسلل إلى الشارع مستخدماً إياه منصة للافتراء والتجني». مضيفاً: «اتركوه لهم، وابقوا في أمكنتكم التي تشمخ بحضوركم فيها.. كونوا حيث أرادكم الإمام الصدر.. في الداخل دعاة حوار.. وعلى الحدود مقاومين في مواجهة عدوانية «إسرائيل» حماية وذوداً عن الأرض والإنسان من أجل أن يبقى لبنان وطناً نهائياً لجميع أبنائه. واعلموا أنه كلما كثرت الطعنات من الخلف، أنتم في المقدمة وفي المكان الصحيح».
على صعيد آخر، واصلت اللجنة الوزارية لصياغة البيان الوزاري اجتماعاتها في السرايا الحكومي لإعداد البيان، ونقلت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد بعد انتهاء جلسة الأمس، عن رئيس الحكومة حسان دياب، قوله إن «اللجنة قطعت شوطاً كبيراً في طريق إنجاز البيان، مشدّداً على المتابعة بالنشاط نفسه، للانتهاء من صياغة البيان قبل نهاية هذا الأسبوع، قبل عرضه على مجلس الوزراء مطلع الأسبوع المقبل لإقراره، تمهيداً لطلب نيل الثقة من مجلس النواب، ومنوّها بالجهود المبذولة من قبل أعضاء اللجنة». وأشارت عبد الصمد إلى أن اليوم سيشهد ورشتي عمل، واحدة اقتصادية، والثانية قضائية رقابية. ولفتت الى أن «اللجنة تلقت بارتياح الأنباء عن القفزة القياسية لأسعار السندات المستحقة للبنان والتي بلغت 4 سنتات فاصل واحد. وستستمر في مناقشة بنود البيان الوزاري، والإصلاحات الواردة فيه، على أن تستكمل اجتماعاتها مساء اليوم».
وأشارت مصادر «البناء» الى أن «البيان الوزاري سيعرض على مجلس الوزراء في بعبدا الأسبوع المقبل في جلسة تخصّص لإقراره على أن يبادر رئيس المجلس النيابي لتعيين جلسة للمجلس النيابي لمناقشة البيان والتصويت على الثقة»، مشيرة الى أن «النقاش في اللجنة يتركّز على المواضيع الاقتصادية أما الشقّ السياسيّ فلن تكون هناك مشكلة حوله، ولن تؤثر المستجدات الخارجية المتعلقة بإعلان صفقة القرن على الصيغة المتفق عليها في بند المقاومة».
وفي مجال آخر، أوضحت مصادر اقتصادية لـ»البناء» أن «كلام رئيس الجمهورية ميشال عون حول الإجراءات الاقتصادية الموجعة لا تعني استهداف الطبقات الفقيرة والمتوسطة بخفض نسبة من الرواتب والأجور أو فرض ضرائب جديدة، بل إجراءات لتعزيز الجباية وخفض الإنفاق الإضافي الذي يدخل في إطار التنفيعات والمحاصصة والفساد»، لكنها أوضحت أن «الحكومة لم تحدّد بعد طبيعة هذه الإجراءات والأمر يحتاج الى دراسة معمّقة ودقيقة لكي لا تزيد الأوضاع سوءاً وانكماشاً في الاقتصاد واستفزاز الشارع مجدداًً، داعية الى البدء بسد مزاريب الهدر والفساد وفرض ضرائب على الشركات الكبرى والمصارف وضبط الفلتان في سعر صرف الدولار والإجراءات المصرفية التعسفيّة قبل الاقتراب من جيوب ذوي الدخل المحدود»، وأكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن «سعر صرف الليرة الرسمي سيبقى كما هو لمصلحة لبنان واللبنانيين». وأعلن سلامة في حديثٍ لـ»France24» أن «الفارق في سعر الصرف بين المصارف والصرافين موقت وما من «Haircut» لا الآن ولا بالمستقبل». وشدّد سلامة على أن «المودعين لن يخسروا ودائعهم وسعر الصرف سيبقى بحدود 1500 ليرة». مضيفاً أن النظام المالي في البلاد يمكن أن يُعيد تشغيله «إذا تحسّن الوضع السياسي الإقليميّ»، وإذا تلقى البلد الدعم «من المجتمع الدولي والعربي».
الى ذلك، أعلن المتحدث باسم صندوق النقد الدولي أن لبنان لم يطلب خطة مساعدة مالية من المؤسسة النقدية.
وقال جيري رايس خلال مؤتمر صحافي: «لم تقدم الحكومة اللبنانية طلباً للحصول على مساعدة مالية».
وأضاف «لكننا نقدم مساعدة تقنية»، موضحاً أن الأمر يتعلق مثلاً بتقديم استشارات في مجال الخبرات الاقتصاديّة ودعم المؤسسات».