الأمة التي تسلم نفسها للسلم تسلّم نفسها للعبودية الفلسطينيون أحفاد نبوخذ نصر وليسوا هنوداً حمر
} اياد موصللي
نحن نؤمن بأنّ السلم هو أن يسلم أعداء أمتنا بحقنا في ارضنا..
ليس بيننا وبين اليهود خلاف حدود، انّ ما بيننا وبينهم صراع وجود. هم يريدون ان ينتصروا علينا ويذلّونا ويبدأوا بطمسنا فكرياً وعقلياً وانسانياً وتحويلنا الى مجموعة تابعة مستعبدة..
رفضنا اتفاقيات السلام ليس خوفاً من السلم ولا لمحبتنا للحرب. فالسلم يجري بين جماعات خلافها مادي وعلى مفهوم سيادة او رسم حدود او سياسي على نفوذ او اقتصادي لتأمين موارد او منافع.
نحن واليهود ليس بيننا أي من هذه العناوين للخلافات وأسبابها..
نحن نؤمن بأنّ السلم هو أن يسلم أعداء أمتنا بحقنا في أرضنا ووطننا، بين عقيدتهم ومفهومهم وإيماننا هوة يريدون ان يدفعوا أمتنا بكلّ قيمها وأخلاقها وأمجادها ودفنها فيها، تحت شعار السلم والسلام..
انّ “إسرائيل” اليوم لا تحتاج للجيوش لتحقق بواسطتها مشروعها وتنفذ ما تنويه.. انها تحتاج للسلم والطمأنينة.. هذه هي العقيدة الصهيونية التي يُبنى عليها الوجود والفكر اليهودي كله. فكر وإيمان قائم على أساس السيطرة بالمال والإعلام. فالحرب والقتل والتدمير ثم المساومة والملاينة والمفاوضات.. ليست كلّ حروبهم هي بالسلاح ففلسفتهم تقوم أيضاً على الخداع وخلق الفتن والاضطرابات والتدمير وتفكيك الوحدة الوطنية بالدسائس والمؤامرات وتدمير المناعة الوطنية والقومية مما يساعد ويؤدّي الى تقسيم البلاد وهدم وحدة الشعوب ويؤدّي في النتيجة الى السيطرة والتحكّم.. وأمامنا شواهد كثيرة أبرزها ما جرى من محاولات في بلادنا عبر العناصر الإرهابية التكفيرية وما اطلقوا عليه اسم “الربيع العربي”.
الآن وبعد ان استكملت الصهيونية مرحلة بنائها بالاستيلاء على فلسطين كلها، وأقامت ما أقامت من منشآت وصناعات واستقرّ المهاجرون ووفرت لهم أماكن الإقامة، وبعد أن أخذت من الولايات المتحدة الهبات المالية والقروض الميسّرة بدأت تبحث في تنفيذ المرحلة الثانية من خطتها لفرض سلام على أعدائها ونشر فترة من الاسترخاء والهدوء ومحاولة الدخول في حرب جديدة برايات بيضاء هي الحرب الاقتصادية والسيطرة الصناعية التجارية بالدخول الى الأسواق المجاورة واقتسام المياه، ليصبح العرب وهم نحو 350 مليون نسمة تابعين لنحو أربعة ملايين يهودي!
انّ كلّ الإنتاج اليهودي سيصبّ في بحر هذا المدّ الكبير لتغرف من خيراته وثرواته، وبذلك تؤمّن اليهودية لنفسها الديمومة والبحبوحة والاستمرار ولأجيالها المقبلة النمو بهدوء وسعة مؤهّلين لاستكمال مشاريعهم بقوة واقتدار مقابل أجيال لنا تنمو متواكلة كسولة جاهلة ما يجري حولها بفعل التعتيم المتعمّد في تاريخها وصحافتها وإذاعتها، وبفعل الاختلاط الهادئ بين السكان وبفعل السيطرة المتنامية للعدو الخفي…
“ليس عاراً ان نُنكَب ولكن العار ان تحوّلنا النكبات من أمة قوية الى أمة ضعيفة”.
لن يتحقق الانتصار إلا متى ما آمن كلّ منا على هذه الأرض بأنه ليس لنا من عدو يقاتلنا في ديننا ووطننا الا اليهود. وليس من حركة تضمر لنا السوء والعداء وتسعى لتخريب مجتمعنا وأخلاقنا وقيَمنا إلا الحركة الصهيونية.
مشروع ترامب ليس جديداً وإنما هو البرواز والإطار النهائي لما قاموا به وحققوه سابقاً.. مشروع صفعة القرن هو البصمة الأخيرة في بناء دولتهم وسلب أرضنا بعناوين السلم والوفاق..
وهذا ما يحاول الأعراب والعملاء منهم العمل على تحقيقه مع اليهود والمشاركة في تنفيذه..
هل يقبل دينياً المسلمون والمسيحيون بانتمائهم القومي وإيمانهم الديني ان يكون سادتهم في أرضهم أولئك اللذين قال عنهم القرآن الكريم في الآية 89 من سورة البقرة:
“ولتجدنّ أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين اشركوا”.
وقال عنهم يسوع المسيح:
“احذروا هؤلاء المرابين اليهود فإنهم يؤسّسون لمملكة الشيطان…”
انّ “صفقة القرن” التي قدّمها الرئيس الاميركي ترامب ومالأه فيها عدد من دول العمالة والمصالحة مستمدة من روح البروتوكول الأول من بروتكولات حكماء صهيون المجلد الأول حيث جاء فيه بوضوح:
“عقيدة هذا الشعب المختار انه يستطيع أن يفسد العالم ويعطله ويخرّبه ويقيم على أنقاضه ملكاً يهودياً داودياً يتفرّد بحكم العالم بأسره وما الأمم والشعوب إلا حيوانات متخلفة العقل والذهن والفهم”.
انّ الصفقة التي قدّمها ترامب بُنيت على المفهوم الصهيوني كما عبّر عنه وايزمن في خطاب ألقاه في تشرين الثاني 1921 في مدينة كولون في القدس 1932 و1933 أمام المؤتمر اليهودي:
“انّ العرب تركوا البلاد مهجورة حتى تخلفت حضارياً ولم يعد هنالك من علاج سياسي لا تصحبه خطة للتنمية، كان على اليهود أن يعملوا بدورهم في اطار كالقيد لأشكال جديدة من الحياة. وعلى ذلك فالعرب في حاجة الى مساعدة اليهود، ومن الممكن ان يعيش الشعبان في سلام، فهناك متسع كبير ومياه وفيرة، وعلى ذلك فإنّ على العرب أن يميّزوا بين وطنهم القومي وحقوقهم في فلسطين…
إنّ الوطن القومي للعرب يوجد في دمشق وبغداد بينما توجد الأماكن المقدسة لديهم في مكة والمدينة المنورة.
لقـد ازدهرت ثقافة العرب في بغداد ودمشق وليس في القدس.
ورغم كل هذه الأهداف المعلنة الواضحة لدى العدو نجد من يندّد بسلاح المقاومة ويطالب بنزعه وتعرية لبنان أمام عدو طامع.
“صفقة القرن” هي الصفعة التي انهالت على رأس العرب منذ 2 تشرين الثاني 1917 يوم وعد بلفور اليهود بتوطينهم في فلسطين.. ليست هذه الصفعة بجديدة وليس ترامب صاحب اول صفعة.. الصفعة الكبرى جاءت ولا تزال من التخاذل والتواطؤ العربي..
اميركا نفذت وحققت وعد بلفور وساعدت على جعل قرار تقسيم فلسطين وإنشاء حكومة إسرائيلية على أرض عربية وتمدد “إسرائيل” على كامل فلسطين بدعم أميركي ودولي وتغاضٍ عربي نافذ.
أميركا اليوم متحمّسة بشكل جنونبي لتحقيق أطماع “إسرائيل” وأحلامها ورغم كل هذه الأهداف المعلنة نجد من يندّد بسلاح المقاومة ويقول انّ لبنان والشام والعراق لا دخل لهم بفلسطين..
ونعود لما قاله أنطون سعاده في خطاب الأول من آذار 1938:
“ما أقوله في صدد لبنان والشام أقوله في صدد فلسطين، فالسياسيون الكلاسيكيون هناك لم يتمكّنوا من إيجاد أيّ دفاع مجد يصدّ الخطر اليهودي، لأنّ أساليبهم لا تزال من النوع العتيق المسيطر فيه الصفة الاعتباطية والأنانية المغررة للشعب. ولا بدّ لي من التصريح في هذا الموقف ان الخطر اليهودي هو أحد خطرين أمرهما مستفحل وشرهما مستطير. والثاني هو الخطر التركي. وهذان الخطران هما اللذان دعوت الأمة السورية جمعاء لمناهضتهما.
انّ الخطر اليهود لا ينحصر في فلسطين، بل يتناول لبنان والشام والعراق ايضاً، لا لن يكتفي اليهود بالاستيلاء على فلسطين، فلسطين لا تكفي لإسكان ملايين اليهود الذين اثاروا عليهم الامم النازلين في أوطانها، وهم منذ اليوم يقولون: “الحمد الله اننا اصبحنا نقدر ان نمارس الرياضة الشتوية في أرض إسرائيل ويعني التزحلق على الثلج في لبنان، فليدرك اللبنانيون ما هي الأخطار التي تهدد الشعب اللبناني.
وكرّر سعاده التحذير في عام 1947 إذ قال:
“لعلكم ستسمعون من سيقول لكم انّ انقاذ فلسطين، أمر لا دخل للبنان فيه. انّ إنقاذ فلسطين أمر لبناني في الصميم كما هو أمر فلسطيني في الصميم كما هو أمر شامي في الصميم، انّ الخطر اليهودي على فلسطين هو خطر على سورية كلها. كلمتي اليكم هي العودة الى ساحة الجهاد”.
في الوقت الذي كانت فيه بريطانيا تقدّم لليهود العون المادي وتهيّئ لهم جيشاً يستطيعون بواسطته تحقيق مشروعهم، وبناء دولتهم… كانوا يقدّمون الوعود الكاذبة لنا.
إذا تفحّصنا بدقة صفقة ترامب وجدناها مطابقة روحاً للحدود التي طالب فيها الوفد الصهيوني في مؤتمر الصلح 3 شباط 1919 والتي جاء فيها:
“تكون حدود فلسطين تابعة إجمالاً للخطوط المبيّنة كما يلي:
“أما شمالاً فيبتدّى الخط من نقطة البحر الأبيض المتوسط على مقربة من جنوبي صيدا ثم يسير على سفوح التلال او الجبال اللبنانية حتى جسر القرعون ثم باتجاه البيرة فاصلاً بين حوضي وادي القرن ووادي التيم ومن هناك جنوباً فاصلاً بين السفوح الشرقية والغربية لجبل حرمون (الشيخ) حتى غرب بيت جن ثم شرقاً محاذياً القسم الشمالي من نهر المغنية حتى يصل الى الخط الحجازي ويكاد يتصل به من الجهة الغربية.
وأما شرقاً فيسير على مقربة من الخط الحجازي حتى ينتهي في العقبة. وأما جنوباً على خط الحدود مع الحكومة المصرية، واما غرباً فالبحر المتوسط”. ولا تقتصر الحدود على هذه الأبعاد، بل يجاوزها التلمود الى أوسع منها (سوف تمتدّ حدود أرض إسرائيل، وتصعد الى جميع الجهات ومن المقدّر لأبواب القدس ان تصل الى دمشق). (تلمود والصهيونية سفردياريم صفحة 246).
بعد كلّ ما مرّ على بلادنا من عدوان ومؤامرات وفتن ودسائس وخيانات نعود لما قاله أنطون سعاده، فهو السبيل الوحيد لردع “إسرائيل” وحماية أمتنا ووطننا…
“اننا لا نريد الاعتداء على أحد ولكننا نأبى أن نكون طعاماً لأمم أخرى، اننا نريد حقوقنا كاملة ونريد مساواتنا مع المتصارعين لنشترك في إقأمة السلام الذي نرضى به وإنني أدعو اللبنانيين والشاميين والعراقيين والفلسطينيين والأردنيين إلى مؤتمر مستعجل تقرّر فيه الأمة إرادتها وخطتها العملية في صدد فلسطين وتجاه الأخطار الخارجية جميعها وكلّ أمة ودولة اذا لم يكن لها ضمان من نفسها من قوّتها هي فلا ضمان لها بالحياة على الاطلاق.
يجب أن نعارك يجب أن نصارع، يجب أن نحارب ليثبت حقنا. واذا تنازلنا عن حق العراك والصراع تنازلنا عن الحق وذهب حقنا باطلاً، عوا مهمتكم بكامل خطورتها ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل”.
انّ المشروع الأميركي واللاهثين خلفه جاء ليلغي مسألة الدولة الفلسطينية نهائياً، فهو مشروع لم يكن أبداً في مخطط “إسرائيل”، ويقول هنري سيغمان وهو شخصية أميركية يهودية شغل مدير مشروع الولايات المتحدة للشرق الأوسط في نيويورك، وهو مدير تنفيذي سابق في الكونغرس الأميركي، في مقال نشر له في مجلة “لندن ريفيرا اوف بوكس” في 16/8/2006:
“في الواقع، كلّ مبادرات السلام السابقة لم تصل الى اية نتيجة الاجماع المتفق عليه منذ زمن بعيد من قبل النخب صاحبة القرار في إسرائيل بأنّ إسرائيل لن تسمح أبداً بقيام دولة فلسطينية تحول دون سيطرتها الفعلية، العسكرية والاقتصادية على الضفة الغربية”. ويضيف: “انّ هذا الموقف الإجماعي لا يمنع قبول اسرائيل بوجود عدد من الكيانات المعزولة عن بعضها البعض التي يمكن أن يصبح الفلسطينيون فيها أكثرية”.
وبرغم عدم مضيّ مدة طويلة على ما كتبه سيغمان فإنّ ما حدث بعدها يؤكد هذا التوجّه، فقطاع غزة أريدَ له أن يكون بعد الانسحاب الاسرائيلي منه عام 2005 مصدر شقّ للصف الفلسطيني… وكذلك السياج الذي أقامته إسرائيل ليفصل مناطق الضفة الغربية عن بعضها وكذلك الموقف المتشدّد لإسرائيل والولايات المتحدة تجاه اعتراف الامم المتحدة بدولة فلسطين. انّ ما نالته السلطة الفلسطينية في تشرين الأول 2012 بصفة دولة مراقبة في الأمم المتحدة لا يجعل منها دولة تلبّي طموح الشعب الفلسطيني ولا تعود عن دماء شهدائه ولا تلغي روح وفعل العمل لاستعادة فلسطين من البحر الى النهر.
أخذوا الأرض وفرضوا مشاريع توطين أهلها في الشتات عبر صفقة القرن. فما أورده سيغمان في مقاله ورد عناوين لمشروع مواد صفقة ترامب الذي يريد ان يطبّقه الآن.. بتحقيق التوطين والسيطرة على كامل الارض وفي مقدّمتها القدس.. وسيطرتهم عبّروا عنها في البروتوكول الخامس صفحة 205 حيث جاء:
“متى ولجنا أبواب مملكتنا لا يليق ان يكون فيها دين آخر غير ديننا. وهو دين الله الواحد المرتبط به مصيرنا من حيث كوننا للشعب المختار وبواسطته ارتبط مصير العالم بمصيرنا.. فيجب علينا ان نكنس جميع الأديان الأخرى على مختلف صورها”.
انّ ما يبشرنا بالخير هو تلك الروح المقاومة الرافضة لكلّ أنواع المؤامرات التي تحاك بإرادة داخلية امتداداً للإرادة الخارجية، هذه المقاومة استطاعت ان تثبت إرادة الحياة وإجهاض ولادة المؤامرات… أعطت المقاومة الأمل وكوّنت بذور جيل يتقن صنع البطولة ويفتح طريق الحياة.
وكما يقول الزعيم أنطون سعاده:
“اننا نواجه الآن أعظم الحالات خطراً على وطننا ومجموعنا فنحن أمام الطامعين المعتدين في موقف يترتب عليه احدى نتيجتين أساسيتين هما الحياة والموت واية نتيجة حصلت كنا نحن المسؤولين عن تبعتها”.