الرفض الشعبيّ العربيّ للصفقة في صنعاء وتونس والأردن… والجامعة العربيّة تبحث عن خطاب الحكومة تجتمع الثلاثاء في بعبدا لإقرار البيان الوزاريّ… والثلاثاء الذي يلي للثقة العلاقات اللبنانيّة السوريّة بند أول على استحقاقات الحكومة… من باب الاقتصاد لا السياسة
كتب المحرّر السياسيّ
كما في كل شأن يخصّ فلسطين كانت المبادرة العربية الأولى في الشارع؛ من صنعاء تحت الحصار حيث خرج مئات الآلاف يملأون الشوارع والساحات، ويهتفون لإسقاط صفقة القرن، وتحرير القدس وضمان حق العودة للاجئين، ويعلنون التزامهم بفلسطين حرة، وفي تونس شهدت ساحة الحبيب بورقيبة تظاهرة حاشدة رفضاً لصفقة القرن، بينما كان الرئيس التونسي قيس سعيّد يصف صفقة القرن بجريمة القرنين العشرين والواحد والعشرين، ويصف التخلّي عن القدس وفلسطين بالخيانة العظمى، بينما خرجت تظاهرات حاشدة في العاصمة الأردنية عمان تنديداً بالسياسات الأميركيّة تجاه القضية الفلسطينية وصفقة القرن.
بالتوازي يشهد اليوم، اجتماع وزراء الخارجية العرب محاولة للتوفيق بين التزام حكومات عربيّة أساسيّة كالسعوديّة ومصر والإمارات وعمان بإصدار موقف يلاقي ما تريده واشنطن من فرض انخراط الفلسطينيين بالتفاوض على أساس صفقة القرن مع الإسرائيليين، وبين الموقف الفلسطيني الجامع الرافض لكل مندرجات الصفقة وأي تفاوض في ظلها. وقالت مصادر في كواليس الجامعة العربية إن هناك محاولة سيسعى لتظهيرها أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط، تقوم على الدعوة للتفاوض على أساس مرجعيّات متعددة منها القرارات الأمميّة ومنها المبادرة العربية للسلام، ومنها صفقة القرن، لكن مصادر فلسطينية قالت إن هذا المسعى يعني تشريع صفقة القرن، وتمهيد الطريق لجعلها أساساً للتفاوض، لأن تعدّد المرجعيات يعني شيئاً واحداً، وهو أن الفلسطينيين يقبلون بصفقة القرن واحدة من مرجعيات التفاوض، بينما يرفض الإسرائيليون القرارات الدولية والمبادرة العربية كمرجعيّات، فتصير صفقة القرن المرجعية الوحيدة المشتركة، والأفضل للفلسطينيين إذا أرادوا فعل ذلك أن يقولوا علناً إنهم يقبلون صفقة القرن أساساً للتفاوض بلا مواربة، وهذا لن يعني إلا شيئاً واحداً وهو الانتحار وتصفية القضية الفلسطينية.
الموقف اللبناني سيكون تحت سقف التمسك بالمبادرة العربية للسلام، والتمسك برفض التوطين، ورفض صفقة القرن من هذا المنطلق. فيما قالت مصادر متابعة للبيان الوزاري للحكومة إنه سيتضمّن نصاً واضحاً لجهة رفض مشاريع تصفية القضية الفلسطينية، والتمسك بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، وتأكيد الالتزام بالنص الدستوري لرفض كل أشكال التوطين.
الشق المالي من البيان الوزاري بلغ مرحلة شبه نهائية، بعدما شهدت السراي الحكومية سلسلة اجتماعات مع الخبراء والهيئات المعنية بالملف المالي، ولقاء مطولاً مع الهيئات الاقتصادية، شهد نقاشاً مفصلاً لطلبات الهيئات. وقالت مصادر اقتصادية إن رئيس الحكومة حسان دياب دخل في نقاش مفصل في برمجة طلبات الهيئات الاقتصادية، خصوصاً لجهة بعض الإعفاءات المطلوبة، أو لجهة مصير القروض المصرفية وتخفيض الفوائد، بينما تحدّث رئيس الهيئات الاقتصادية الوزير السابق محمد شقير بلغة شديدة الإيجابية عن الحكومة والآمال المعقودة عليها.
مصادر حكوميّة توقعت أن ينعقد مجلس الوزراء في بعبدا لمناقشة البيان الوزاري وإقراره، على أن يرسل للمجلس النيابي تمهيداً لتحديد موعد جلسة مناقشته والتصويت على منح الثقة للحكومة، وهو ما توقعت مصادر نيابية أن يكون الثلاثاء الذي يلي إقرار البيان حكومياً.
عن الاستحقاق الأول بعد الثقة، قالت مصادر متابعة إن القرارات المالية التي ترجمت وعود البيان الوزاري ستكون لها الأولوية، لكن المسار الذي سيكون على الحكومة حسمه هو هل أنها ستطلب مواعيد لزيارات رئيسها إلى العواصم الخليجية والأوروبية وتنتظر، أم أنها ستفعل ذلك وبالتوازي تبحث من الزاوية السياسية ماذا عليها أن تفعل لإنعاش الاقتصاد، وهو ما قالت المصادر إنه يطرح بقوة العلاقة اللبنانية السورية، ومن خلالها العلاقة اللبنانية العراقية، من الزاوية الاقتصادية لا السياسية. وقالت المصادر إن حكومتي الرئيس سعد الحريري أنفقت ثلاث سنوات، هي عمر عهد الرئيس ميشال عون، لنيل فرص تحقيق الوعود الخليجية والأوروبية، وتأجيل البحث بزيارة دمشق لاسترضاء أصحاب المال العربي والغربي، ولم يحدث شيء يشير إلى أن هذا الطريق قد نفع لبنان الذي لا يزال ينتظر، وإن عادت الحكومة الجديدة للمنهجية ذاتها ستقطف بأحسن الأحوال النتائج ذاتها، فما لم يفعله الغرب والعرب لحكومة الرئيس الحريري ومشاركة قوى 14 آذار فيها، لن يفعلوه لحكومة الرئيس دياب وحكومة يصفونها باللون الواحد، ولذلك قالت المصادر إن النقاش النيابي للبيان الوزاري سيبحث عن جواب على سياسة الحكومة تجاه العلاقة بسورية، ليس لاعتبار مبدئي وسياسي وحسب، بل من باب السؤال عما إذا كانت الحكومة ستمارس سياسة سيادية تنطلق من مصلحة لبنان أم من محاولات استرضاء الخارج؟
وتترقّب الأوساط المحلية والخارجية موقف لبنان من صفقة القرن في اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي يعقد في القاهرة لبحث تداعيات “صفقة القرن”، وأكد وزير الخارجية ناصيف حتي عقب لقاء نظيره القبرصي نيكوس كريستودوليديس على “موقف لبنان المبدئي من الصفقة المبني على مبادرة السلام العربية”. وتابع: “ناقشنا أزمة النزوح السوري التي أثقلت الاقتصاد اللبناني وشدّدنا على ضرورة عودة اللاجئين إلى بلادهم”.
وفي هذا السياق، أشار مصدر معني بالعلاقات بين لبنان وسورية لـ”البناء” الى أن “حل أزمة النازحين مرتبط بالقرار اللبناني بالانفتاح على الشام”، مشيراً الى أن “المبادرة الروسية تجمّدت على اصرار سوري على علاقات رسمية مع لبنان للتعاون بشتى المجالات بما فيها النازحون”، موضحاً أن “عودة بعض النازحين الى سورية هي طوعيّة تتم بالتنسيق المباشر بين الأمن العام اللبناني بتفويض من رئيس الجمهورية اللبنانية والسلطات الأمنية السورية”. ويرى المصدر بأن “لا حل للأزمة اللبنانية المستعصية الا بالانفتاح على سورية، فالأزمة الاخيرة التي شهدها لبنان على مختلف المستويات أكدت بأن العلاقة مع سورية لا تقتصر على المستوى الاقتصادي فقط، بل على المستوى النقدي والمصرفي، مذكراً بانعكاسات الأزمة النقدية والمصرفية في لبنان على سورية”. كاشفاً عن “مشاورات رسمية على مستويات عليا لإعادة تفعيل العلاقات بين بيروت والشام لكن الأمر يحتاج الى درس، لذلك تقرر التريث في فتح الملف الى ما بعد نيل الحكومة الثقة”، وأشار المصدر الى أن “الامر مرتبط بجملة عوامل واعتبارات محلية واقليميّة ودولية”.
وكانت لافتة إشارة وزير الزراعة عباس مرتضى خلال استقباله تجمع مزارعي الجنوب أنه سيقوم «بكل ما يلزم لخدمة مصلحة المزارع وخصوصاً في مجال التصدير البري للمنتجات، لذلك الأولوية ستكون بعد نيل الحكومة الثقة للتوجه نحو سورية لبناء افضل العلاقات معها وتسهيل انسياب البضائع عبر اراضيها الى مختلف الاسواق العربية وتخفيض رسوم الترانزيت عليها»، آملاً ان «يشمل هذا التوجه أعضاء الحكومة كافة».
وفيما تواصل لجنة صياغة البيان الوزاري اجتماعاتها المكثفة لإعداد البيان تمهيداً لنيل ثقة المجلس النيابي، يجري رئيس الحكومة حسان دياب بموازاة ذلك مشاورات اقتصادية ومالية ونقدية ومصرفية مع المسؤولين في لبنان وعن المؤسسات المالية الدولية لبلورة رؤية واضحة لما يمكن للحكومة تحقيقه والقرارات التي تستطيع اتخاذها لمعالجة الأزمات القائمة، لكي لا تغرق في وحول الطموحات والوعود الكبيرة الصعبة التحقيق.
وعقدت اللجنة الوزارية أمس، اجتماعها السابع في السرايا الحكومية برئاسة الرئيس دياب كما تعقد اليوم اجتماعاً في محاولة لإنجاز البيان مطلع الأسبوع المقبل وإقراره في جلسة لمجلس الوزراء في بعبدا تمهيداً لجلسة الثقة، وبحسب مصادر «البناء» فإن «الرئيس دياب وبالتوازي مع اجتماعات لجنة البيان الوزاري يجري جوجلة للآراء والمشاورات التي يقودها منذ أسبوع في السرايا الحكومية لبلورة رؤية اقتصادية ومالية ونقدية واضحة تكون أساساً للبيان الوزاري»، وأوضحت ان «هذه المشاورات هدفها تحديد سقف ما يمكن للحكومة الجديدة إنجازه ومدى نية الدول المانحة على دعم لبنان والبحث عن خيارات بديلة». إلا أن عضو كتلة التنمية والتحرير النائب ياسين جابر لفت الى أن «الفرص متاحة لمعالجة الوضع القائم ونراهن على الحكومة الجديدة المؤلفة من وزراء جديّين ولا تحوم حولهم أي شبهات فساد بعكس تركيبة الحكومات السابقة التي تورطت بملفات فساد وسجالات سياسية»، واعتبر في حديث لـ»البناء» أنه «اذا نجح لبنان في إصلاح مؤسساته وقطاعاته لا سيما الكهرباء والاتصالات، فالدول مستعدة للمساعدة، فملف الكهرباء يعد من المؤشرات الجدية بالنسبة للمؤسسات الدولية والدول الداعمة، فلا يمكن الاستمرار بنزف ملياري دولار سنوياً ومن دون خدمة جيدة ولا زلنا نعاني من التقنين القاسي في مختلف المناطق»، مضيفاً أن «النزيف المستمر في قطاع الكهرباء هو أقصى وأسوأ على لبنان من موضوع العقوبات الأميركية»، متسائلاً «ما علاقة الاميركيين بفشل الادارات والحكومات السابقة بإصلاح قطاع الكهرباء، بل إن الحكومات هي التي تتحمل المسؤولية». أما الملف الثاني برأي جابر الذي يجب إصلاحه فهو «الاتصالات الذي يعاني من هدر وفساد ولا يؤمن العائدات المطلوبة، فيجب إخراج هذه الملفات من دائرة التسويات والصفقات».
وأكد رئيس الحكومة أن «الوضع الاقتصادي في البلد وفي كل القطاعات يعاني من صعوبات، لكن علينا أن نتحمّل قليلاً على أمل أن تستطيع الحكومة تحقيق إنجاز يؤدي إلى الخروج من الأزمة التي يعيشها لبنان».
كما عرض وزير المال غازي وزني مع وفد من جمعية مصارف لبنان برئاسة سليم صفير الأوضاع المصرفية والنقدية ودور المصارف اللبنانية في تعزيز الاستقرار الاقتصادي. وشدّد وزني على عدم المسّ بالودائع، وحثّ جمعية المصارف على العمل على خفض معدّلات الفوائد في المرحلة المقبلة لتحريك عجلة الاقتصاد وتخفيف الأعباء على المالية العامة. وبدوره أكد صفير ان «لا ودائع محجوزة، فهي موجودة في المصارف، وستظل موجودة. وكرّر كلام حاكم مصرف لبنان أن لا HAIRCUT على الودائع». وأشارت المعلومات الى أن «تفاهماً حصل بين وزير المال وجمعية المصارف على خفض ملموس على الفوائد عموماً، على الودائع والقروض، ما يساهم في تحريك الاقتصاد ويساعد المقترضين ويخفف العبء عن المالية العامة».