كلمة افتراضيّة لوزير الخارجية اللبنانية
ناصر قنديل
– يشارك وزير الخارجية اللبنانية الدكتور ناصيف حتي في اجتماع لوزراء الخارجية العرب لمناقشة صفقة القرن وتداعياتها، واتخاذ الموقف منها، ولبنان مرتبك بين كيفيّة عدم خسارة شعرة معاوية التي تربطه بمصادر التمويل العربي والغربي، التي تنتظر ما سيقول في هذا الاجتماع، وبين مصالحه العليا التي تفترض التنبه لما تمثله خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتصفية القضية الفلسطينية من إسقاط لحق العودة، وتمرير مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين، الذي سيكون للبنان نصيب منه، وما لا يُخفى على أحد من ربط التعامل مع الأزمة المالية اللبنانية وضغوطها لتوظيفها في كسر ممانعة لبنان للتوطين. وهذه كلمة افتراضية لمعالي وزير الخارجية عساه يقرأها قبل أن يلقي كلمته في الاجتماع:
– أيّها الزملاء الأعزاء، وأنا في طريقي لحضور هذا المؤتمر، استعرضت في مخيلتي ما كان جزاء أسلافي الذين اتخذوا مواقف تتمسّك بالحقوق العربية وفي مقدمتها الحق الفلسطيني بإقامة الدولة المستقلة، وعاصمتها القدس وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، وكيف نظرتم لمواقفهم بعين الغضب، خصوصاً لدعوتهم لكم لإعلان موقف حاسم صارم لا يقبل المساومة على هذه الحقوق، وتذكّرت حال بلدي وكيف ينوء تحت أعباء أزمة مالية خانقة تهدّد بالانهيار، وكيف أن مساهمتكم المالية الكريمة التي لا تشكل إلا البعض اليسير من مئات المليارات التي تبرعتم بها لصاحب الصفقة ستنتقل ببلدي من الاختناق إلى الانتعاش، فقلت في نفسي إن المسؤولية الوطنيّة تستدعي مني أن أكظم غضبي النابع من عروبتي وعملي لسنوات طوال في الدفاع الديبلوماسيّ عن حقوق الشعب الفلسطيني باسم جامعتنا العربية الموقرة، وأن أتحدّث بلغة تقوم على التورية لا الوضوح، وعلى المراوغة لا المبادئ والاستقامة، فأقول إن حكومة بلادي ستقف وراء الإجماع العربي الذي يتمخض عنه هذا الاجتماع، وأدعو في قلبي بعكس دعائي الدائم بالتوافق دائماً، فأقول في سري ألا يوفق الله اجتماعكم بتوافق سيكون في حال حصوله كارثة يضيع معها ما تبقى من حقوق الفلسطينيين، وأن آمل بأن يلهم الله بعضاً من حضوركم العالي المقام شجاعة تعطيل هذا الإجماع بإشهار رفض الصفقة ومندرجاتها.
– عندما دخلت القاعة أيها الزملاء الأعزاء، تذكّرت أن الأفضل ربما يكون تذكيركم بأننا معا قمنا بإقرار المبادرة العربية للسلام في القمة العربية التي استضافتها عاصمتنا بيروت في العام 2002، وأن الحديث عن الإجماع ينطلق من إجماعنا على المبادرة، التي تضمن التمسك بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس والتمسك بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، وأن هذا سيشكل أساساً لتلاقينا على المبادرة وما تنص عليه، ويريحنا من عناء الخلاف، ومن أزمة ضمير بقبول التنازلات المذلّة عن الحقوق، ونترك الأمر هنا. ثم دفعتني خبرتي الدبلوماسية إلى التساؤل، ماذا لو تمّت إضافة المبادرة العربية للسلام إلى مرجعيات التفاوض مع مشروع صفقة القرن، وهذا يعني جعل صفقة القرن مرجعية أحادية طالما أن المبادرة مرفوضة كمرجعية من قبل الإسرائيليين، فأحسست بأني أرتكب الخيانة بتمهيد الطريق لضياع القضية والحقوق.
– ثم فرغت، أيّها الزملاء الأعزاء إلى نفسي قليلاً، فقلت لمَ لا أستند في كلمتي إلى اعتبار آخر يشكل سبباً منطقياً أقوى ولا يُحرجني معكم ولا يغضبكم فأقول، إننا نرضى للفلسطينيين ما يرضون لأنفسهم، وأنا أثق أن المعروض في الصفقة على الفلسطينيين سيتكفّل بجعل أكثرهم مرونة ثائراً يفكر بحمل السلاح، ومغادرة لغة التفاوض، وإعلان سقوط زمن التسويات، فأتقي شرّ الخلاف معكم، واضعاً كل رهاني على الرقم الفلسطيني، الذي لن يخذلني، وربما أكون بذلك قد فتحت الباب لبعض منكم يعيش إحراجاً بين خياراته السياسية وضميره، ويجد في هذا المخرج باباً يلبي ما يرغب به، فيكثر الذين يفعلون مثلي ويخرج الموقف بالتوافق على إعلان دعم الجامعة العربية لما يريده الفلسطينيون لأنفسهم، فهم أصحاب القضية، ولهم الكلمة الفصل.
– عندما اعتليتُ منصة الكلام، أيّها الزملاء الأعزاء، سألت نفسي عن سر ارتباكي، فصارحتها أنه الخشية من فقدان فرص التمويل، فسألتها مجدداً وماذا يعرض علينا كلبنانيين لقاء قبول التوطين والتنازل عن تمسكنا بحق العودة، فقلت لنفسي، إنه المال أيضاً، فانتبهت إلى أن أي لغة منمّقة أتحدّث بها لتفادي الرفض الواضح للصفقة وأولى مندرجاتها إسقاط حق العودة، بداعي الحرص على بعض المال، سيعني أن لبنان مستعدّ لتفادي رفض مشابه لما يعنيه مباشرة، وهو التوطين مقابل مال أكثر، فقررت أن أكتفي بكلمتين لكم، لو جاعَ كل اللبنانيين، وماتوا وعاشوا ثم ماتوا وعاشوا، لما وجدتم بينهم مَن سيقبل بالتوقيع على التوطين، الذي يشكل ركيزة من ركائز هذه الصفقة، التي لا تتأسس إلا على معادلة هاتوا حقوقكم وشرفكم وكرامتكم وخذوا مقابلها مالاً. وبكل أسف فإن المال الذي سيُعرض على بعضنا سيكون مال بعضنا الآخر، ولذلك فإنني باسم الشرف والحق والكرامة أدعوكم لقول لا واضحة لهذه الصفقة المهينة، لعلها تنقذ ما تبقى لنا من شرف وحق وكرامة.