الملفات ضاغطة والمطلوب إنجاز البيان الوزاري بسرعة ومن دون تسرّع…
الموقف الموحد ضدّ جريمة العصر الأميركية يعطي بعض الأمل بأنّ لبنان ما زالت روحه حية وما زال متاحاً تعافيه وإخراجه من العناية الفائقة كخطوة أولى في رحلة شفائه الطويلة
} علي بدر الدين
الإجماع اللبناني الرسمي والسياسي والشعبي على رفض “صفقة القرن” الأميركية الإسرائيلية بكلّ بنودها المعلنة والسرية وفي أساسها توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مهما كانت الإغراءات الاقتصادية والمالية والسياسية كثمن للقبول بهذا الشرّ المستطير وغيره من البنود الملغومة التي يُراد منها إنهاء القضية الفلسطينية ونزع سلاح المقاومة وجرّ لبنان إلى مفاوضات مع الكيان الصهيوني والاعتراف به.
هذا الموقف اللبناني الموحد من جريمة العصر الأميركية يعطي بعض الأمل بأنّ لبنان لم يختنق كلياً بل ما زالت روحه حية وانْ تنفس من الخاصرة ببطء، وما زال متاحاً تعافيه وإخراجه من العناية الفائقة كخطوة أولى في رحلة شفائه الطويلة ويجب توظيفه والبناء عليه كأساس يصلح لإعادة فتح قنوات الحوار والثقة بين مكونات الطبقة السياسية الحاكمة مع أنها فقدت ثقة اللبنانيين منذ زمن وانتفضوا عليها وحققوا خرقاً ولو جزئياً في بنيتها السياسية والسلطوية، ولكن طريقة تشكيل الحكومة الجديدة المستنسخة عن الحكومات السابقة شكلت صدمة سلبية وأطاحت بكلّ الطموحات والوعود التي علّقوا عليها آمال الإصلاح والتغيير وتحسين الأحوال على مختلف المستويات علها تنقذ ما يمكن إنقاذه قبل الوقوع في المحظور. وبما أنّ الحكومة رغم رفض الحراك لها وفريق سياسي آخر فإنها أصبحت أمراً واقعاً لا يمكن إنكاره من هذا الفريق الذي رفض المشاركة فيها وله الحق في ذلك. وهذا لا يعني ان يضع عصيّه في دواليبها لعرقلة مسيرتها وإفشالها حتى إسقاطها قبل ان يعرف شرّها من خيرها، مع انّ الخيارات ضيقة ومساحة التفاؤل ضئيلة وعلى القوى المعارضة والمعترضة على الحكومة رئيساً ووزراء وفريقاً سياسياً داعماً لها النظر إلى الجانب الملآن من الكأس لأنّ مصلحة الوطن أكبر من الجميع ولأنه من أصول الحكم ان توجد موالاة ومعارضة في إطار الضوابط والثوابت الوطنية وليس باعتماد سياسة الإلغاء والكيدية والمصالح الخاصة.
كلّ هذا لا يعفي الحكومة من مسؤولياتها والنوم على حرير غياب الفريق السياسي الآخر الذي لا يطمئن او انعدام المنافسة بين الفريقين… كله لا يبرّر لها التأخير في إنجاز البيان الوزاري الذي فتح باب التساؤلات أمام المتربّصين بالحكومة او المؤيّدين لها عن الأسباب الحقيقية الكامنة التي تؤخر البيان. خاصة أنّ المعلومات المتداولة انّ الشق السياسي والوطني وعلاقات لبنان الخارجية أنجزت منذ الجلسات الأولى مع بعض التعديلات اللفظية التجميلية، وانّ ما يعرقل الانتهاء منه وفق المتابعين تعقيدات الأوضاع الاقتصادية والمالية المعيشية المزمنة والمتراكمة ومستجداتها الضاغطة على اللجنة المكلفة وعلى الحكومة خشية من الوقوع في الخطأ او سوء التقدير لأنّ كلّ كلمة أو قرار يخرج عن سياقه الطبيعي ويحسب عليها وقد يؤدّي إلى تصدّع جدار العمل والثقة وهذا ليس وقته، ولا يعني ايضاً التباطؤ والسير على خطى السلحفاة لما له من انعكاسات سلبية لأنه لم تعد للبنانيين قادرة على التحمّل في مواجهة الأزمات التي تعصف بهم، وخاصة انّ لبنان في عين العاصفة الأميركية حصاراً وعقوبات ومشاريع توطين…
على رئيس الحكومه أن يدرك، وهو كذلك، انّ لبنان بلد المفاجآت والتحوّلات السريعة بعد ان فقد مناعته وقد لا يكون في صالح الحكومة التأخير في إنجاز البيان الوزاري، وخاصة انه ينتظرها استحقاق جلسة الثقة المحفوفة بخطر التعطيل إذا ما نجح المنتفضون الرافضون للحكومة في منع ما يكفي من النواب لتأمين النصاب ومنحها الثقة، وهي تفتقد لغياب كتل نيابية وازنة ورافضة منحها الثقة، والخوف الآخر من الانقلاب عليها من كتل نيابية أو قوى سياسية شعرت انها مغبونة وفقدت جزءاً من نفوذها وفائض قوة تسلطها. إنّ إعطاء مواعيد إنجاز البيان لا تكفي لتأمين النصاب والحصول على الثقه لأنّ المطلوب إنجازها بسرعة من دون تسرّع حتى لا تقع في المحظور ويطير النصاب ومعه الحكومة والعودة الى بدايات الأزمات المستعصية على الحلّ وهذا لن يكون في صالح أحد.