لماذا إيران معادلة ضروريّة في الشرق الأوسط؟
} د.وفيق إبراهيم
تتضاعف الأسباب التي تجعل من إيران جزءاً أساسياً من معادلة الدفاع عن الشرق الأوسط. وتؤكد على دورها المحوري والمركزي فيه.
هذا استنتاج واقعيّ بعد زمن عاصف تجتازه الجمهورية الإسلامية في إيران منذ انتصار ثورتها في 1979، متواصلاً حتى الآن على شكل صراع إيرانيّ مع كل من الأميركيين والإسرائيليين في سورية والعراق ولبنان، والخليج وسط حصار أميركي مضروب عليها، اقتصادياً وسياسياً، تنتابه اعتداءات عسكرية أميركية وإسرائيلية ومحاولات خنق باستعمال النفوذ الأميركي العالمي لمنع معظم الدول من إقامة علاقات اقتصادية معها، وكل أنواع العلاقات.
ابتدأ هذا الصراع الإيراني ـ الأميركي بعد نجاح الإمام الخميني بإسقاط شاه إيران رأس المعادلة الأميركية في الشرق الأوسط وشرطي الخليج في 1979 .
لقد كان واضحاً أن برنامج عمل هذه الثورة يستهدف النفوذ الأميركي في إيران على قاعدة إسلامية، وبما ان الإسلام دين أممي، فكان طبيعياً ان ينتقل صدى النجاح الإيراني الى الإقليم العربي المجاور وآسيا الوسطى..
وهذه معاقل أميركية اساسية خصوصاً في انحائها التركية والإسرائيلية والمصرية والسعودية ـ الخليجية، وهي كبرى المعاقل في المنطقة.
هناك نقطتان اضافيتان تجب الإشارة اليهما، وهما تزامن الثورة الإيرانية، مع استسلام السادات الرئيس المصري السابق لـ”إسرائيل” في اتفاقية كمب ـ دايفيد 1979، وما أدت إليه من انسحاب مصر من الصراع العربي ـ الإسرائيلي وتحوّلها حليفاً كاملاً لـ”إسرائيل” وآلية أميركية.
أما النقطة الثانية فهي تراجع أهمية الاتحاد السوفياتي بسبب خسارة حرب افغانستان وإصابته بإرهاق بنيوي في حروب الايديولوجيا والتسلح بمواجهة الأميركيين والأوروبيين، ما جعل إيران وحيدة في صراعها مع الأميركيين واعوانهم الشرق الأوسطيين، هؤلاء الذين استعملوا ضدها كل قواهم لإسقاط دولتها، من تحشيد طائفي ومذهبي الى تمويل وتدريب لبعض المجموعات الإيرانية الداخلية وصولاً إلى شنّ حرب عليها بلبوس عراقي من صدام حسين مدعوم أميركياً وخليجياً وأوروبياً وإسرائيلياً، كان المطلوب استئصال إيران الإسلامية للاستفراد بعملية تفتيت الشرق الأوسط على نحو يبقى فيه تحت النفوذ الأميركي ـ الغربي قروناً طويلة.
إن انهيار الاتحاد السوفياتي في 1989 وتفرّغ الصين لتطوير امبراطوريتها الاقتصادية جعلا الأميركيين يستعجلون في عملية الأطباق على الشرق الاوسط، مدمّرين العراق منذ تسعينيات القرن الماضي الى أن احتلوه في 2003 بعد سيطرتهم على افغانستان في 2001، فركبوا على عجل مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يهدف إلى إعادة تقسيم دوله إلى كانتونات مذهبية وعرقية تسحب حيويتها ومصادر قواها.
لتنفيذ الخطة، استعمل الأميركيون طريقة الاحتلال المباشر والتدخلات العسكرية ومئات آلاف الإرهابيين، مكلفين بإدارتهم وتأمين ما يحتاجون اليه من سلاح وتدريب واعمال لوجيستية، كلاً من قطر والسعودية وتركيا والإمارات باعتراف وزير قطر السابق حمد بن تميم.
هنا، كانت إيران بمفردها بالمرصاد وسط غياب روسي، وصل إلى حدود التواطؤ في مرحلة الرئيس الروسي السابق يلتسين، فعملت على رعاية حزب الله تسليحاً وتدريباً وتمويلاً وربما أكثر، حتى نجح في تحرير جنوب لبنان رادعاً “إسرائيل” في أكثر من مرحلة.
كما جابهت الثورة الإيرانية المشروع الأميركي في سورية والعراق بدعم مفتوح للدولة السورية والحشد الشعبي في العراق اللذين انتصرا على المنظمات الإرهابية المحشدة لمئات ألاف العناصر.
هؤلاء استعملوا الحدود التركية والأردنية لاحتلال ثلاثة أرباع سورية والعراق، ولولا التحالف الذي جمع حزب الله والحشد الشعبي العراقي والدولة السورية مع إيران، لكان معظم الشرق الاوسط تحت سيطرة داعش والنصرة. هناك ثلاث نقاط اضافية أسهمت بنيوياً في حماية الشرق الاوسط وأولها الدعم الإيراني للقضية الفلسطينية في الداخل المحتل وبين اللاجئين الفلسطينيين في الدول المحيطة.
ها هو قائد منظمة حماس إسماعيل هنية يعترف بأن دعم إيران لمنظمته في غزة أدّى إلى صمود القطاع ومنع انهيار القضية، خصوصاً بعد انهيار سلطة محمود عباس في الضفة الغربية المحتلة، وتخليها عن تحرير فلسطين مقابل كانتون صغير.
أما الثانية فهي اليمن الذي تسانده إيران تسليحاً وتدريباً وتمويلاً في وجه حرب مستمرّة تشنها عليه السعودية والإمارات والاخوان المسلمون بتأييد أميركي ـ غربي إسرائيلي تركي منذ خمس سنوات متواصلة ومستمرة.
هذا اليمن اليوم يسجل النصر تلو الآخر ساحقاً القوات المهاجمة المغطاة بمقاتلات أميركية وإسرائيلية، بما يؤكد هزيمة المشروع الأميركي في اليمن والعراق.
أما النقطة الثالثة فهي في آسيا الوسطى حيث حاول الأميركيون استخدامها للنيل من إيران، فعلى جبهة البلوتش تلك الأقلية الموجودة على الحدود الباكستانية الإيرانية، فقد تمكّن الإيرانيون من إجهاض الاستعمال الأميركي ـ الخليجي لأدوار تخريبية لها داخل إيران بالصدام المباشر معها أو بالتنسيق مع باكستان.
كما أجهضت إيران المشروع السعودي ـ الإماراتي بتحريض طالبان الأفغانية عليها، وتمكنت من بناء خطوط اتصال وتأثير على القيادة الأفغانية، حتى أصبح لطهران نفوذ في باكستان أقوى من الاحتلال الأميركي فيها.
وهو نفوذ يجمع بين علاقات مع قيادات في الدولة الأفغانية ومنظمة طالبان والهزارة الأفغان المقيمين غرب حدودها.
بذلك تكون إيران قد تمكنت من تأمين حدودها مع العراق وتركيا وباكستان وأفغانستان بشكل كامل، ونجحت في دعم الخط اللبناني السوري العراقي اليمني، ما أدّى إلى فشل المشروع الأميركي بشرق أوسط كبير يواليها لقرون مقبلة.
ألا تكفي هذه الأدوار لاعتبار إيران قوة شرق أوسطية أولى، مقابل تراجع وظائف “إسرائيل” ومصر وتركيا والسعودية؟
لذلك فإن تطور الدور الإيراني أنما يتأسس على حساب تراجع النفوذ الأميركي عبر انحسار ادوار وكلائها وحروبها المباشرة.
وهذا يفسر اسباب الجنون الأميركي الذي يريد تفجير الدولية الإيرانية بأي وسيلة ممكنة.
فهل هذا ممكن؟ لم تتمكن أميركا من تحقيق هذه الأمنية في ال41 سنة الماضية، ما يؤكد أن حلف المقاومة ذاهب نحو المزيد من محاصرة النفوذ الأميركي حتى تحرير كامل الشرق الأوسط لمصلحة شعوبه وتاريخه وحضاراته.