تقاذف المسؤوليّات يعكس استمرار تضارب السياسات المالية والنقدية الرسمية عبود لـ«البناء»: الأزمة كبيرة وتتطلب إجراءات إنقاذيّة سريعة أهمها الانفتاح على سورية والعراق
} محمد حميّة
فيما انتهت اللجنة الوزارية لصياغة البيان الوزاري من إعداد البيان أمس، على أن يقرّه مجلس الوزراء في جلسة يعقدها الخميس المقبل في بعبدا تمهيداً لعقد جلسة للمجلس النيابي لمنح الحكومة الثقة، تشتدّ وطأة الأزمات الاقتصادية والمالية والمصرفية على المواطنين، مع موجة الغلاء الفاحش التي تجتاح الأسواق إضافة الى ارتفاع نسبة البطالة مع إقفال العديد من المحال التجارية والفنادق ما سيرتب تداعيات اجتماعية كارثية، فضلاً عن بقاء سعر صرف الدولار على ما هو عليه وتسريبات حول إجراءات تقنين مصرفية قاسية جديدة ستتبعها المصارف بحق صغار المودعين خصوصاً، فيما يتم التداول بسلة ضرائبية جديدة ستطال الطبقات الشعبيّة الفقيرة.
كل ذلك يتم وسط إرباك وضياع وتقاذف للمسؤوليات بين المعنيين بالشأنين المالي والنقدي، لا سيما بين وزير المالية وحاكم مصرف لبنان مع «تطمينات وهمية» لجمعية المصارف. وكان لافتاً كلام حاكم البنك المركزي رياض سلامة من السرايا الحكومي بعد خروجه من الاجتماع المالي الذي عقد برئاسة دياب وبحضور وزير المال غازي وزني، حيث قال سلامة رداً على سؤال عما إذا كانت هناك نيّة لقوننة الإجراءات المصرفية التي تقوم بها المصارف بناء على ما تسرّب من محضر الاجتماع بين الحاكم وجمعية المصارف: «ما رح قول شي اسألوا وزير المالية». عندها أجاب الصحافيون: سألنا وزير المالية وقال لنا اسألوا الحاكم، فقال سلامة: «حتى هيدي عم يكبّها عليي».
وقال خبراء ماليون واقتصاديون لـ«البناء» إن «تبادل المسؤوليات بين المعنيين يؤشر الى استمرار الخلاف والتباين في السياسات المالية والنقدية الرسمية بين الحاكمية وجمعية المصارف ووزارة المال، فضلاً عن خلاف في المصالح بينهم»، موضحين أن «المصارف قطاع خاضع لرقابة لجنة الرقابة على المصارف التي تتبع بدورها لمصرف لبنان، أما السياسة المالية فخاضعة لوزارة المال وبالتالي فإن كل ما يخصّ شؤون المصارف يُسأل عنه حاكم مصرف لبنان»، ويلفت الخبراء الى أن «الصلاحيات الاستثنائية التي يطلبها الحاكم تتعلق بوضع معايير موحدة لكافة القطاع المصرفي لجهة سحوبات المودعين من المصارف»، متسائلة حول التسريبات التي تتحدث عن التعاميم المخصصة للسحوبات بالليرة اللبنانية وعدم ذكر السحوبات بالدولار؟ فهل يؤشر ذلك الى إمكانية استبدال سحب ودائع الدولار بالليرة؟ ويضيف الخبراء: لأمر مهم أن نعزز صمود القطاع المصرفي عبر اجراءات مصرفية تحميه من الإفلاس او الانهيار لكن ليس على حساب إعدام قطاعات اخرى كقطاع الصناعة والتجارة»، مشيرين الى أن «تقشف البنوك لجهة القروض سينهي قطاع الصناعة كلياً ويهدد بإقفال ما تبقى من المصانع وتشريد مئات العائلات». في المقابل قامت مجموعة من المحامين والناشطين والحقوقيين بتقديم دعاوى على جمعية المصارف لاحتجازها ودائع المواطنين وكسب أرباح كبيرة على حساب الناس، وتخوّفت أوساط مصرفية من معركة قضائية بين المواطنين والمصارف ستؤثر سلباً على عمل بعض المصارف المهددة بالإفلاس حيث يسعى المصرف المركزي الى دمج بعض المصارف لإنقاذها.
ولفت وزير الصناعة الأسبق فادي عبود لـ»البناء» الى أن «الأزمة كبيرة، لكن الخروج منها ليس بالأمر المستحيل, وتبدأ بوضع خطة عاجلة لتشجيع الاستثمار وخلق فرص عمل لتخفيض نسبة البطالة لما لها من تداعيات كارثية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي»، ومن الإجراءات بحسب عبود «تخفيض الفوائد على الودائع والسندات الى 2 في المئة»، ملاحظاً في هذا المجال «غياب رقابة المصرف المركزي ولجنة الرقابة على المصارف لنسبة الفائدة التي تحددها جمعية المصارف».
ومن الإجراءات ايضاً بحسب عبود «الغاء الحماية الجمركية للوكالات الحصرية ما يؤدي الى تنشيط الاسواق وخفض الاسعار»، ويضيف عبود على سبيل المثال لا الحصر إن «لبنان يستورد ملياراً ونصف مليار دولار أدوية ما يتطلب من الحكومة الجديدة دعم أدوية الجنيريك وليس الماركات». ويرى عبود أن «أهم ما يجب على الحكومة القيام به للنهوض بالاقتصاد وتنشيط الأسواق وتعديل الميزان التجاري وميزان المدفوعات، هو الانفتاح الاقتصادي على سورية لتخفيض رسوم الترانزيت على غرار ما حصل بين سورية والأردن اضافة الى فتح السوق السورية على الإنتاج اللبناني. وبالتالي فتح سوق العراق ما يوفر للخزينة اللبنانية مليار دولار سنوياً لا سيما وأن أهم سوق للإنتاج اللبناني هو العراق كما أن سوق العراق يفتح سوق الخليج ايضاً».
وعلمت «البناء» أن قطاعات وظيفية عدة تترقب الصيغة النهائية للبيان ومنح الثقة للحكومة وسياسة الحكومة الضرائبيّة والاقتصادية وتستعدّ لتنفيذ تحرّكات احتجاجيّة إذا مسّت برواتب موظفي القطاع العام أو المتقاعدين أو فرض ضرائب جديدة وفقاً للإجراءات الموجعة التي تحدث عنها رئيس الجمهورية، غير أن مصادر حكومية نفت لـ»البناء» «أي توجّه لفرض ضرائب على المواطنين، بل ستطال المؤسسات ومواقع التهرب من الضرائب»، وأوضحت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد في هذا الاطار أنه «لا يوجد أي تعديل ضريبي، لأن أي تعديل يتم بقانون حسب المادة 81 من الدستور وبالتالي حكماً إن البيان لا يلحظ تعديلات ضريبية ولكن يلحظ إصلاحات ضريبية ومالية نقدية يتم الحديث عنها في وقتها».