شقراء الشاشة نادية لطفي… حكاية أصالة مناضلة ومسؤولة وهذه هي
} جهاد أيوب
حينما زرتُ أرض الكنانة العام الفائت طلبت من المشرفين على الزيارة التوجّه فوراً إلى مستشفى العسكري للسلام، والاطمئنان على صحة فنانة تشكّل كتاباً من المسؤولية في الفن وفي الوطن وفي الصداقة، وحكايتها مع المواقف الوطنية سبقت العديد من المناضلين إلى مواقف تُحسب على أهل الوفاء وأهل القرار في أن نكون رغم الخيانات والغدر والضياع المتعمد للهدف !
يومها فاضت بالحديث عن تفاصيل زياراتها إلى بيروت بمناسبات فرحة وأليمة، تذكّرت الكثير من الأصدقاء منهم مَن رحل، ومنهم مَن ينتظر، وتسامرنا عن مشوارها خلال الاجتياح الإسرائيلي إلى بيروت، كيف دخلت، كيف استقبلت، وكيف زرعت السلاح بين العيون رغم الدمار.
تذكّرنا معاً حكاية تصوير فيلم «ناجي العلي» بطولة نور الشريف، وكيف كانت كلما لمحتني تطلب مني الماء وبأن أبقى إلى جانبها… كانت أياماً لا تغيب عنها الشمس رغم قسوتها…
هي جميلة دخلت الفن من باب الموهبة المشرقة، وموهبة متصالحة مع الفن من خلال تجسيد كل الأدوار بتفوّق وثقة…
هي التي تجدها واضحة الخطوات، حاسمة القرار، مع أهل الشوارع العربية، ومع فلسطين ولبنان وكل الأصوات الباحثة عن الحرية الحق…
هي نادية لطفي، ومَن منّا لا يعرف تلك الشقراء التي هطلت علينا كالمطر عبر السينما، ومن خلال جديّتها في أن تكون مختلفة عن أبناء جيلها الفني آنذاك رغم جمالها الشكلي ولكن جمال موهبتها طغت، وفرضتها بذكاء.
في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وفي حرب اكتوبر عام 1973 رمت بشهرتها جانباً وهجرت منزلها، وذهبت لرعاية الجرحى والمصابين، وحينما وقعت بيروت تحت الاحتلال الصهيوني عام 1982 دخلت بيروت الجريحة وإنما إلى المقاومة اللبنانية والفلسطينية، كما هي أول مَن صوّر ووثّقت مجازر صبرا وشاتيلا.
كانت تعتبر نفسها إبنة الأمة العربية، وحينما ذكّرتها بهذا الوصف الذي تبنّته ذات يوم ضحكت ضحكة طويلة وقالت: «مش كل العرب… ليه في بعد مَن يقبل بالعروبة؟»!.
رغم انشغالها بنجوميتها جالست كبار أهل الفكر والإعلام والسياسة والبسطاء في شوارع المحروسة، والجميل في سيرة نادية أن لها في كل بلد عربي أصدقاء وأحباباً…
وحينما ذكّرتها بصفعة عبد الحليم حافظ لها في فيلم «أبي فوق الشجرة» وأغمي عليها أخذتنا إلى حكايات طويلة عن تلك المرحلة تتطلّب مقالة خاصة.
أما كيف كانت علاقتها بالأسطورة صباح بعد أن حلّت ضيفة شرف في فيلمها «كانت أيام» إنتاج وبطولة رشدي أباظة، وهو الفيلم الوحيد الذي وافقت أن تكون فيه نادية ضيفة شرف وهي نجمة متوهّجة ونشيطة في حينه، قالت: «صباح دي حكاية رائعة، متواضعة، جميلة، أنيقة وفنانة بكل شيء، كنت معجبة فيها وأنا صغيرة، وحلمي أشوفها، وبس دخلت الفن حبيتها أكثر، يعني ما انصدمتش فيها… الله على ذوقها وعلى أغانيها، وعلى لسانها ما كانتش تستغيب حدّ… في الفيلم ده كانت فعلاً أيام رائعة»!.
أخبرتني عن عشقها للخيول، حيث امتلكت جوادين، كما كان لديها كلبها باتشو الوفي والغالي: «بعد موته رفضت تربية الكلاب!».
وطال الحديث بيننا مع ابتسامة وجدّية حينما أخبرتني عن أنها عضوة فاعلة في جمعية الحمير التي تأسست عام 1930، وقالت: «بعض العرب لازم يحسدوا الحمير على كل شيء»!.
رحلت نادية لطفي (بولا محمد لطفي شفيق) – 83 عاماً – التي ولدت في 3 كانون الثاني عام 1937 من أب مصريّ وأم بولندية.
حازت على دبلوم من المدرسة الألمانيّة عام 1955، اكتشفها المخرج رمسيس نجيب وأسماها نادية تيمّناً باسم بطلة قصة الكاتب إحسان عبد القدوس «لا أنام».
تزوّجت ثلاث مرات، الأول عن عمر العشرين من ابن الجيران ضابط بحري يدعى عادل البشارى الذي هجرها مغترباً ومن ثم تمّ الطلاق، وأنجبت منه ابنها الوحيد أحمد، ومن ثم تزوّجت في أوائل السبعينيّات من المهندس إبراهيم صادق شفيق، ومن بعده تزوّجت من محمد صبري.
رغم معارضة والدها دخولها الفن أصرّت نادية لطفي أن تثبت له قيمة الفن، وبأن الإنسان هو الذي يُضيف على المهنة الموهبة الاحترام، لذلك تفوّقت، تميّزت، نجحت، وكانت صديقة غنية بمواقفها، وبمشوار من ذهب.
من الأمور الحزينة في حياة نادية لطفي أنها عاشت وشاهدت تشتت العرب، خيانات وتآمر، وطعنات العرب في ما بينهم، والقاسي عليها كان أن يدمّر العربيّ بلاد وعواصم العربيّ!