الحرب على سورية والعلاقات الدولية…
} ربى يوسف شاهين
نظراً لتشابك المشهد السياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً منذ الحرب على سورية، بدأت منظومات إقليمية ودولية تتشكل وفق مقتضيات المصالح الأمريكية، حيث أنّ ما يُسمّى الربيع العربي الذي بدأت شرارته الأولى في تونس، وأدّى إلى الإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي، كانت أوّل هتافاته “الشعب يريد إسقاط النظام”، لتتابع ما يسمّى الثورات العربية في مصر وليبيا وسورية.
فالوقائع التي أعقبت الاحتلال الأميركي للعراق، أظهرت بوضوح تامّ حقيقة المصالح الغربية في الشرق الأوسط، وتحديداً في سورية، لتبدأ مراحل الغزو الغربي المُمنهج تظهر جلياً خلال وأثناء الحرب على سورية.
بدأت تشكيلات التحالف الغربي تتشكل لتعلن ساعة ظهورها الحتمي، والذي بدأ منذ العام 2014 في سورية، لتنتهج سياسة أشبه بـ سياسة الحرب العالمية الثانية. فالحلفاء اجتمعوا هذه المرة على منطقة الشرق الأوسط، ليُحققوا أمجاد الحروب السابقة، ولكن السنوات التي أعقبت الحروب حملت العديد من التطورات الجيوسياسية والعسكرية والاقتصادية، لذلك لجأت الى حروب الوكالة مع الاحتفاظ بالمبدأ الأساسي لها كدول عظمى كأميركا وبريطانيا، وإنْ كانت الأخيرة قد سلمت واشنطن زمام القوة لكنها بقيت المشرف والمساند الأوّل.
حين أدركت الدول الفاعلة للحرب على سورية، ومن مشهد الناظر للانتصار الكبير للجيش السوري والحليفين الروسي والإيراني، بدأت مهمة النظام التركي تتوضح أكثر فأكثر، فما بين الصعود والهبوط، شكلت الحرب على سورية ميزاناً للعلاقات الإقليمية والدولية، عبر من يُتقن إدارة السياسات الخارجية والدبلوماسية. فالولايات المتحدة ومع تسلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب زعامة البيت الأبيض، ركّز جهوده السياسية والعسكرية لتحويل الشرق الأوسط، إلى بؤرة تنسجم ومُخططات الإدارة الأميركية.
دخلت تركيا عبر جماعاتها الإرهابية في العمق السوري، لتنفيذ مخططات الحرب الكاملة على المنطقة العربية، ومع التطورات التي شهدها الميدان السوري بين صعود وهبوط، تجلت في انتصارات كبيرة باستعادة المنطقة الوسطى كحمص والشمال كحلب والجنوب كدرعا ودمشق، منعطفاً كبيراً في الحرب ضدّ الجماعات التكفيرية الإرهابية المدعومة تركياً وأميركياً.
هنا بدأت القوى الحليفة لسورية تُحجم اللعبة السياسية التي حيكت لسورية، فأنتجت تحالفات غير متوقعة مع كثير من الأطراف المشاركة والمراقبة للوضع السوري.
روسيا مثلاً استطاعت عبر سياستها أن تحتوي النظام الأردوغاني وحلمه العثماني، لتجعل منه شريكاً في الحلّ السياسي للأزمة السورية، ورغم كمّ الانتهاكات التي كان يرتكبها النظام التركي عبر جماعاته الإرهابية، إلا انّ الجانب الروسي كان يستغلها لتغيير قواعد اللعبة نحو دفته، لتحقيق ما تمّ الاتفاق عليه مع القيادة السورية في تحقيق السيادة السورية على كافة أراضيها.
المراقب لمُجريات الأحداث على الساحة السورية والإقليمية، ومع كمّ الدمار والقتل والعمليات الحربية الميدانية التي حصلت، وما تخللته من فبركات عبر استخدام الجيش السوري للأسلحة المحرمة دولياً، وكمّ النازحين واللاجئين السوريين منذ اندلاع الحرب على سورية، يميل يقينه إلى انّ الخسارة واقعة لا محال على الأرض السورية، لكن وبعد هذه السنوات التسع، أظهرت الدولة السورية والجيش السوري والحليفان الروسي والإيراني، تفوّقهما على الساحتين السياسية والعسكرية في سورية.
هي تطورات للميدان السوري عكست إيجابياتها على الساحات العربية ككلّ، فالانتصار الذي تشهده سورية قلّ نظيره، فكان لابدّ لـ واشنطن من إحداث فجوة تستطيع بها كسر جماح القوة التي تتمثل بالمقاومة عبر اغتيال الشهيد قاسم سليماني، لتحدث في الداخل الإيراني ومحور المقاومة ككل إنكساراً كبيراً، لأنّ كلّ السبل التي انتهجتها واشنطن من حصار اقتصادي لم يردع الحليف الإيراني. هي محاولة أميركية لإحداث بلبلة إقليمية وانقسامات بين الأديان والطوائف داخل المجتمع الإسلامي، حيث تمّ الاغتيال على أرض العراق، مُنتهزة بذلك عدم الاستقرار الذي تعيشه المنطقة العربية ككلّ، ولتظهر الوجه المشرّف للمقاومة على انه إرهاب.
إلا انّ هذه الأحداث أظهرت مرة أخرى مدى التعاون الكبير بين الحليفان الروسي والإيراني والسوري، فالمعركة لم تنتهِ والدول الثلاث عازمة على المضيّ قدُماً في مواصلة حركة الحلّ السياسي للحرب على سورية، وفق البندين الأساسيّين السياسي والعسكري، ووفقاً لمتطلبات المرحلة القادمة، مع الاستمرار بانتهاج سياسات رادعة لواشنطن وخططها في المنطقة…