الجيش السوريّ يدخل سراقب ويتحدّى الجيش التركيّ… وترامب للاستعداد لمغادرة المنطقة بريّ: 5 أصحاب مصارف حوّلوا 2,3 مليار $… وحلّ الكهرباء على طريقة زحلة تساؤلات حول موقف الحكومة بين السير بسياسة مصرف لبنان أو تغيير السياسات
كتب المحرّر السياسيّ
رغم قيام مجلس الشيوخ الأميركيّ بما كان متوقعاً بتبرئته من التهم التي كانت مدخلاً لدعوى العزل التي قدّمها بحقه النواب الديمقراطيون في مجلس النواب الأميركي، بقي خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في «حال الأمة» هو الحَدَث، حيث شكّل فرصة لاستقراء الخيارات التي سينتهجها في حملته الانتخابية في السياسة الخارجية، بعد التصعيد الذي شهدته المنطقة منذ اغتيال القائدين قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس، وما تلاها بالإعلان عن صفقة القرن، وقد جاء كلام ترامب لافتاً في الحديث عن نيات مغادرة الشرق الأوسط، ولو تحت عنوان أن «المهمة قد نفذت»، مشيراً إلى اغتيال سليماني وإلى ما نسبه للقوات الأميركية من فضل في التخلص من داعش وإنكار دور القائدين سليماني والمهندس الأوضح والأشد حسماً وتأثيراً من الدور الأميركي في هذا الإنجاز، لكن كان واضحاً أين هي الوجهة الرئيسية للحملة الانتخابية لترامب من حجم الوقت الذي خصصه ترامب للملف الإيراني كله ولملف صفقة القرن معاً قياساً بملف فنزويلا الذي منحه أضعاف الوقت المخصّص للمنطقة، واستضاف لتزخيمه زعيم المعارضة الفنزويلية خوان غوايدو كضيف شرف على الجلسة التي عقدها الكونغرس لسماع للخطاب، فيما كان ممكناً أن تكون الاستضافة لمريم رجوي زعيمة مناهضي الدولة الإيرانية في المهجر والتي وعدها مستشار ترامب السابق للأمن القومي جون بولتون باللقاء معاً في طهران بعد إسقاط النظام. مصادر متابعة لمواقف ترامب قالت إن خطابه السياسي الذي رسمت كلمته أمس، ملامحه الرئيسية لا يتعاطى مع ملفات المنطقة كعنوان جاذب إلا من زاوية التبشير بالمغادرة، بينما يسعى لاستقطاب اللاجئين من بلدان أميركا اللاتينيّة المناهضة عادة للحكومات اليسارية، متخذاً من المواجهة مع حكم الرئيس نيكولاس مادورو عنواناً لمواجهة هذه الحكومات أملاً بالتأثير بالناخبين من أصول لاتينية، بينما لم يلفت الخطاب انتباه الإيرانيين الذين أخذوا وجهتهم في توفير موجبات مواجهة يرونها طويلة حتى خروج الأميركيين، وهو ما لن يتحقق برأي قادة إيرانيين كبار إلا بالإكراه، بينما لا تمانع إيران في التفاوض مع دول المنطقة، رغم الخلافات ونظرتها لهذه الحكومات ومآخذها عليها بالتبعية لواشنطن، «لأنهم في النهاية جزء طبيعي من جغرافيا المنطقة والجغرافيا مستبدّة وقدر الجيران التحاور للبحث عن حلول للخلافات تجنّب المنطقة المزيد من التوتر».
في المشهد الإقليميّ واصلت سورية تصدر الأحداث مع نجاح الجيش السوري بمحاصرة نقاط المراقبة التركية وتحييدها لمواصلة التقدّم نحو سراقب وإدلب، رغم التهديدات التي أطلقها الرئيس التركي وردّت عليها سورية بقبول التحدّي. وكان الحدث ليل أمس دخول الجيش السوري إلى سراقب، وفتح طريق التقدّم نحو كل من جسر الشغور على طريق اللاذقيّة حلب أو التوجّه نحو إدلب، وفقاً لما تراه القيادة السياسية والعسكرية في سلم الأولويات.
لبنانياً، لا تزال الأوضاع المالية وكيفيّة التعامل معها من قبل الحكومة الجديدة محور التداول في ضوء غموض التوجّهات المالية التي تضمّنها البيان الوزاري، وتداول عدد من الأحزاب والقيادات تساؤلات متشابهة حول ما إذا كانت الحكومة ستفرض تغييراً في السياسات المالية التي اعتمدت خلال ثلاثين عاماً وأوصلت الحال إلى شفا الانهيار، والتي رسمها مصرف لبنان تحت عنوان أولوية الاستقرار النقديّ، في تحديد أسعار الفوائد، رغم وظيفة الفوائد في كبح نمو الاقتصاد وإصابته بالركود، والموضوع كان موضع بحث وتشاور بين حركة أمل وحزب الله برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري وحضور وزير المالية غازي وزني، بما في ذلك ما تسرّب عن موقف ضمنيّ لدى الحكومة للأخذ بوصفات صندوق النقد الدولي، وكما في السياسة المالية كذلك في الكهرباء بقي الغموض يكتنف خطة الحكومة مع تأكيدها السير بالخطة المعتمَدة من الحكومة السابقة، ما استدعى كلاماً واضحاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري بصيغة التساؤل، لماذا لا يتمّ حلّ مشكلة الكهرباء على طريقة كهرباء زحلة، أي زيادة التعرفة بالتزامن مع تأمين الكهرباء 24 ساعة فوراً بطرق مختلفة من الاستجرار من سورية والأردن وتشبيك مولدات مع الشبكة الأساسية، وتأمين ربحية بدلاً من العجز، بينما كانت مفاجأة كلام بري كشفه عن أن الذين هرّبوا أموالهم للخارج هم خمسة من أصحاب المصارف قاموا بتحويل 2,3 مليار دولار.
وفيما أفيد عن خلاف بين أطراف الحكومة على بنود عدة في البيان الوزاري لا سيّما ملف الكهرباء، أكدت مصادر “البناء” أن “مجلس الوزراء سيقرّ البيان الوزاري بالإجماع بعد مناقشة كل بنوده في جلسة اليوم مع تدوين ملاحظات الوزراء إذا وجدت”، فيما أكدت أوساط السرايا الحكومية أن “لا خلاف خلال صوغ البيان الوزاري وكان التوجّه لإدراج خطة الكهرباء من الحكومة السابقة”.
ويبدو أن القوات اللبنانية اتخذت من ملف الكهرباء عنواناً ومنصة للحملة الجديدة على التيار الوطنيّ الحر وعلى العهد ورئيس الجمهورية، بحسب مصادر التيار الوطني الحر لـ”البناء”، مشيرة إلى أننا “لن ننجرّ إلى مواجهة مع أي طرف آخر. وهناك توافق بين التيار ورئيس الحكومة حول بنود البيان الوزاريّ للحكومة التي ستنطلق للعمل بجديّة وكفريق عمل واحد لإنقاذ البلد”. ولفتت إلى “حملات التهويل والإشاعات التي تشنّها بعض وسائل الإعلام المحسوبة على القوات والاشتراكي والمستقبل بالحديث عن مقاطعة دولية تارة وغضب سعودي على العهد والتيار تارة أخرى”.
وفي سياق ذلك، أكد وزير الخارجية ناصيف حتّي العائد من السعودية أن “لا صحة للحديث عن برودة الأجواء معي في السعودية”، وأشار إلى أن “كل الدول لديها مصلحة بحماية استقرار لبنان”. ولفت حتّي في حديثٍ للـ”او تي في” إلى أن “البيان الوزاري عكس رؤية إصلاحية مختلفة عما كان قائماً في الماضي”.
ولم يغِب ملف الكهرباء عن مداولات لقاء الأربعاء النيابي في عين التينة، حيث استغرب رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بحسب ما نقل عنه النائب علي بزي، ما سرّب في البيان الوزاري لجهة مقاربة موضوع الكهرباء كما كان في السابق، وسأل “لماذا لا تتم معالجة هذا الملف في لبنان على غرار معالجته في مدينة زحلة؟”. ولفت بري الى أن “جلسة مناقشة البيان الوزاري على الأرجح ستُعقد ابتداء من الثلثاء المقبل في حال إحالة البيان الى المجلس النيابي كحدّ أقصى يوم الجمعة”. وأكد “أن دقة الظروف الراهنة لا تحتمل جلد الناس والوطن المؤسسات”، وقال “إننا أمام فرصة حقيقية للإنقاذ، فإما أن نتلقفها فننجح أو ننكفئ عنها فننفصل”. وكشف بري عن أن “خمسة مصارف تأكدنا أن أصحابها حوّلوا أموالهم الشخصية الى الخارج وتقدّر بمليارين و300 مليون دولار”.
كما أُفيد عن اجتماع ماليّ عُقد في عين التينة ضمّ إلى الرئيس بري وزير المال غازي وزني ووزير المال السابق علي حسن خليل والنائب علي فياض والخبير الاقتصادي عبدالحليم فضل الله. أما كتلة التنمية والتحرير، فدعت الحكومة الى الإسراع فوراً في العمل لإيجاد الحلول السريعة لوقف إذلال الناس والمودعين وعلى المصارف وأصحابها تحمل المسؤولية القانونيّة المترتبة على تعريض أموال الناس وأرزاقهم للخطر.
وفيما تستعد الحكومة للمثول أمام المجلس النيابي لنيل الثقة الثلاثاء المقبل، تعدّ مجموعات الحراك العدة لتعطيل الجلسة ومنع النواب من الوصول الى ساحة النجمة. وأوضحت مصادر بعض مجموعات الحراك لـ”البناء” أن “كل المجموعات ستنزل الى الشارع لرفع المطالب الشعبية أمام الحكومة والمجلس النيابي وكل المسؤولين لكن هناك مجموعات ستعمل على منع النواب من الوصول الى المجلس النيابي لتعطيل جلسة الثقة”، وأضافت المصادر بأننا “لسنا هواة عنف ونرفض الشغب الذي تقوم به بعض العناصر المخربة التي ترسلها جهات معنية من طرابلس وعكار، لكن ايضاً هناك مخالفات قانونية وامنية بالتعاطي مع المتظاهرين ووثقنا حوادث عدة تؤكد حصول اخطاء من قبل القوى الأمنية والمتظاهرين، لكن لا يمكن ضبط كل المتظاهرين بعد مئة يوم من الانتفاضة وتجاهل المسؤولين”.
على صعيد آخر، برز الرأي الذي أعلنته هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل برئاسة القاضية جويل فواز بشأن قضية استرداد الدولة لإدارة شركتي الخلوي. ويقضي الرأي بعدم قانونية تمديد عقود الإدارة التي قام بتمديدها وزير الاتصالات السابق محمد شقير وضرورة استعادة الدولة لهذا القطاع. وقد أحيل القرار إلى المديرة العامة لوزارة العدل القاضية رلى جدايل للمصادقة عليه وإبلاغه بواسطة وزيرة العدل إلى مجلس النواب وإلى اللجنة النيابية للإعلام والاتصالات وإلى وزارة الاتصالات، وذلك قبل انعقاد الجمعيّة العموميّة لشركة “تاتش” يوم الجمعة المقبل.
ما يدعو للتساؤل: كيف سيتعامل المجلس النيابي مع هذا الرأي؟ وهل سيأخذ وزير الاتصالات الجديد المحسوب على اللقاء التشاوريّ رأي الهيئة، طالما أن الجميع يعلنون جهاراً التزامهم بما يقرّره القضاء؟ أم أن حكومة الرئيس دياب لن تخوض مواجهة مع فريق الرئيس سعد الحريري السياسي لا سيما أن وزارة الاتصالات كان يتولاها وزراء من تيار المستقبل في أغلب الحكومات الماضية؟ وقالت مصادر نيابية لـ”البناء” إن “شركتي الخلوي تحققان أرباحاً كبيرة وتحوّلان جزءاً صغيراً منها لخزينة الدولة وتتصرفان بالجزء الآخر على حسابهما، فيما تدفع الدولة رواتب موظفي القطاع، الأمر الذي يستوجب من الدولة استرداد القطاع لملكيتها الخاصة والاستفادة المباشرة من عائداته”.
إلى ذلك، قدّم عضو كتلة الوفاء للمقاومة، النائب حسن فضل الله اقتراح قانون معجلاً مكرراً لتعديل قانون المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء واقتراح تعديل دستوري آخر، وأمل فضل الله خلال مؤتمر صحافي عقده في مجلس النواب، “من جميع الكتل أن تشارك معنا في هذا الإصلاح الجوهري والحقيقي للمنظومة القانونية التي من خلالها يمكن أن نكافح الفساد بالقدر الذي نستطيع فيه إزاحة الحصانات السياسيّة والمذهبيّة عن أي فاسد”.